من الّف الكتاب المقدس .. الله ام الانسان

صباح ابراهيم

هناك فرق كبير بين مؤلف كتاب و كاتبه ، المؤلف هو صاحاب الفكرة النابعة من عقله و فكره ، اما كاتب الكتاب فهو الذي يسمع الفكرة او تصله من مصدرها بطريق ما ، ويكتبها اما كما سمعها او يصوغها باسلوبه هو من غير ان يغيّر في المعنى ويحافظ على امانة النقل .
الكتاب المقدس يتألف من 66 سفرا او كتابا ، وقد ساهم في كتابته و تدوينه حوالي اربعون شخصا من ازمان مختلفة و اصحاب مهن متباينة فمنهم الانبياء و الملوك ورعاة غنم ومنهم الطبيب والفيلسوف و صيادوا السمك وجابي الضرائب الحكومية .
الكتاب المقدس وان كان قد كتب بايدي بشر ، الا انه كتاب موحى به من الله بواسطة الروح القدس . وكل مصدر افكاره هو الله .
اخبرنا الكتاب المقدس عن مصدره بقوله : ” تكلم أناس من قبل الله مسوقين بالروح القدس ” . رسالة بطرس 2
بعبارة اخرى ان روح الله القدوس هو من اوحى لكتاب الكتاب بتدوين ما اوحي اليهم لنقل رسالة الله الى الأنسان عن طريقهم . ويمكن ان نشبه المؤلف برجل اعمال يملي رسالة شفوية على سكرتيره ويكتبها هذا المكلف على الورق . فالكاتب ليس هو المؤلف صاحب الفكرة بل الذي يملي الرسالة .
رسائل الله الموحاة بها نقلت الى كتبة الوحي بعدة طرق ، منهم من سمعها مباشرة عن طريق ملاك مرسل من الله لتبليغ رسالة او بشارة ما او وصية او خبر . كما كلم الملاك جبرائيل مريم العذراء و بشرها يحلول الروح القدس عليها وانها ستحبل بطفل يكون مخلص العالم وابن الله يدعى . و بشارةالملاك جبرائيل لزكريا بأن الله سمع طلبته وان زوجته العاقر اليصابات ستحبل و تلد له ابنا رغم عقمها وشيخوختها . والبعض رأى رؤيا في منامه واستمع لرسالة تبليغ من الله كما هي رؤية يوسف النجار لملاك يطمأنه ان خطيبته العذراء مريم حبلى من الروح القدس .


