يتردى الوضع السوري بسرعة، لأسباب بينها دخول قوى أجنبية إلى ساحة الصراع الدائر فيها من غير البوابة التي اختارها شعبها لبلوغ مطلبه الرئيس، حريته، التي يريد استعادتها بعد 50 عاما من استبداد البعث الأسدي. والمفارقة أن تردي الوضع لا يعود إلى نقص في عدد أو قوة من يقاتلون النظام، بل إلى غرباء وأجانب دخلوا بلادنا ليحدثوا تبدلا جذريا في الثورة وهويتها، تدفعهم إلى ذلك عقيدة متشددة وقسوة مفرطة أخذت تقنع قطاعات متزايدة من المواطنين المطالبين بالحرية أن نظام بشار الأسد أفضل من الثورة، إن كانت ستؤدي إلى حكم تتولاه جهات تدعي أنها إسلامية، بيد أنها لا تعد الشعب بغير الإبادة والتنكيل، إذا رفض حكمها ولم يعتبره «خلافة إسلامية» رشيدة، مع أن من سيدير أمورها هم قادة هؤلاء الغرباء عن شعب سوريا، الذين ينكرون حقوق الناس، مثلما أنكرتها فترات الانحطاط التي مر بها العرب والمسلمون.
كي لا يدور حديثي عن مجهول، أسارع إلى تسمية الجهة التي أعنيها، إنها منظمة أصولية تسمي نفسها «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، تواضع السوريون على إطلاق لقب «داعش» عليها، بعد أن أعلن قائدها العراقي – من بغداد – إلغاء دولتنا الوطنية السورية واستبدال كيان لا هوية له بها، لا يعدو أن يكون مجرد رهان أصولي غامض يحيل إلى مبهم يحمل اسم دولة، مع أنه ليس كذلك بأي مقياس، وليس إسلاميا بأي معيار، وليس قائما بعد سواء في العراق أو في بلاد الشام، تجلت أولى بركاته في فرض 70 جلدة على كل من لا يذكره بالاسم، أو يسميه «داعش»!
هذا الكيان مكلف بالقضاء على الثورة ماديا، من خلال قتل المقاتلين من أجل الحرية والكرامة، ومعنويا عبر تشويه روح ونص الإسلام والقيام بأفعال تتعارض جذريا مع تسامحه وقبوله بالآخر وانحيازه إلى المؤمنين واعتداله ووسطيته ورسالته العمرانية – الحضارية. وللعلم، فإن قادة «داعش» تلقوا «علومهم» أو تربيتهم الآيديولوجية في واحدة من أكثر مناطق العالم الإسلامي تخلفا على الصعيدين الروحي والديني، تنكرت طيلة العصر الحديث لوسطية الإسلام وتبنت منظورات ترفض الاعتراف بأن المجتمعات الإسلامية الحالية مسلمة، والإقرار بصحة إسلام رافضي نظرياتها في الحكم، وتركز على جاهلية مجتمعاتنا وحتمية أسلمة المسلمين، فهي تنتمي إلى تيار ينقل تناقض العالم الإسلامي مع خارجه إلى إطاره الداخلي، واضعة المسلمين أمام حتمية حرب أهلية تؤجج نيرانها بينهم، بعد تحويل كتلتهم الكبرى إلى أهل جاهلية يصح قتلهم.
وبالفعل، لم يترك أتباع هذا التيار عملا يسيء إلى الإسلام ويبيض صفحة النظام الأسدي إلا وقاموا به، وسيبين القادم من الأيام أنهم قتلوا عددا من المسلمين والمؤمنين السوريين والسوريات يعادل أو يفوق العدد الذي قتله النظام في مناطق سيطرتهم، التي حررها الجيش الحر وينتزعونها منه كي يقيموا فيها نظاما أشد استبدادية ووحشية من نظام الأسد.
