شرق سوريا، على موعد غير محدد للبدء بعملية عسكرية تحشد لها واشنطن في أعقاب سلسلة مناكفات بين طائرات روسية وأميركية، تدفعها رغبة عارمة بطرد الخصم من الأرض، لكن الأمر عاد بمفعول عكسي فالولايات المتحدة زادت من حشودها المقاتلة وأرسلت مزيداً من المقاتلات ومن بينها “الشبح” لأول مرة إلى السماء السورية، بينما موسكو تحضر نفسها عبر مناورات مع الجيش النظامي تمهيداً لمعارك قادمة.
المعلومات الأولية تفيد عن إطلاق التحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة، تدريبات عسكرية في قواعد تسيطر عليها شرقاً بالتوازي مع تحضيرات وزارة الدفاع “البنتاغون” لعملية عسكرية باتجاه ريف محافظة دير الزور الشرقي والشمالي ومن بينها المدن الحدودية مع العراق، مثل البوكمال والميادين وهذه الرقعة تتمركز بها فصائل مقاتلة ومدعومة من النفوذ الإيراني.
تدريبات أميركية وروسية تركت مخاوف وسط المجتمع الأهلي من اتساع رقعة الحرب واشتدادها، وأعرب الناشط السياسي من دير الزور أحمد الشيخ عن توجس المدنيين من خطورة العملية العسكرية المرتقبة، محذراً من أن المنطقة بأسرها ذاهبة بقدميها إلى الجحيم، فالصراع لم يعد بين القوى المتحالفة مع الدول الكبرى وعبر ميليشيات كما كان يحدث في كل الاشتباكات الماضية، اليوم موسكو وواشنطن وجهاً لوجه، وتحدث الشيخ عن نشاط ملحوظ في القواعد الأميركية “يمكن مشاهدة الحوامات وأرتال المدرعات والإمداد تتجه إلى قواعد العمر النفطي وحقل كونيكو للغاز، الذي تسيطر عليها واشنطن منذ اندحار تنظيم داعش الإرهابي، ويترافق مع ذلك حالة توجس تسري بين الأهالي الذين ضاقوا ذرعاً من طول أمد الحرب، منهم من يرغب بحسمها لأي طرف كان ليعيش الناس بسلام، ومنهم من يحزم حقائبه لنزوح قادم لا محالة”.
مناورات ليلية
في غضون ذلك، يتسارع سباق التسليح والتحصين والإمداد بين الطرفين على وقع المناورات والتدريبات الكثيرة، إذ نشرت من جهتها وزارة الدفاع الروسية مقطعاً مصوراً لأول مناورات ليلية أجرتها قواتها مع نظيرتها السورية في محافظة حماة غرب البلاد، وتظهر أعمالاً قتالية تحاكي معركة ليلية.
وجاء في بيان لوزارة الدفاع الروسية أن المناورات أجريت بمشاركة مقاتلات “سو-24″ و”سو-35” الروسية وتشكيلات مدفعية لضرب أهداف حساسة للجماعات الإرهابية.
موسكو رصدت مقاتلات الشبح الأميركية “أف-35” في سماء سوريا، وفق مركز المصالحة الروسي، وهي نوع من المقاتلات المتطورة التي تدخل لأول مرة الأجواء، في وقت استبعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أي إرادة لدى قوات بلاده للاشتباك العسكري مع الولايات المتحدة لكنه أعرب عن استعدادها لأي سيناريو محتمل.
المركز الروسي قال إنه “سجل ستة انتهاكات لطائرات من طراز “أف-16” وأربع طائرات من طراز “أف-35” وثلاث مسيرات أميركية في منطقة التنف التي تمر عبرها الخطوط الجوية الدولية، في المقابل لم تخف واشنطن وصول طائرة “أف-35” إلى الشرق الأوسط، وتعزو ذلك لتعزيز قوة الردع ضد إيران وللمشاركة في العمليات العسكرية في سوريا
إزاء هذه التطورات تكثف دمشق وطهران من اتصالاتهما السياسية والأمنية، على وقع قرع طبول الحرب، ومعها جاءت زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى العاصمة السورية، منتصف يوليو (تموز) الماضي، وهي الأولى من نوعها منذ 13 عاماً تزامناً مع معلومات استخباراتية ترجح عزم واشنطن قطع الطريق بين سوريا وإيران مروراً بالعراق.
بالعودة إلى الوراء، وقفت واشنطن في عهد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما موقفاً رافضاً لإرسال جنود أميركيين إلى سوريا لكن الأمر تغير في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2015 بوصول 50 جندياً من القوات الخاصة لممارسة نشاط استشاري غير قتالي.
آنذاك عدت هذه الدفعة الأميركية بمثابة أول وجود عسكري للولايات المتحدة على الأراضي السورية، منذ بداية الحرب بها، بعد تشكيل التحالف الدولي لمكافحة تنظيم “داعش” في أغسطس (آب) عام 2014 حتى سقوطه في عام 2019 في منطقة الباغوز شرق سوريا وعبر هذه السنوات زاد حضور المقاتلين إلى نحو 1000 مقاتل.
قرار إشعال فتيل الحرب قد اقترب، وهذا ما يفسر حدة التصريحات الصحافية التي يطلقها الساسة في دمشق، بدءاً من اتهام الخارجية السورية واشنطن بنهب النفط السوري، وصولاً إلى كلمات وزيرها فيصل المقداد شديدة اللهجة من طهران مطلع أغسطس الجاري “من الأفضل للجيش الأميركي أن ينسحب من الأراضي السورية قبل أن يجبر على ذلك”.
وقررت واشنطن في عالم 2019 إبقاء القوات الأميركية في شرق سوريا للمحافظة على آبار النفط من استيلاء تنظيم “داعش” الإرهابي عليها أو أية جهات أخرى وفق حديث لوزير الدفاع الأميركي وقتها مارك إسبر.
واكتفت أميركا بتقليص عدد قواتها بعد أن أقر الرئيس السابق دونالد ترمب سحب قواته نهائياً، وهو الأمر الذي قوبل بانتقادات وعده سياسيون في واشنطن خيانة للقوات الكردية التي حاربت معها ضد تنظيم “داعش” الإرهابي وتركهم يواجهون تهديدات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وعلى نحو ما تراقب الأطراف بحساسية بالغة أي تقدم من الخصوم، فمن يكون البادئ بقطع الطريق على الآخر، لا سيما مسعى واشنطن لإجهاض التحالف “العراقي السوري الإيراني” المتزايد شرقاً قبل ولادته، وهذا ما دفعها إلى تنفيذ مناورة مشتركة مع ما يسمى “جيش سوريا الحرة” وقوات “قسد” (سوريا الديمقراطية) وخبراء من الجيش الأميركي في منطقة يطلق عليها “55 كيلو”، هدفها تقطيع أوصال الشرق السوري لإنهاء النفوذ الإيراني وإطباق الحصار على دمشق من كل الجهات، في حين تسعى روسيا إلى إعادة الحقول النفطية والأراضي الخارجة عن سيطرة دمشق.