مُناظرة بين داوكنز ولينوكس / ج 4 , العدالة !
Debating
رعد الحافظ
أستمر معكم في قراءة وتفريغ محتوى شريط المناظرة العلميّة الفلسفيّة
حول العلم والإله , بين عالمين بريطانيين مُميزيّن .
http://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=VrOKDy421fY
هذهِ مُناظرة مفيدة لجميع الأطراف , فإن لم يستفد منها المرء معرفياً , فيكفيهِ أن يطلّع على الصورة الحضاريّة الراقيّة لمناظرات الكبار في العلم والنفوس , والمتواضعين المتسامحين مع الجميع .
هؤلاء العالمين هما :
الأوّل / ريتشارد داوكنز , عالم بايولوجي , لا ربوبي
الثاني / جون لينوكس , عالم رياضيات , مؤمن
مدير الحوار / لاري تاونتون
المكان / قاعة متحف التأريخ الطبيعي في جامعة أوكسفورد العريقة .
************
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=292522
نهاية الجزء الثالث كانت قول لينوكس التالي :
إن كانَ يسوع فعلاً بُعِثَ من الموت تأريخياً فهذا يُشكّل فرقاً عظيماً في رؤيانا للعالم .
فعلى عكس إعتبارها تافهه إن كان هذا هو الإله الذي يُخاطبنا , فسآخذهُ بجديّة مُتناهيّة . فلماذا تعتبرها تافهه ؟
**********
الآن الجزء الرابع
داوكنز : بالطبع ستشكل فرقاً كبيراً لو كانت حقيقة .
ولكنّكَ فجأةً إنحدرتَ من نقاش راقٍ حول أصل الكون , أقصد حينما كنّا نناقش عبقريّة كونيّة لقوانين الفيزياء . ثمّ فجأةً قفزتَ الى رجل عاش قبل ألفي عام , ووِلِدَ من عذراء , وبُعِثَ من الموت !
لينوكس مقاطعاً : ذكرتهُ لأنّكَ تناولتهُ في البداية .
داوكنز : نعم لكنّي أعتقد أنّ هذا كلام تافه مقارنةً بجلال الكون .
سأعيد نقطتي مرةً اُخرى , هل تعتقد فعلاً أنّ الذي صمّمَ هذا الصرح الكوني العظيم بسعتهِ ومجراتهِ , لم يجد وسيلة أفضل لتخليص الخطايا على ذرّة الغبار هذهِ , مِنْ أنْ يُسلّم نفسهُ للتعذيب ؟؟؟
هو الذي يصفح الخطايا بكلّ حال , فلماذا لم يصفح وحسب ؟
لينوكس : لأنّ هذا كون أخلاقي يا ريتشارد !
الإصفاح Forgiving وحسب , ليس منطقياً .
داوكنز : هل تعني أنّهُ توجّب عليهِ قتلَ نفسهِ
لينوكس : هو لم يقتل نفسهُ !
داوكنز : يُسلّم نفسهُ للقتل والتعذيب !
لينوكس : الله أرسلَ إبنهُ للعالم , ليقدّم الغفران .ولكي يقدّم أرضيّة , بناءً عليها يُمكن أن يجلب الغفران لي بعدالة .
داوكنز : وهل كان عليهِ أن يُقتَل من أجلِ هذا ؟؟؟
لينوكس : علينا تجاوز هذهِ اللحظات ,لأنّهُ لديّ موضوع ذي صلة كبيرة.
في عالمكَ , أينَ توجد العدالة ؟
داوكنز : العدالة مفهوم إنساني ذو أهميّة عاليّة في العلاقات البشرية , إنّهُ شيء يحمل أغلبيتنا حسّاً لهُ .
وأعتقد يمكن تفسيرهِ بالتطوّر الدارويني , لكنّي لا أستوعب ماتُريد الوصول إليه ؟
لينوكس : سؤالي هو , هل توجد عدالة مُطلقة ؟
لأنّكَ تقول أنّ هذا تافه . بينما أنا أقول أنّي أجد نفسي في عالم مُحطّم فيهِ ظلماً كبيراً , الكثير من الناس لايجدون حقّهم . ونحنُ محظوظون إذ نعيش في أوكسفورد ولدينا كثير من المال لنعيش .. الخ
لكن , إنْ لم يكن هناك إله , فلا توجد عدالة مُطلقة !
وأحد الأشياء التي تنقل بعثَ يسوع بالنسبة لي , من التفاهة الى الأهميّة القصوى , هو كون ذلكَ البعث حقيقياً , فهناك أمل حقيقي بالتقييم العقلاني والعدالة في نهاية العالم , واللاربوبيّة تفتقد لهذا !
داوكنز : حسناً فلنفرض أنّهُ لا يوجد أمل ولا عدالة .
ولنفترض أنّهُ لاتوجد سوى المآسي والظلمة والشؤم .
ولنفترض أنّهُ لا يوجد ما نتطلّع إليه أو نأمل من أجلهِ
… too bad … يا خسارة
لكن هذا لايجعلهُ حقيقياً لمجرّد أنّ الإله يجعلنا نشعر أفضل .
لينوكس : بالطبع لايجعلهُ حقيقياً .
داوكنز : لماذا تذكر هذهِ الحجة إذن ؟
لينوكس : لأنّي أؤمن بوجود دلائل على صحّة البعث .