هذا الوضع لا يهدد سوريا وثورتها فحسب، بل يهدد أيضا الإسلام كدين ودنيا، ويهدد المسلمين أفرادا وأمة، وما منّ الله به علينا من وحدة بين المؤمنين، ويهدد أخيرا بإعادتنا إلى زمن وثني حافل بالشقاق وغارق في دم الأبرياء، الذين حرم الله قتلهم إلا بالحق، وتقتلهم «داعش» اليوم فرادى وجماعات، بفتاوى ما أنزل الله بها من سلطان، كهذه التي أصدرها أحد «علمائها»، عندما سئل عن حكم قاتل البريء، فأجاب: أجره عند الله، لأنه قتل ضحيته وهو يراه مذنبا، لكن الله أثابه لعلمه أنه بريء، وهكذا يكون للمجاهد الذي قتله أجره، لأنه ساعده على نيل الإنصاف الإلهي. هذا «الاجتهاد» ليس غير دعوة مفتوحة إلى قتل الناس من دون تمييز، باسم دين حرم قتل النفس وأعلى مكانة الإنسان، وجعله خليفة الله في الأرض.
لم يعد السكوت عن اجتهادات وممارسات «داعش» ممكنا. ولا بد من موقف يتخذه علماؤنا ورجال ديننا الأجلاء يفضح عدوان هؤلاء على دين الحق الذي أعزنا الله به كعرب ومسلمين، وإلا وقعنا ضحية غفلتنا وندمنا بعد فوات الأوان، وخرجنا من ظلم الأسدية إلى ظلام وظلم عملائها، الذين يقاتلون الجيش الحر ويقتلون خيرة أبنائه ويبطشون بمن نظموا الثورة وأداموها، ويتوهمون أن بوسعهم تغطية جرائمهم برداء دين لطالما أدان وجرم أمثالهم. لا بد أن يقول المدافعون عن وسطيته واحترامه للإنسان ولكرامته كلمتهم بصوت مجلجل في ما يلحقه من تشويه مشين على يد قتلة «داعش»، الذين يسفكون دماء المسلمين وسواهم من المؤمنين باسم دين أنزله الله للحفاظ عليها!
منقول عن الشرق الاوسط
-
بحث موقع مفكر حر
-
أحدث المقالات
-
- هل تعديل قانون الأحوال الشخصية يعالج المشاكل الاجتماعية أم يعقدها.. وأين القيم الأخلاق من هذه التعديلات ………..؟بقلم مفكر حر
- تلغراف: تأثير #الدومينو علی #ملالي_إيران وتحولات السياسة الغربيةبقلم حسن محمودي
- الميلاد آتٍبقلم مفكر حر
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلاميةبقلم صباح ابراهيم
- ستبقى سراًبقلم عصمت شاهين دو سكي
- #إيران #الولي_الفقيه: تأجيل قانون العفة والحجاب… ما القصة؟!بقلم مفكر حر
- إشكالية قبول الأخربقلم مفكر حر
- موسم إسقاط الدكتاتوريات في #الشرق_الأوسط!بقلم مفكر حر
- ردود فعل مسؤولي #النظام_الإيراني على #سقوط_الأسد: مخاوف من ملاقاة نفس المصيربقلم حسن محمودي
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **بقلم سرسبيندار السندي
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **بقلم سرسبيندار السندي
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **بقلم سرسبيندار السندي
- ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.بقلم مفكر حر
- ** تساءل خطير وحق تقرير المصير … هل السيّد المَسِيح نبي أم إله وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- ابن عم مقتدى الصدر هل يصبح رئيساً لإيران؟ طهران مشغولة بسيناريو “انقلابي”بقلم مفكر حر
- ** ما سر تبرئة أل (سي .آي .أي) لبوتين من إغتيال نافالني ألأن **بقلم سرسبيندار السندي
- هل تعديل قانون الأحوال الشخصية يعالج المشاكل الاجتماعية أم يعقدها.. وأين القيم الأخلاق من هذه التعديلات ………..؟
أحدث التعليقات
- منصور سناطي on من نحن
- مفكر حر on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- معتز العتيبي on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- James Derani on ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **
- جابر on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- صباح ابراهيم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **
- الفيروذي اسبيق on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- س . السندي on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- عبد الحفيظ كنعان on يا عيد عذراً فأهل الحيِّ قد راحوا.. عبد الحفيظ كنعان
- محمد القرشي الهاشمي on ** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسية
- صباح ابراهيم on ** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :