مناقشة أفريقية حامية

samikheiamiوجدت من المفيد إعادة نشر هذا البوست …

مناقشة أفريقية حامية

/..من المفيد قراءة هذه المناقشة بتمعن../

في دولة أفريقية مسلمة، دارت مناقشة حامية بين ممثل السلطة وممثل المتمردين غير التكفيريين.

قال ممثل السلطة: أنا أمثل الذين يحافظون على الثوابت وعلى وحدة البلد. الشعب يحبنا !
أجابه ممثل المتمردين: أي شعب ؟
قال: الحريصون على الثوابت الوطنية، الخائفون من التكفيريين، المتباينون ثقافياً أو دينياً، شرائح كبيرة من الموظفين، كثير من الليبراليين العلمانيين… أما أنتم فشُذّاذ آفاق شاءت بهم الأحقاد أن تتجسدا.

أجابه: ألم تكونوا شذاذ آفاق قبل أن تلبسوا طرابيش السلطة؟ أما هؤلاء الذين يحبونكم فقد يلامسون %40 في أحسن الحالات، وهم لا يحبونكم بالضرورة ولكن يكرهوننا أكثر مما يكرهونكم.

قال ممثل السلطة: ربما، ألا ينطبق هذا عليكم بحرفيته؟
أجابه ممثل المتمردين: ربما، لكن هذا يعني أن محبينا الفعليين نحن وأنتم قلة. ماذا نفعل؟
قال؛ أنت تقول قلة، في كل الأحوال نحن نتجاهل من يخالفنا ونتابع القتال. المنتصر يفرض شروطه على الجميع.

أجابه: لكن حلفاءنا أقوى وأغنى من حلفائكم وسننتصر في النهاية.
قال ممثل السلطة: حلفاؤنا وحلفاؤكم يبيعون ويشترون فلا تعتمدوا عليهم. علاوة على أنكم فصائل مسلحة مشتتة يسيطر التكفيريون على ميدانها، ومجموعات سياسية لا رابط بينها، وبعض المثقفين التائهين، لذلك لا يثق حلفاؤكم بكم ويعتبرونكم أمراء حرب أو متسلقين سياسيين ! وسيعودون للتعامل معنا.

أجابه ممثل المتمردين: نحن مستعدون للقتال الى ما شاء الله، لكن ماذا عنكم إلى متى ستقاتلون؟
قال: إلى ما شاء الله، إحنا وَرانا إيه؟ نحن نمثل السلطة وسيساعدنا حلفاؤنا، أما أنتم العابثون بأمن الوطن فتعيشون بِرفاهية على نِعَمِ المحسنين، فلِمَ العجلة ؟
أجابه: نحن لجأنا إلى السلاح بعد أن دمرتم الحراك السلمي، فنشطاؤه اليوم إما نازحون أومعتقلون لديكم.
قال ممثل السلطة: أو قتلهم التكفيريون وتجاهلتم ذلك، وأنت تعرف أنكم حملتم السلاح بمجرد استيلاؤكم عليه منذ البداية.

أجابه ممثل المتمردين: نحن نحاول في مناطقنا اليوم أن نقلل من الفساد، أما لديكم فالفساد يزيد!
قال ممثل السلطة: اذا وصلتّم الى ضمان السيطرة لمدة كافية في مناطقكم، فسيصبح رجالكم أفسد من رجالنا، لأن تمردكم ليس له مَعين فكري.

أجابه: ما شاء الله على معينكم الفكري. أنتم تستغلون خوف أكثر الناس من التغيير ومن التكفيريين وتمارسون القتل باسم الشرعية. لكن مع الأسف من ناحية الكرامة الانسانية، نحن متساويان في القمع، لكن قمعكم أشد.