ومن كتبة الوحي المقدس من سمع من الله بالهام الروح ان يسجل رسالة الله ويكتبها بكلماته واسلوبه الخاص كما في مزامير داؤود و حِكَمْ سليمان بن داؤود و قصة معاناة ايوب ومناجاته مع الله.
قال داؤود الملك : ” روح الرب علي تكلم فيّ و على لساني كلِمتُهُ ” .
دقة الكتاب المقدس و صدق كلماته وتحقق نبؤاته تثبت انه كتاب من الله .
احتوى الكتاب المقدس معلومات علمية دقيقة رغم انه ليس كتابا علميا ، حيث ثبت العلم الحديث صحتها و دقتها . فقد قال الكتاب : ” يجذب (الله) قطرات الماء فترشحْ مشكّلة مطرا وضبابا ، فتهطلُ السحبُ ، و تقطر على البشر بغزارة ” سفر ايوب .
هذا الكلام يشرح دورة الماء في الطبيعة التبخر – التكاثف – تحول البخار في السحب الى مطر ساقط على الأرض .
كما عبر ايوب البار عن مراحل خلق الجنين وتكونه في الرحم بوحي من الله عندما قال :
” يداك كونتاني و صنعتاني
من الطين جبلتني …. والان الى التراب تعيدني
سكبتني كالبن الحليب و جعلتني رائبا كالجبن
كسوتني جلدا ولحما
وحبكتني بعظم وعصب
منحتني حياة ورحمة
وعيناك حفظت روحي ” .
تنبأ الكتاب بوحي من الروح القدس عن دمار ممالك وسقوط امبراطوريات ومدن جبارة قبل وقوعها بمئات السنين . وتحققت كل تلك النبؤات ، وهذا يثبت ان الكتاب هو كلام الله .
كانت بابل القديمة مركزا لأمبراطورية عظيمة وقوية نشرت نفوذها على غرب اسيا طوال قرون . وكانت في فترة من الزمن اكبر مدينة في العالم . لكن الله تنبأ على لسان النبي اشعيا بن اموص في رؤيا عن سقوطها بيد ملك محارب من بلاد فارس اسمه كورش وانها لن تُسكن الى الأبد . بعد 200 سنة تحققت النبوءة الالهية بكل دقة ، حيث هجم القائد الفارسي كورش مع جيش جرار واحتل بابل واحالها خرابا لم تسكن الى البد .
تنبأ النبي ارميا عن بابل بوحي من الله قائلا : ” تصير برية قفرا وارضا يباسا وتكون كلها خرابا ” ….. ولازالت بابل خرابا واطلالا الى الان وتحفظ اثارها في المتاحف ولا يسكنها بشر حسب نبؤات الكتاب.
اما وحي الله عن نينوى فقد تنبأ النبي صفنيا عن عاصمة الأمبراطورية الآشورية العظيمة التي كانت تحفة رائعة في هندسة بناء القصور الفخمة والمكتبات الكبيرة العامرة بمئات الاف المخطوطات ، اما المنحوتات الفاخرة بفن النحت فقد امتازت نينوى بالثيران المجنحة ذات الفن الراقي والابواب المنقوشة بالحيوانات المزخرفة و امتازت نينوى بالاسوار المنيعة والشوارع العريضة والحدائق الغناء .
تنبأ النبي صفنيا عنها بوحي الروح القدس قائلا : ” هذه المدينة العظيمة ستصبح قفرا ، ارضا قاحلة كالبرية “
دُمّرتْ نينوى العظيمة عاصمة الامبراطورية الممتدة من تركيا شرقا الى مصر غربا على ايدي القوات البابلية والمادية الفارسية المتحالفة معها في القرن السابع قبل الميلاد وظلت طي النسيان طوال 2500 سنة ، حتى ان الناس سككوا فترة من الزمن انها وجدت من الاساس الى ان نبش علماء الآثار انقاضها في اواسط القرن التاسع عشر ونقل الكثير من آثارها الجميلة الى متاحف العالم . واصبحت نينوى اثارا واطلالا من الماضي .
تم اعادة تدمير مدينة نينوى في العصر الحديث على ايدي وحوش عصابات داعش الاجرامية القادمين من عصور الظلام والتوحش عند احتلالهم هذه المدينة الحضارية واعتبارها عاصمة دولة الخلافة الاسلامية، ثم ساهم جيش العراق بأكمال تدميرها بالاسلحة الحديثة والطائرات والصواريخ والمدفعية لطرد عصابات دولة الخلافة الاجرامية من تلك المدينة فتحولت مؤسساتها ومستشفياتها الحديثة ومساكنها وكنائسها ومساجدها ركاما و اطلالا .
وتحققت نبؤءة النبي صفنيا وصدق وعد الله مرة اخرى المثبت بالكتاب المقدس عندما قال هذا النبي : ” هذه هي كلمة الرب التي كلم بها صفنيا بن كوشي ” .
هل يوجد اكثر من هذه الادلة العملية والنبؤات التي تحققت كلها بعد زمن طويل ان كل ما جاء بالكتاب المقدس هو وحي من الله كتب بأيدي الانبياء .

About صباح ابراهيم

صباح ابراهيم كاتب متمرس في مقارنة الاديان ومواضيع متنوعة اخرى ، يكتب في مفكر حر والحوار المتمدن و مواقع اخرى .
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.