تنهدات امرأة (6)؟

فؤاده العراقيه

كانت تسأل نفسها حين كانت صغيرة بعفوية الطفولة وبرائتها عن ماهية الفرق بينها وبين اخيها الذكر اين يكمن ؟ وأين يكمن الخطأ فيها ؟ سألت نفسها كثيرا بعد أن كانت تشعر بالفرق في المعاملة التي كانت تتلقاها وهي تدرك جيدا بأنها مساوية له ولا ينقصها شيء عنه حيث تمتلك الذكاء كما يمتلكه ولديها نفس العقل الذي يحمله , لديها نفس العيون التي يرى من خلالها العالم وتمتلك يدان تعمل أكثر من يداه , لكنها لا تمتلك ما يمتلكه من الحرية ولا تمتلك الحقوق كما هو يمتلكها بل الحق له دوما .
حدثت نفسها بصوت مرتجف ومخنوق ولا زالت تلك الأسئلة تراودها وتجول بذهنها مرارا حتى بعد ان تعدت سنينها مرحلة الطفولة بل وشعورها بالفارق كبر معها وأتسع مجاله أكثر وأكثر بعد أن بدأ يختار لها حياتها وتحركاتها بل ويتعدى ذلك ملبسها وطريقها بالحياة بحجة انه الوصي عليها والأرقى والأوعى منها , وبحجة انه قد كُلف من قبل الرب بقيادتها وهو القوامة عليها ليحولها بهذه الحجج الى روبورت لقضاء احتياجاته وحول نفسه الى ملك يعتلي عرشها وسارق لسنين هي بالأصل ملكها بشقاؤها وبهجتها وبحزنها وفرحها وألمها , كذبَ وصدّق كذبته دون ان يقف للحظات ليفكر بانه قد يكون مخطأً في تصوراته ولن يعي بأن كل فكرة يجوز فيها الخطأ , وحياتنا تسير وافكارنا تتغير لكنه متمسك بأفكاره التي تحولت الى أفعال وأفعاله تحولت الى عادات وعاداته تحولت الى طباع بعد ان اعتمد على مفاهيم ساذجة لا تتناسب مع تطور عقليته , فتحددَ مصيرها بذلك .
ليس هذا فقط وأنما عليها ان تداري هذا الرجل وان تكون تحت طوعه دوما , عليها ان تحضّر له القلم وقت ما اراد الكتابة بالوقت الذي هي تبحث به عن اي قلم بين طيات حاجياته , وبالخفية تحاول ان تختلس الوقت اختلاسا لتكتب أو تمسك , وهو يرتعد لكتاباتها خوفا من ان تكون موجودة وترتعد رجولته لو امسكت بكتابا فلا يحتمل رؤيتها خارج المكان الذي حدده لها ما بين المطبخ وبين غرفة نومه , فلا يحق لها الكتابة والأبداع والتعبير عن افكارها ويتحجج هو بعدها بأنها غير قادرة وتعاني من النقص في تركيبها الى ان اصبحت فعلا كما يريد لها , فكيف لعقلها ان يكتمل وهي تحت سقف العبودية هذا الذي يطبق على عقلها .
كبرتْ وبدأ وعيها يكبر وأخذت تشعر بأن الفرق الوحيد بينهما هو بعض الهورمونات وبعض الفروقات التي لا تستحق الذكر , لكن هناك الأمومة التي من خلالها أستطاعت أن تهب الحياة لأبناء يحملون اسم الرجل فقط , فهل هنا يكمن السبب ؟ هل لأجل هذه الأمومة أخذ يتفنن بفتاويه اليوم ومتججا بحجج غبية رجوعا بها الى ما قبل قرون , بالوقت الذي يكون العالم في تقدم مستمر وهو في تدهور مستمر بل ويريد المزيد والمزيد لأجل المحافظة على هيمنة ساذجة .
حدثت نفسها بالفرق بينها وبينه …. هي تستطيع ان تهب الحياة وعطائها هو الأكثر والأكبر من عطائه فكيف جعل ميزتها هذه لصالحه بل ويتفوق عليها من خلالها , وأصبح له كل الوقت ليفكر ويبدع وله حرية التنفيس عن افكاره ليطلق آرائه بها وله مطلق الحرية ليخرج الى العالم لكنها لا تمتلك حريتها ولا وقتها للخروج الى العالم والأبداع , لا تمتلك الحق للكثير والكثير , اصبحت العيب والحرام كله عيب ان تكتب وتعبر عن افكارها وعيب هي اعمالها مما شل قدراتها وأصبحت محدودة تحركاتها , هي عبارة عن عيب وعلى اخيها او ابيها او زوجها ان يخفيه عن الأنظار فهو رجل لا يعيبه شيء , هي النقص بالرغم من كمالها نقصها بالعقل وبالدين !! وهو الكمال رغم نقصانه .
لا تعلم كيف تكون جميع النساء ناقصات فهل تتساوى المرأة التي اخذت حقها وتطلعت للعالم مع من مكثت بين اربع جدران , وكيف له ان لا يدرك بالفرق بين اللواتي اخذن حقوقهن وكيف استطعن ان يبدعن كما هو حال العالمات والمفكرات والقائدات والاديبات.
هل يُقصد بالدين هو سيطرة الرجولة الناقصة التي لا يحق لنا ان نعيبها مهما عمل صاحبها فهو كما يُقال رجل لا يعيبه شيء !! كيف يكون جميع الرجال مكتملين بالدين على حد سواء ؟ كيف يكون لرجل مجرم الكمال في الدين ؟ وكيف يكون لسارق ومغتصب وووو كل هؤلاء الذين نراهم اليوم .
من المسئول عن ما كان ويكون ؟ هل هو الرجل ام المرأة ام المجتمع ام القانون ؟ من المسئول عن سيادة الفساد والقانون ؟ سألت نفسها كثيرا لكنها لم تسمع سوى صدى اسألتها فمن اين يأتيها الجواب وهي قابعة ومحاصرة بين جدران قوية متمثلة بتخلف الرجل وبموروث المجتمع وبسلطة دولة تريد لها التهميش لتعزز هيمنتها ولتجعلتها مشغولة دوما بالأبناء والبيت وهذه الحلقة التي افرغتْ جميع قدراتها وجعلت طاقاتها سلبية فقط .
هي امرأة اتعبتها السنين
محاصرة بوجعها والأنين
ما بين احكام الرجال والقوانين
ومقيدة من الشمال الى اليمين
تنكشف الحقائق امامها على غفلة من امرها حقيقة الأيام والسنين وكيف وجدت نفسها مجرد كيان لا يعبأ به أحد مجردة من كيانها ومالها وقرارها حيث اصبحت بحكم القوانين ملكا لهذا المخلوق الذي مسخته وشوهته السنين , فيحاول ان يثبت ذاته ورجولته من خلال حصرها ليستجمع قوته عليها , غافلا لمعاني الأنسانية الحقيقية فلا تعلم كيف انكشفت امامها حقائق تلك السنين ولا تعلم كيف وجدت نفسها مجردة من كيانها فهي الآن صفر اليدين لا تمتلك المال والقرار والرأي والحرية كأنسان , هي ملكا لهذا المسخ الذي نصب نفسه الاها عليها , واراد ان يسهم بالبناء بمفرده .
لكنه اثبت فشله فلا تنهض الأمة من سباتها وهي تسير على قدم واحدة والمرأة ساكنة

 

أبداعنا بوعينا وقوتنا بأملنا بهم نهزم التخلف وننصر الأنسانية
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

About فؤاده العراقيه

كاتبة عراقية ليبرالية
This entry was posted in الأدب والفن, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.