من مات ولم يُبدع مات ميتة داعشية

الإبداع يحدث عندما يلتقي منبعك مع الدفق الكوني…
وعندما تبدع، تكون روحك قد حققت ماتنشده وما جاءت من أجله…
“من مات ولم يُبدع مات ميتة داعشية”!

كلنا قادرون على الإبداع، وكلّ يُبدع بطريقته…
الإبداع قرار، وتطبيق ذلك القرار سهل، لكنه ـ كما سبق وقلت ـ من السهل الممتنع!

يقول الفيلسوف الروحاني الهندي
:Deepak Chopra

What keeps life fascinating is the constant creativity of the soul
مايحافظ على روعة الحياة وجمالها هو الدفق الإبداعي المستمر للروح…

ويقول الفيلسوف الإيرلندي
John O’Donohue

One of the deepest longings of the human soul is to be seen
واحدة من أهم رغبات الروح أن تصبح ظاهرة للعيان!

وأنا أقول: من مات قبل أن تفيض روحه مافيها من إبداع وجمال مات قبل أن يحقق غايته…
الجسد ليس سوى صندوق خشبي لا حياة فيه، لكنه يخزّن في داخله جواهر الروح…
من لم يستطع فينا أن يُخرج تلك الجواهر من صندوقها سيعيش حياته جثة هامدة..
كم من الناس قابلتهم في حياتي ولم أرَ منهم سوى صناديقهم الخشبية دون أي أثر لروح!
هؤلاء الناس لا يثيرون غضبي بقدر ما يثيرون حزني وشفقتي!
……..
وصلتني هذا الصباح رسالة فيسبوكية من شخص يدعى
Mamoun Sheikha،
أنقلها لكم بحذافيرها:

(مساء الخير دكتورة وفاء!

اسمحيلي قلك كس إمك على إم المسيح على كس إم مريم الشرموطة على إم أبوك الذي في السماوات.

مع خالص ال خراء لصليبك المصدي)

دائما أقرأ الرسائل التي أتلقاها بطريقة كونيّة، أي أفك رموزها ولا تعنيني كلماتها…لم أقرأ في تلك الرسالة سوى مقدمتها (“مساء الخير دكتورة وفاء!)
أثلجت قلبي تلك العبارة رغم حرارة الطقس، فقررت أن أرد التحية بأحلى منها، لكن للأسف لم أستطع بسبب القفل الذي وضعه صاحب الرسالة على حسابي!
كان بودي أن ارسل له رسالة تحمل عبارة واحدة : يسعد مساك صديقي مأمون!
…….

يُقال أنه لا بدّ أن يترك المجرم في ساحة الجريمة دليلا يقود رجال الأمن إليه…
وأنا أقول: لا بد وأن يترك الإنسان في سياق داعشيته دليلا يقودنا إلى عمقه حيث تكمن روحه النقية من داعشيتها..
هكذا فعل مأمون!
يطلب مني في سياق رسالته “اسمحيلي”…
طبعا، أسمح لك أن تُخرج كل ما في داخلك من عفونة وقيء بشرط أن تخرجها ولديك رغبة حارقة أن تتخلص منها إلى الأبد
كي تتصالح مع ماضيك فتعيش حاضرك!
مأمون، بالتأكيد، ليس مستاءا من كتاباتي بقدر ماهو مستاء من ماضٍ فشل في أن يتصالح معه!
مستاء من والديه…من معلميه….من جيرانه….من كل المحيطين به!
والأهم من هذا وذاك هو مستاء من نفسه….
عندما يستاء الإنسان من نفسه يكرهها، وكره النفس هو أصل الشرور كلها..
أنت كونيٌّ بالمطلق عندما تستطيع أن تعثر في تصرفات الناس الداعشية دليلا كونيا يقودك إلى أعماقهم!

أمرّ ـ أنا الأخرى ـ ببشريتي بين الحين والآخر، لكن كونيتي هي من يرفد منبعي ومحبرتي…
نعم، أعود إلى بشريتي في لحظات، وخلالها قد أكون داعشية وأخسر تواصلي الكوني..
لكن روحي التواقة إلى رحابها تعود وتشدني خارج مستنقعها البشري..
فأحرر نفسي من مشاعرها السلبية وآلامها وداعشيتها، وأعود إلى مساري الروحاني وإلى دفقي الكوني…
أستطيع أن أميّز بين عباراتي الداعشية، رغم قلتها، وبين عباراتي الكونية، كما أنقّب العشب البري من حديقة غنّاء!
…..
الغاية من الحياة أن نحقق للروح ما تنشده…
لا نستطيع أن نعرف ما تنشده الروح قبل أن نسمو بها عاليا وبعيدا عن مشاعر سلبية تشدنا إلى دينونتنا ومطامعنا وآلامنا…

لقد تذوقتُ نعمة التحليق، وأعرفُ تماما ما تنشده روحي من وجودها هنا…

تنشد أن تحلق مع قارئي في رحاب كوننا الجميل فتصبح معه جزءا لا يتجزأ من ذلك الكون…

جئتُ لأُغيرَ، جئتُ لأرفع الإنسان في وطني من مستنقع آلامه إلى رحاب كونه…

لا تستطيع روحي أن ترفع أحدا مالم تحلق معه…
أعرف لماذا جئتُ أنا، لكنني لا أعرف لماذا جئتَ أنت…

لا تسألني!

لا أحد يستطيع أن يعرف سواك…

ولن تعرف قبل أن تعانق روحك السحاب!……….
****************************************************************
أعزائي القرّاء:
أقدم لكم اليوم نموذجين من البشر، مأمون شيخه صاحب الرسالة التي وردت في المقطع السابق من كتابي القادم “دليلك إلى حياة مقدسة”، والشاعر العراقي أدهم عادل….
من خلال هذين النموذجين تستطيعون أن تفهموا ما معنى الإبداع، وكيف يستطيع الإنسان أن يرتبط بالمنبع الكوني كي يصبح لاحقا ذلك المنبع….

iraqpoet

About وفاء سلطان

طبيبة نفس وكاتبة سورية
This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.