أنا لا أؤمن بالبعث هكذا وحسب . لأنّ العقيدة مبنيّة على الأدلّة
داوكنز : أنتَ تُغيّر الموضوع مرّة اُخرى .
كنتَ تقول أنّهُ لا أمل بدون إله .
لينوكس : هذا صحيح , وبإعترافكَ .
داوكنز : أنا لم أعترف بهذا , بل قلتُ لو كان صحيحاً فهو غير مهم .
لم أقل أنّهُ صحيح !
لينوكس : السؤال الواجب طرحهُ / هل يوجد إله ؟ وهل كشفَ لنا عن نفسهِ ؟
وهنا أعيد أنّهُ يجب تجنّب كلمة التفاهة , لأنّهُ لا يمكنني أنْ أتعرّف عليك كشخص بالعلمِ وحده . أنتَ لستَ مُجرّد موضوع علمي يمكنني دراستكَ بالمنظار والمكبّر, أو حتى تشريحكَ .. الخ
لكن بما أنّكَ شخص , فلا يُمكنني التعرّف عليكَ , إلاّ لو كنتَ مستعداً لكشف نفسكَ لي !
إذاً إدّعاء يسوع المسيح أنّهُ الحقّ وتجسيد الله , هذا منطقي كلياً بالنسبة لي . لأنّهُ لو وجِدَ إله وقد خلقَ هذا الكون البديع بكل مافيه من عِلم وخلافه . إذاً فقد أخذَ المبادرة بالتعرّف علينا والكشف عن نفسهِ لنا .
لقد كشفَ عن نفسهِ لنا بالمستوى الذي نستطيع فهمهِ .
نحنُ أشخاص , وهو شخص . وهذا منطقي على الأقل !
إذاً أحد المسائل المُهمّة / هل هذا حقيقي ؟ أم مُجرّد خُرافة وإسطورة ؟
داوكنز : إنّها خُرافة وإسطورة , بالنسبة لي …. ويبتسم !
لينوكس : ( حائر ) نعم … لكن .. هل تعلم , هذا يُزعجي للسبب التالي :
أثناء قراءة كتابكَ وهم الإله , أنتَ تقول أنّ هناكَ خِلافاً بين المؤرخين القُدامى حول وجود يسوع , من عدمه !
أنا تأكدتُ من كُتب المؤرخين القدامى وكلامكَ خطأ !
وهذا يُزعجني . فالتاريخ ليس من العلوم الطبيعيّة . وما لا أفهمهُ لماذا تكتب شيئاً كهذا ؟
داوكنز : لا أعتقد أنّ مسألة وجود يسوع مهمّة . أغلب المؤرخين يقولون بوجودهِ , وبعضهم يُنكره , يوجد واحد أو إثنين , ولكن الموضوع لا يهمني حقاً .إنّهُ موضوع تافه !
أعني ربّما يُمكنكَ أن تقنعني بوجود قوّة خالقة في الكون , بوجود عبقري في الرياضيّات والفيزياء خلقَ كلّ شيء , بما فيهِ الكون المتوسّع .ووضعَ نظرية الكمّ والنسبيّة وغيرها . ربّما يمكنكَ أن تقنعني بهذا .
لكن هذا يختلف جذرياً وجوهرياً عن الإله الذي يهتم بالخطايا , والإله الذي يهتم ماذا تفعل بإعضائكَ التناسليّة , أو الإله الذي يحمل أدنى إهتمام بأفكاركَ الداخليّة وذنوبكَ وما شابه .
بالتأكيد لا يمكنك أن تتصوّر أنّ الإله الذي بلغَ من العظمة بأنْ يخلق الكون , سيّهمهُ بأيّ حال ما تفكر بهِ , وخطاياكَ وما شابه .
{ هنا داوكنز يقول حتى لو وِجِدَ الإله , فالبشر هم الذين تصوروا شكل وطبيعة ذلك الإله حسب إعتقادهم وصفاتهم , وهكذا تعددت طبائع الإله حسب المجموعات البشرية التي تبنّت تلك الأديان } .
لينوكس : إذاً أنتَ تعتقد بأنّ الأخلاق غير مُهمّة ؟
داوكنز : بالطبع لا .. لم أقل ذلك , أنا إنسان وأعيش في مجتمع بشري .
وفي المجتمعات البشرية تُعتبر الأخلاق مُهمّة بالتأكيد !
ولكنّنا في كوكب واحد من مليارات الكواكب على مقياس هائل , والإله الكوني الذي ينشغل بهذا المستوى البشري , لا يتوافق مع منظور علمي للكون . بل مع منظور من العصور الوسطى !
إنتهى الجزء الرابع , الكلمة الآن ل لينوكس .
الخلاصة لهذا الجزء
يظن داوكنز أنّ تعدّد الأديان وأشكال الالهه وصفاتها هو دليل على أنّها نتاج صناعة بشرية , حسب الإنسان أو المجتمع الذي تبنّى تلك الفكرة .
هو يظّن لو وجد إله لهذا الكون فلن تكون إهتماماتهِ كما نسمعها من رجال الدين !
بينما لينوكس تسائل عن أهميّة المنطق والأخلاق وفكرة العدالة المُطلقة التي لن تتحقق بدون وجود الإله ودافع عن تأريخيّة حقيقة وجود المسيح .
تحياتي لكم
رعد الحافظ
28 يناير 2012