نظم: نِيكَانُورْ بَّارَّا*
ترجمة: الدكتور لحسن الكيري**
إهداء:
أهدي هذه الترجمة المتواضعة إلى صديقي و أخي المترجم نزار سرطاوي شاكرا له مسعاه في التقريب بين الثقافات عبر الحرف و متمنيا له كذلك مزيدا من التألق و العطاء و الصحة و العافية و طول العمر.
مُثَارَ الْأَعْصَابِ لَكِنْ مِنْ دُونِ أَلَمٍ
وَ بِصَوْتٍ مُتَحَشْرِجٍ
أَلْتَمِسُ مِنَ الْحَشْدِ كُلِّهِ
الصَّفْحَ وَ الرِّضَى عَنِّي.
***
بِوَجْهِ النَّعْشِ
وَ فَرَاشَتَيَّ الْبَالِيَّتَيْنِ
أُسَجِّلُ حُضُورِي
فِي هَذَا الْحَفْلِ الْعَظِيمِ.
***
أَتَسَاءَلُ؛ أَيُوجَدُ شَيْءٌ
أَشْرَفُ مِنْ زُجَاجَةِ خَمْرٍ
فِي غَمْرَةِ الْحَدِيثِ
بَيْنَ رُوحَيْنِ تَوْأَمَيْنِ؟
***
لِلْخَمْرِ فَعِيلٌ
يُعْجِبُ وَ يُرْبِكُ فِي ذَاتِ الآنِ
إِذْ يُحَوِّلُ الثَّلْجَ إِلَى نَارٍ
وَ النَّارَ إِلَى حَجَرٍ.
***
اَلْخَمْرُ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ، هُوَ الْبَحْرُ
هُوَ حِذَاءٌ بِطُولِ عِشْرِينَ فَرْسَخًا،
هُوَ بِسَاطٌ سِحْرِيٌّ، هُوَ الشَّمْسُ
هُوَ بَبَّغَاءٌ بِسَبْعَةِ أَلْسُنٍ.
***
اَلْبَعْضُ يُعَاقِرُ الْخَمْرَةَ كَيْ يَرْوِيَ عَطَشَهُ
وَ آخَرُونَ لِيَنْسَوا دُيُونَهَمْ
أَمَّا أَنَا فَأَحْتَسِيهَا لِأَرَى السَّحَالِيَّ
وَ الضَّفَادِعَ مُرْتَسِمَةً فِي النُّجُومِ.
***
اَلْمَرْءُ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَحْتَسِيَ
قَدَحَهُ وَ فَمُهُ مُدْمًى لَا يُمْكِنُ
أَنْ يَكُونَ فِي اعْتِقَادِي
مَسِيحِيًّا أَصِيلًا.
***
يُمْكِنُ أَنْ يُحْتَسَى الْخَمْرُ فِي وِعَاءِ قَصْدِيرٍ
أَوْ زُجَاجٍ أَوْ طِينٍ
لَكِنْ يَكُونُ احْتِسَاؤُهُ أَفْضَلَ فِي زَهْرَةِ الْكُوبِّيهْوِي
أَوِ الْفُوشْيَا أَوِ النِّرْجِسِ.
***
يَحْتَسِي الْفَقِيرُ جُرْعَتَهُ مِنَ الْخَمْرِ
كَيْ يُسَدِّدَ دُيُونَهُ
الَّتِي لَا تُسَدَّدُ لَا بِالدُّمُوعِ
وَ لَا بِالْإِضْرَابَاتِ.
***
لَوْ خَيَّرُونِي بَيْنَ الْمَاسِ وَ اللُّؤْلُؤِ
كُنْتُ لِأَخْتَارَ غُصْنَ
أَعْنَابٍ بِيضٍ وَ سُودٍ.
***
بِكَأْسٍ يُبْصِرُ الْأَعْمَى
شَرَارَةً وَ بَرِيقًا
أَمَّا الْمُقْعَدُ فَيَشْرَعُ فِي أَدَاءِ
رَقْصَةِ الْكْوِيكَا.
***
عِنْدَمَا يُحْتَسَى الْخَمْرُ
بِمَحَبَّةٍ صَادِقَةٍ
يَكُونُ ذَاكَ شَبِيهًا وَ فَقَطْ
بِتَقْبِيلِ فَتَاةٍ عَذْرَاءَ.
***
مِنْ أَجْلِ كُلِّ هَذَا أَرْفَعُ قَدَحِي
إِلَى شَمْسِ اللَّيْلِ
وَ أَحْتَسِي الّخَمْرَةَ الْمُقَدَّسَةَ
الَّتِي تُؤَاخِي بَيْنَ الْقُلُوبِ.
*القصيدة في الأصل الإسباني:
Coplas del vino
Nervioso, pero sin duelo
A toda la concurrencia
Por la mala voz suplico
Perdón y condescendencia.
***
Con mi cara de ataúd
Y mis mariposas viejas
Yo también me hago presente
En esta solemne fiesta.
***
¿Hay algo, pregunto yo
Más noble que una botella
De vino bien conversado
Entre dos almas gemelas?
