لا يزال الجدل على أشده بين من يرى أن الثورات العربية كانت عفوية، وأن الغرب سايرها، وحاول توجيهها بما يخدم مصالحه، وأولئك الذين يعتقدون أنها أمر تم تدبيره عبر تخطيط طويل المدى، وأنها لم تكن لتنجح لولا الدعم الغربي لها، ويستشهدون على ذلك بنجاح بعض الثورات كلياً في بعض البلدان، وجزئياً في بلاد أخرى، وفشلها – ولو مؤقتاً – في أكثر من بلد، ويؤكد هؤلاء على العلاقة الطردية بين الدعم الغربي ونجاح الثورات، ولعل نجاح تيار الإخوان المسلمين واستئثاره بالسلطة في البلاد التي نجحت ثوراتها، وتعامل قياداته لاحقاً مع الدول الغربية، وحتى إسرائيل، يؤكد وجود علاقات سابقة بين هذا التيار والعواصم الغربية، وخصوصاً إذا ما تذكرنا موقف زعماء الإخوان المتعاطف مع أمريكا بعد حادثة ليبيا، وهم الذين كانوا يعتبرونها عدوهم اللدود قبل قيام الثورات!
سأعيدكم إلى ما بعد أحداث سبتمبر 2001، وذلك عندما توقف الغرب كثيراً عند الإسلام، وعملت مراكز البحوث الكبرى ومفكروها الكبار طويلاً على البحث عن جذور «الإرهاب» الذي أدى إلى تلك المأساة، وما أعقبها من حوادث أخرى. ويبدو أن الحكومات الغربية اقتنعت أخيراً بوجهة النظر التي طرحها مجموعة من المفكرين، أبرزهم الأمريكي من أصل هندي الدكتور فريد زكريا في مقاله الأشهر «لماذا يكرهوننا؟»، الذي برأ من خلاله الإسلام الحقيقي من الإرهاب، ودعا إلى عدم الربط بين الإسلام والإرهاب، فمن أين – إذاً – أتى هؤلاء المسلمون الذين فجَّروا مركز التجارة العالمي بتلك الأفكار العنيفة؟ ولماذا؟
يجيب فريد زكريا عن تلك التساؤلات من خلال التأكيد على أن الحالة الاقتصادية والاجتماعية للشعوب العربية، أي الفقر وانعدام الحريات وانتهاك الحقوق والفساد، كانت سبباً في نشوء حالة من النقمة الشعبية على الحكومات المحلية ومن يقف وراءها، أي الحكومات الغربية، وهنا استخدم بعض المعارضين السياسيين الإسلام – بنسخته العنيفة المشوهة – كغطاء لإعلان الحرب على أعدائهم، وهنا يقترح زكريا وغيره أن على الحكومات الغربية أن تعمل على ترسيخ الديمقراطية وقيم الحرية والعدالة في المجتمعات العربية، وهذا من شأنه أن يساهم في القضاء على الإرهاب! فهل يا ترى تواصل الغرب مع حركة الإخوان المسلمين ابتداء، ومن ثم دعم الثورات العربية لاحقاً عطفاً على هذه الرؤية التي اقترحها كبار المفكرين؟!
الأمر برمته مطروح للنقاش، وخصوصاً أن هناك رؤية أخرى تعارض ما اقترحه فريد زكريا ورفاقه؛ إذ يؤكد هؤلاء على أن معظم المتشددين فكرياً – الإرهابيين بشقيهم الحركي والصامت – ينتمون إلى بلاد تتمتع باقتصاد جيد، وبمستوى معقول من الحريات والعدالة الاجتماعية؛ لذا فهم يربطون التشدد الديني والإرهاب ببعض المفاهيم التي يتم ترويجها عن طريق بعض رجال الدين عبر النشاطات المختلفة؛ إذ يتم اختزال الإسلام المتسامح والحقيقي بتلك المفاهيم المشوهة. وأياً كان الأمر فإن الغرب كما يبدو قد حسم أمره، وأخذ برؤية زكريا ورفاقه، وهذا ما يفسر نجاح الثورات من جهة، ودعم الأعداء السابقين – تنظيم الإخوان المسلمين – من جهة أخرى.
فاصلة: «إذا كنا لا نؤمن بالحرية لأناس نحتقرهم فإننا لا نؤمن بها على الإطلاق».. نعوم تشومسكي.
نقلاً لـ صحيفة “الجزيرة”