ميشال سليمان… يشرّف كلّ لبناني شريف

يكفي أن يكون «حزب الله» قاطع الخطاب الأخير للرئيس ميشال سليمان، كي يتأكّد أن رئيس الجمهورية اللبنانية الذي انتهت majedalromiولايته منتصف ليل السبت ـ الأحد، رجل وطني يشرّف كلّ لبناني شريف يمتلك حدّا أدنى من الشعور الوطني. تكفيه حملة الحزب عليه، منذ كشفه المخطّط الإرهابي لعلي مملوك وميشال سماحة، كي يتبيّن، بما لا يقبل الشكّ، أنّه محقّ في كلّ ما قام به وفي كلّ المواقف التي اتخذها خلال ولايته، خصوصا في السنتين الأخيرتين منها.

شكّل ميشال سليمان خط الدفاع الأخير عما بقي من الدولة اللبنانية التي يسعى الحزب، الذي ليس سوى لواء في «الحرس الثوري» الإيراني، إلى القضاء عليها.

في اليوم الأخير من ولايته، غادر الرئيس ميشال سليمان قصر بعبدا مرفوع الرأس، رافعا شعار «لبنان أوّلا». رفع رأسه بلبنان وساعد في الوقت ذاته كلّ لبناني في أن يكون رأسه مرفوعا. تصرّف ميشال سليمان بعودته إلى بيته يوم انتهاء ولايته الدستورية، بما يعطي الأمل لمعظم اللبنانيين، من كل الطوائف والمذاهب والمناطق، بأن بلدهم لم يستسلم ولن يستسلم وأنّه ما زال يقاوم.

ينطبق ذلك على اللبنانيين الذين يعتقدون أنّ مرجعيتهم لبنان وأن ليس لديهم مكان آخر غير لبنان يستظلّهم.

كان طبيعيا أن ينتصر رئيس الجمهورية اللبنانية للبنان واللبنانيين، لا لإيران وليس للنظام السوري. لم يعد مجال لأيّ شك من أيّ نوع كان في وطنية ضابط لبناني وصل إلى رئاسة الجمهورية وقرّر في نهاية المطاف أن يكون لبنانيا وأن يكون ولاؤه للبنان وليس لمنصب يبدو غيره مستعدّا لكلّ شيء من أجل بلوغه، بما في ذلك التبشير بالمثالثة بدل المناصفة، على غرار ما فعله أحدهم قبل أيّام قليلة.

والمثالثة تعني تقاسم السلطة والمناصب والمواقع بين المسيحيين والسنّة والشيعة، بدل المناصفة التي أقرّها اتفاق الطائف التي تعني تقاسما ومساواة بين المسيحيين والمسلمين بغض النظر عن تعداد كلّ طائفة.

تكمن قوّة ميشال سليمان في أنّه استطاع تحسين إدائه منذ وصوله إلى رئاسة الجمهورية. توّج عهده بإعلان بعبدا الذي يظلّ النص الأهمّ المعترف به دوليا من أجل المحافظة على لبنان السيّد الحرّ المستقلّ وسط العاصفة التي تجتاح الشرق الأوسط من أقصاه إلى أقصاه ووسط انفلات الغرائز المذهبية من عقالها في ظلّ رهان السياسة الإيرانية على هذا الانفلات وعلى الاستثمار فيه.

كان علينا اكتشاف ميشال سليمان جديد مع مرور الوقت ومع اقتراب عهده من نهايته. ما جعل الرئيس اللبناني الذي رفض أن يكون تابعا لأحد أن يتطور بالطريقة التي تطوّر بها بعدما بدا في مراحل معيّنة من حياته السياسية أنّه ليس إميل لحّود آخر… أو ميشال عون آخر، بمعنى أن هدفه لم يكن الرئاسة ولا شيء آخر غير الرئاسة بغض النظر عن الثمن الواجب دفعه لبلوغ هذا الهدف؟

