محمد البدري
في الستينات قال وزير خارجية امريكا “جون فوستر دالاس” أن عدم الانحياز موقف غير أخلاقي. ولأن الاخلاق عليها خلاف كبير في معناها واهدافها ومواضعاتها طبقا للزمان والجغرافيا والثقافة والموقف من التقدم الحضاري فان ما جري في مؤتمر عدم الانحياز بطهران يجعل من قبر دالاس مزارا لا يقل عن تلك التي في ويست منستر آبي في لندن أو ما جري تحنيطهم كآلهه ووضعوا في احد جدران الكرملين. ولم يكن سكوت الاتحاد السوفيتي علي هذا القول سوي تطبيق للمثل المصري: السكوت علامة الرضا.
وبغض النظرعن قرارات المؤتمر رغم انها مصاغة لاضفاء نوع من الخلق السياسي علي اصحابها. لكن اليس من الاجدي ان يسارع الاعضاء الي التخلص من انحيازياتهم الواضحة ونفاق بعضهم البعض وممالأة العالم بان مصالحهم تمنعهم من الانحياز. اليست السعودية غارقة في معسكر الناتو والان سوريا وايران في معسكر مخلفات حلف وارسو. رضي الله عنك يا دالاس واسكنك فسيح جناته.
فاذا كان المقصود بعدم الانحياز الوقوف محايدا بين القوي العالمية في الستينات، الناتو في مقابل حلف وارسو، فان الحيادية الاخلاقية المفقودة عند معظم المجتمعين في طهران الشهر الماضي جعلهم ينصتون في خطاب الافتتاح الي انحيازات من النوع الذي يجعل للاخلاق معني واحد يعف اللسان والقلم عن ذكره. دول الخليج بضفتيه ليست فقط منحازة الي كتلة الناتو بقيادة الولايات المتحدة بل ومنقوعة فيها بالاموال والسلاح والقواعد العسكرية. مصر غيرت إتجاه القبلة أكثر من مرة وكأنها تسعي بين الصفا والمروة منذ الستينات وحتي القرن الحالي. فعندما نشأت الحركة كان كثير من الدول المشاركة تسعي للاستقلال والتحكم في مواردها لبناء ذاتها مستخدمة قواها البشرية. قليلين هم من حققوا بعضا من هذه الاهداف لكن كثيرين ممن أسسوا أو انضموا الي الحركة فيما بعد اصبحت اللا اخلاق هو انجازهم الوحيد. ولان الجميع وحسب ميثاق التاسيس كانوا علي وفاق ولو ظاهريا علي الاهداف التي يمكن تلخيصها أهمها في:
1- حق تقرير المصير
2- السيادة والاستقلال الوطني
3- وقف التمييز العنصري
4- عدم الانضمام للاحلاف العسكرية
5- نزع السلاح
6- عدم التدخل في الشئون الداخلية
7- عدم استخدام القوة لفض المنازعات
فكان من الصعب علي الذهن السياسي لحركة التأسيس ان تكون موقعة الجمل او حرب صفين ضمن مشكلات الحركة وتكون نتائجها ضمن افتتاحية المجموعة. لكن وبعد أم مرت مياه كثيرة من مخلفات الصرف الصحي العربية والاسلامية تحت الجسور وفي انهار الدول المؤسسة، بما يسمي الدعوة، لم يعد النهر هو ذاته حسب قول الفلاسفة اليونان أو الرفيق ماو. بينما بقيت الانحيازات المكتومة قائمة و اضيفت اليها إنحيازات جديدة فيما بين ام المؤمنين وبين صحابة اهل البيت التي لم يسمع عنهم دالاس أو قادة الكرملين وكثير من دول عدم الانحياز الغير اسلامية.