***
El vino tiene un poder
Que admira y que desconcierta
Transmuta la nieve en fuego
Y al fuego lo vuelve piedra.
***
El vino es todo, es el mar
Las botas de veinte leguas
La alfombra mágica, el sol
El loro de siete lenguas.
***
Algunos toman por sed
Otros por olvidar deudas
Y yo por ver lagartijas
Y sapos en las estrellas.
****
El hombre que no se bebe
Su copa sanguinolenta
No puede ser, creo yo
Cristiano de buena cepa.
***
El vino puede tomarse
En lata, cristal o greda
Pero es mejor en copihue
En fucsia o en azucena.
***
El pobre toma su trago
Para compensar las deudas
Que no se pueden pagar
Con lágrimas ni con huelgas.
***
Si me dieran a elegir
Entre diamantes y perlas
Yo elegiría un racimo
De uvas blancas y negras.
***
El ciego con una copa
Ve chispas y ve centellas
Y el cojo de nacimiento
Se pone a bailar la cueca.
***
El vino cuando se bebe
Con inspiración sincera
Sólo puede compararse
Al beso de una doncella.
***
Por todo lo cual levanto
Mi copa al sol de la noche
Y bebo el vino sagrado
Que hermana los corazones.
*ينحدر نِيكَانُورْ بَّارَّا من عائلة بارا التشيلية المعروفة بكثرة مبدعيها من موسيقيين وفنانين وكتاب. وتعتبر شقيقته فيوليتا بارا أشهر مغنية شعبية تشيلية.ولد بارا قرب مدينة شيلان، جنوب تشيلي في 5 أيلول / سبتمبر عام 1918. كان والده يعمل في سلك التدريس. في عام 1933، دخل بارا المعهد التربوي التابع لجامعة تشيلي، وتخرج عام 1933 بعد أن تأهل كمدرس للرياضيات والفيزياء.
بعد أن عمل معلماً في المدارس الثانوية في شيلي، سافر بارا عام 1943 إلى الولايات المتحدة لمواصلة دراسته في الفيزياء في جامعة براون. بعد ذلك توجّه إلى انكلترا لدراسة علم الكونيات في جامعة أكسفورد، ليعود إلى تشيلي ويعمل أستاذاً جامعي. ومنذ عام 1952، عمل أستاذاً للفيزياء النظرية في سانتياغو. خرج بارا على اللغة الشعرية المتأنقة السائدة في معظم بلدان أمريكا اللاتينية، واعتمد لهجة أقرب إلى العامية. وتعتبر مجموعته الشعرية الأولى التي صدرت عام 1954 بعنوان “قصائد وقصائد مضادة”
(Poemas Y Antipoemas)
واحدة من كلاسيكيات الأدب في أمريكا اللاتينية، ومن الأعمال الشعرية الإسبانية الأكثر تأثيرا في القرن العشرين. وقد كان لها تأثير ملحوظ على بعض كُتّاب الجيل الغاضب الأمريكيين. ومن الجدير بالذكر أن الشاعر بابلو نيرودا عبّر عن إعجابه بها.
أطلق بارا على نفسه اسم “الشاعر المضاد”، وعلى شعره اسم “الشعر المضاد” و”القصائد المضادة”. ولعل ذلك يرتبط ولو بصورة جزئية بدراسته وتدريسه للفيزياء. فانشغاله في المسائل العلمية جعله يرفض فكرة أن للشعر قوة خارقة. بل إنه رأى أن الشعر يجب أن يتعامل مع الحياة اليومية وأن يعالج قضايا ترتبط بالواقع بأبعاده الثقافية والسياسية والدينية. في 1 كانون الأول / ديسمبر 2011 قررت وزارة الثقافة الاسبانية أن تمنح بارا جائزة سرفانتس، التي تعتبر أرفع جائزة أدبية في العالم الناطق باللغة الإسبانية. و بالرجوع إلى هذه القصيدة المترجمة أعلاه فإن المطلع على الشعر العربي الكلاسيكي و الخبير به قد يعتبرها ترجمة إسبانية لمقاطع و قصائد لشعراء عرب بارزين في الخمريات لعل أبرزهم أبو نواس الذي يقول في هذا المضمار:
و مقعد قوم قد مشى من شرابنا *** و أعمى سقيناه ثلاثا فأبصرا
و أخرس لم ينطق ثلاثين حجة *** أدرنا عليه الكأس يوما فهمرا.
كما يقول أبو محجن الثقفي:
إذا مت فادفني إلى جنب كرمة *** تروي عظامي بعد موتي عروقها
و لا تدفنني في الفلاة فإنني *** أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها.
أما النبذة عن هذا الشاعر فمأخوذة عن المترجم الكبير و الأديب الأريب و الصديق نزار سرطاوي و ذلك في معرض تعريفه بهذا الشاعر الذي سبق أن ترجم له عشر قصائد إلى اللغة العربية. ينظر في هذا الصدد هذا الرابط: http://www.atinternational.org/forums/showthread.php?t=9951
**كاتب، مترجم، باحث في علوم الترجمة ومتخصص في ديداكتيك اللغات الأجنبية – الدار البيضاء -المغرب.