ظهر أنّ ميشال سليمان يمتلك الكثير من صفات فؤاد شهاب الذي عرف كيف الاستفادة من التوازنات الإقليمية من أجل حماية لبنان. لديه أيضا بعض من صفات كميل شمعون في حال أخذنا في الاعتبار الجرأة التي تحلّى بها في السنتين الأخيرتين من عهده. لديه أيضا الكثير من ميثاقية بشارة الخوري أوّل رئيس بعد الاستقلال. عرف بشارة الخوري، الذي لعب دورا محوريا مع رياض الصلح في تكريس الاستقلال، كيف يوجد توازنا بين مختلف مؤسسات الدولة وبين لبنان ومحيطه العربي بكل ما فيه من تناقضات.

عرف ميشال سليمان كيف يقيم هذا التوازن على الرغم من تبدّل الظروف وتقليص صلاحيات رئيس الجمهورية بعد إقرار اتفاق الطائف.

كانت لدى ميشال سليمان أيضا صفات لم يتحلّ بها سوى رؤساء قرروا مغادرة قصر بعبدا بعد انتهاء ولايتهم احتراما للمؤسسات وما بقي منها وكي يكونوا قدوة في مجال احترام الدستور في منطقة يعتبر فيها الرئيس، الآتي إلى السلطة على ظهر دبابة، نفسه فوق الدستور.

بين هؤلاء الرئيس أمين الجميّل الذي مهما تعرّض لحملات تجريح، يحسب له أنّه غادر قصر بعبدا ساعة انتهاء ولايته رافضا التخلّي عن أيّ من الثوابت الوطنية التي آمن بها، على الرغم من ثلاثة عشر لقاء مع حافظ الأسد الذي وضع نصب عينيه تدمير لبنان تعويضا عن عجزه على الانتصار على اسرائيل…

يظلّ أن التاريخ لا يمكن إلّا أن ينصف ميشال سليمان الذي فيه حتّى بعض من زهد ريمون إده في المناصب وترفّعه عن الصغائر والصغار وذلك بغض النظر عن الضغوط التي مورست عليه في بداية عهده، وعلى الرغم من رضوخه لـ «حزب الله» عندما قبل تشكيل حكومة برئاسة نجيب ميقاتي كانت في الواقع حكومة الحزب الإيراني الذي أراد إذلال السنّة والمسيحيين في الوقت ذاته. اراد الحزب بكلّ بساطة تحويل لبنان إلى تابع للنظام السوري الذي كان يعتقد أنّه في منأى عن الغضب الشعبي في الداخل السوري وأن مجرّد رفعه شعارات كبيرة، كفيل بتغطية طبيعته المذهبية والطائفية…

مرّة أخرى، ما يؤكّد كم أن ميشال سليمان، الذي استدرك نفسه في السنتين الأخيرتين من عهده، كان على حق، تلك الحملة التي يشنّها عليه حزب مذهبي تابع لإيران، باعتراف قادة الحزب نفسه.

كشفت تلك الحملة أن الرجل، الذي جاء به اتفاق الدوحة إلى الرئاسة، فوق المذاهب والطوائف. إنّه لبناني أوّلا وأخيرا. فبرفضه أي بحث في التمديد أو في تقديم تنازلات في شأن الثوابت اللبنانية، ظهرت الطينة الحقيقية للقائد السابق للجيش الذي أصبح رئيسا للجمهورية. تبيّن أن ميشال سليمان، على الرغم من ثقافته السياسية المتواضعة إلى حدّ ما، ينتمي إلى فئة من الرجال تؤمن بالثوابت الوطنية. إنّه باختصار مقاوم حقيقي لا تغريه المظاهر ولا الشعارات الفضفاضة التي تستخدم في المشاركة في ذبح الشعب السوري وفي إفقار اللبنانيين.

إنّه من المنتمين إلى ثقافة الحياة والحرية والانفتاح التي من دونها لا مبرّر لوجود لبنان…

* نقلا عن صحيفة “الراي” الكويتية

About خيرالله خيرالله

كاتب صحفي ومحلل سياسي
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.