أثناء مشهد عملية التسليم والتسلم لقيادة الحركة في افتتاح مؤتمر الحركة بطهران، قفز لذهني طريقة تجار المخدرات لحظة تسليم البضاعة حيث الريبة واخفاء السلاح ومفاجأة الخصم خوفا علي المال او البضاعة من جهه أو عدم الثقة بين المتعاملين من جهة أخري. فقفزت كل الاسلحة العقائدية القديمة الصدئة لتشهر امام العالم اجمع كفضيحة اسلامية اصطبغت بها هذه الدورة من دورات عدم الانحياز. فما دخل الصلاة علي اهل البيت بعدم الانحياز فيما بين الناتو ومخلفات وارسو؟ رغم ان للحضور جميعا انحيازات واضحة تجعل اوباما وبوتين ضمن الحاضرين في المؤتمر. وفي الترجمة لكلمة الرئيس الاسبق للمجموعة ومن خلف الجدران جري تشوية الخصوم باستبدال البضاعة ببضاعة أخري او الاموال باموال مزيفة لمزيد من الربح أو تشوية الخصوم بعد ان اصبحت مجموعة عدم الانحياز ساحة لكل انواع النزاعات الغير متضمنة في ميثاق التاسيس. فهل من الاخلاق ان يتم تغيير خرائط العالم لتتناسب مع الاخلاق الجديدة. أغفل رئيس مصر بعد الثورة احتجاجات البحرين وما جري شعبيا فيها كثورة اجتماعية علي نمط الثورة المصرية فصحح له الاعلام الايراني خطأ مرسي بجغرافيا العالم العربي وذكره بسوريا؟ ثم وفي النهاية يتبادل كل صاحب لحية القبلات والاحضان بعد ان طعنوا بعضهم بعضا بالاسلحة العقائدية ممن انحازوا الي جهة أو اخري مؤكدين للقوي العظمي ان مشاكلهم كسياسيون وعقائديون لها نفس الدرجة وربما اشد. فهل ياتي اليوم الذي ستنضم فيه دول الغرب والشرق باحلافها وكتلها العسكرية والاقتصادية الضخمة لتؤسس مجموعة عالم عدم انحياز مماثلة لتنأي بنفيها عن مشكلات العرب والمسلمين بعد ان اصبحت العقائد القائمة علي الايمان اشد خطرا علي العالم من خطر الكتل الايديولوجية الكبري في القرن الماضي؟
بدأ الرئيس مرسي كلمته بالصلاة والسلام والتحية والاكبار علي كل رموز قبيلة قريش التي علي قواعدهم الايمانية انقسمت بلاد المسلمين الي سنة وشيعة. واصبح كلا منهما قوة اقليمية علي اساس عقائدي ومالي. ويتنافسان محليا بخلاف ميثاق تاسيس الحركة ويتباريان في الانحياز كل منهما الي الكتلتين الرأسمالية والاشتراكية بشكل اكثر قسوة وادني فكرا في غياب تام للعقلانية السياسية. ولن نتطرق للاخلاق بعد هذا، لا في المرحلة الاولية القديمة زمن تأسيس السنة والشيعة، أو في زمن تأسيس الحركة في الستينات، لسبب ان نفس القرآن وقت نشأة الفرقتين الاسلاميتين كان حمال أوجه، اي له أكثر من وجه سياسي واخلاقي. احتكم كلاهما اليه كمصدر وحيد واصلي لعمق ايمان زعماء واشراف تلك القبيلة به. بعكس ما احتكمت اليه الكتلتين الراسمالية والاشتراكية الي مصادر مختلفة هما كتاب آدم سميث (ثروة الامم) وكتاب ماركس (راس المال). وهنا يكمن الفارق الاساسي بين عالمين حافظ أحدهما علي التخلف والايمان واللا خلق وبين مجتمعات تبارت باسلحة مختلفة واثبتوا عبر صراعهم اين االحقيقة واين الصواب في سباقات التقدم والنمو والحقوق. هكذا بدي المؤمنون بكتاب واحد أكثر فرقة وانقساما ممن يؤمنوا بلا شئ أو بكتب لها آلهه متعددة. فعندما أوحي مرسي لاحمد نجاد بانه حضوره الي طهران دليل علي ان العلاقات لم تعد علي سابق خشونتها ووصف الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالشقيقة فان موقفه من النظام السوري جعل التناقض بين العروبة والاسلام بشقيه السني والشيعي اكثر التهابا خاصة ما أكده غياب ملك السعودية عن المؤتمر متعمدا والذي غادر مملكته قبل المؤتمر بيومين وارسل وفدا من الدرجة الثالثة وربما اقل حسب التصنيفات الوظيفية لدي المملكة.
وهنا نعود ولو مؤقتا لمعني الاخلاق، كيف انجز المسلمون اخلاقا جعلتهم كتلة ثالثة تاسست علي الانتماء للماضي وترديد الخرافات وكل ما اعاق البشرية عن التقدم. وعلي هذا الاساس جاءت كلمات رئيس مصر فى المؤتمر تقطر بالمداد الشعبي الديني في انحيازاته لبطل في مواجهة شرير مستعيدا تراث عبد الناصر لكن علي قاعدة جديدة وهي العداء للقوي الدولية العظمي لان افتتاحية المؤتمر انطلقت من قاعدة اسلامية معادية لكل شئ عدا ما هو سني. فبعد ان كسبت الشعوب حقوقا في مواجهه السلطة القديمة هاشمية أو أموية وبفضل الثورات الحديثة تعود مؤتمرات عدم الانحياز التي كانت وحسب التاسيس تدافع عن الحقوق، عادت لترتد باقل الشعوب اكتسابا للحقوق الي التلهي بمعارك علي شاكلة داحس والغبراء. فهل تغيرت اجندة ومبادئ المجموعة عندما ياخذ المسلمسن ذمام الرئاسة وانعكست مبادئها لان زمن التحرر اصبح يدق ابواب اكثر المناطق تخلفا وجهلا في العالم؟ ويبقي السؤال ما ذنب الدول الغير اسلامية ذات العضوية والتي حضرت لطهران لتسمع وتشارك فيما يمكنه ان يعينها علي موقفها كعالم ثالث في زمن لا مكان فيه الا للاقوياء، ما ذنبها لتسمع افتتاحيات دينية من دين يجعل من فعل الامبريالية رحمة ورافة بهم مقارنة لما في نصوص الاسلام، خاصة لو استعرضوا كيف ان من حضر لايران من جيرانها العرب الخليجيين المسلمين مثلها يعارضون تسليحها نوويا بل وعسكريا بشكل عام خوفا منها وكأنهم منحازون دون ريب الي معسكر اسرائيل.