عبدالله بن بجاد العتيبي
خرج السيد مقتدى الصدر على المشهد العراقي من جديد وبشكل مختلف بعدما فازت كتلته الانتخابية «سائرون» رابحة في الانتخابات العراقية كأكبر كتلة في البرلمان القادم، متقدماً على جميع الكتل العراقية الأخرى وعلى رأسها كتلة نوري المالكي ونسخته الجديدة هادي العامري.
مقتدى الصدر اليوم هو قائد وطني، عبّر الشعب العراقي عن رغبته فيه وفي توجهه الوطني كما أنه مثل الحصان الرابح للمرجعية المذهبية العراقية الوطنية بعيداً عن تكتلات أخرى مثلت مجرد أدوات تستغل ثروات العراق لأمرين فقط لا غير، الفساد المالي الواسع، وخدمة المشروع الإيراني الثوروي ونهج الولي الفقيه ونظام الحرس الثوري الإيراني، بمعنى أن الصدر أصبح رمزاً لمرحلة جديدة لعراق ما بعد 2003.
تطور كبير حدث للسيد مقتدى خلال عقد ونيف فحسب من عمر الزمن، فمن يسمع خطاب الصدر القائد الوطني المدافع عن العراق ووحدته وسيادته والجامع لكل مكوناته والساعي لبناء حاضره ومستقبله، لا يمكنه مقارنته بخطابه في مرحلة ما بعد 2003 و«جيش المهدي» والسيطرة على النجف، وهو دليل على حيوية شخصية وتطور في الوعي السياسي والرؤية السياسية الحاكمة لتياره وأنصاره.
هذا الانتصار السياسي الداخلي الذي قلب المعادلات الداخلية العراقية، سيمثل مرحلة مهمة من تاريخ العراق الحديث إذا استطاع الصدر بناء تحالفات قوية ومتماسكة تسمح له بإظهار التيارات الوطنية العراقية على السطح الذي كان ملوثاً لسنوات طويلة بعراقيين يخدمون أجندة خارجية إيرانية، وإذا استطاع اختيار الكفاءات من التكنوقراط العراقيين ليقودوا مؤسسات الحكومة نحو أهداف تنموية وأمنية تعيد للعراق مجده وحيويته.
على المستوى الإقليمي يمكن للعراق الجديد البعيد عن الطائفية وعن النظام الإيراني، أن يعيد العراق لعمقه العربي في السعودية ودول الخليج والدول العربية، وأن يعود ليصبح حارس البوابة الشرقية للعالم العربي، خصوصاً مع تشكل المحور العربي الجديد بقيادة السعودية والإمارات والبحرين ومصر، وهو ما يمكن أن يشكل إضافة لإعادة التوازنات في المنطقة.
على المستوى الدولي يمكن لهذا التوجه العراقي الوطني الذي يمثله الصدر وحلفاؤه أن ينقل العراق إلى علاقات متطورة وبالتحديد الولايات المتحدة الأميركية وإدارة الرئيس ترامب الذي لم يزل يسعى لتنظيف كل المشكلات التي خلفتها الرؤية المعطوبة لإدارة الرئيس السابق أوباما.
عراق قوي ومتماسك داخلياً وإقليمياً ودولياً هو مكسب للدولة العراقية وللشعب العراقي أولاً ثم هو مكسب للدول العربية وشعوبها، وهو ما يمكن أن يشكل بداية لعودة العراق إلى وزنه الطبيعي في المنطقة والعالم.
هذا الاتجاه المتفائل لن يرضي النظام الإيراني دون شك، فكيف ستسعى إيران إلى استعادة دورها في العراق؟ الجواب الذي تعرفه إيران هو: الاغتيالات والتفجيرات، والتهديد والتخويف بهما.. ومن هنا يأتي السؤال: من سيغتال مقتدى الصدر؟ أو من سيغتال عدداً من نوابه لإعادة هندسة تركيبة البرلمان العراقي؟ وهو أمر سبق أن حدث من قبل عندما تم اختطاف تشكيل الحكومة من إياد علاوي ومنحها لنوري المالكي.
إنها إيران ولا أحد غيرها، أما كيف سيتم ذلك؟ وهل سيكون على أيدي متطرفين سنة، كما تم اغتيال محمد باقر الحكيم الذي اغتاله تنظيم «القاعدة»؟ أم على أيدي متطرفين شيعة، كما كان في تفجير مرقد الإمامين العسكريين بسامراء؟ تلك أسئلة تجيب عنها الأجهزة الإيرانية وميليشياتها وعملاؤها في العراق.
إيران الدولة الإرهابية الأكبر في العالم تستطيع تحريك كل أياديها في المنطقة والعالم ونشر الإرهاب في شتى البلدان القريبة والبعيدة، والأعمال الإرهابية الأخيرة في أميركا وأوروبا وإندونيسيا والجناية على شعب غزة من قبل «حماس» لم تتحرك من تلقاء نفسها ولم تكن مجرد مصادفة لأنها عملت بالتوازي والتنسيق المعروفين سابقاً.
*نقلاً عن “الاتحاد”