قال ممثل السلطة: بل أنتم من يقتل. نحن نقصف قواتكم وإن أدى ذلك الى كثير من الضحايا المدنيين… أما أنتم فتقتلون المدنيين أو تتركوهم يقتلون دون تمييز بين طفل وشيخ وبين رجل وامرأة. لكن اذا استمر إقتسام البلد فسنتساوى في كل شيء، إلا أننا سنبقى متفوقين عليكم في الليبرالية الاجتماعية التي يحتاج اليها كثير من الناس.
أجابه ممثل المتمردين: سنُعَوٍد الناس لدينا أن لا يحتاجوا اليها… لكني أخشى أن يتخلى عنّا حلفاؤنا وعنكم حلفاؤكم ويلتفتوا الى الغالبية التي لا تحبذنا ولا تحبذكم.

قال: هذا غير متوقع إذ أنهم لا يحترمون بلدنا أو شعبه، ولأنهم قلقون على مصالحهم فقط. جُلّ ما يمكن أن يسعوا إليه هو الوصول إلى إتفاق بيننا وبينكم. أمَلُكم أن يضموكم إلينا في حكومة مشتركة، لكنكم عاجزون عن الاتفاق على من يمثلكم في ظل إختراق التكفيريين لصفوفكم.

قال ممثل المتمردين: هل تظنون أن بالإمكان العودة الى ما كان مع بعض الترقيعات؟ بعد كل الدماء التي سالت وبعد تدمير البلد، أنتم تحلمون.
أجابه ممثل السلطة: لا، حتماً سيتغير الكثير لكن ليس كما تشتهون.
قال: وليس كما تشتهون أنتم أيضاً، على كلٍ لم يعد قراركم بيدكم فحلفاؤكم غَدَوا أصحاب القرار.
أجابه ممثل السلطة: على الأقل هم ينسقون معنا، أما أنتم فحلفاؤكم ينسقون فيما بينهم ويُبَلِّغوكم بما عليكم فعله.

——————————-

مرّ شيخ قبيلة إِفريقية حكيم بالقرب منهما واستمع الى حوارهما، فقال لهما:
ألا يجدر بكما القبول بمبدأ التفاوض واصلاح المجتمع.
قالوا كيف؟.. قال:

دولة القانون، تداول السلطة، المواطنة، احترام الكرامة الإنسانية، الإنتخابات النزيهة، حرية الكلمة والتعبير، محاربة التطرف، محاربةالتكفير، تحديث التعليم الديني، مكافحة الفساد والمحسوبية، التنمية الاقتصادية وتجنب التهميش الاقتصادي لأي منطقة، التنمية المتوازنة، بناء دولة المؤسسات والحوكمة الرشيدة، احترام المعتقدات، احترام حقوق الانسان، احترام حقوق المرأة، تطوير جيش محترف وإبعاده عن السياسة، تطوير وسائل التعليم وبناء الانسان.

قال الإثنان: كل هذا يشبه ‘السويد’ يا شيخ، نحن في إفريقيا..
أجابهم الشيخ: كل هذا بتدرج هادئ يتناسب مع العادات الاجتماعية ومع تخلف المنطقة لتجنب عداء محيطنا.

والولاء للوطن …. الولاء للوطن
لا لكل ما يخرب الوطن.
إنّ الوطن بحاجة إليكما، فشاركا في إنقاذه.
ولكن قبل أي شيء…
أوقفا القتل والقتال رحمةً بالأبرياء.
ولا تتركا الأجنبي يملي عليكما تصرفكما…
ووَحِدّا قواتكما لهزيمة التكفيريين.
واتركا هيئة من القوى المجتمعية تعد لمؤتمر وطني ينظم أحوال البلاد والعباد.

مثل هذا المؤتمر سيوحد غالبية الشعب خلفه وسيصبح مخولاً
لمنحكما رخصة البقاء إن كنتما تستحقان!
كذلك سيعمل على لأم الجراح وتحقيق المصالحة الوطنية والشروع في إعادة بناء الوطن.
أما قوى الخارج، فقد تكون قداقتنعت الآن بأنّ بلدنا قد تهدّم، وأصبح بالتالي يشكل عالةً عليها وخطراً ربما على استقرارها. لذلك ستعتبر التعامل مع ما ينتج عن هذا المؤتمر كقرار لغالبية شعبنا وستقبل به، وربما تساعد في عملية البناء.

الشعب سيغفر لكما وللقوى الخارجية كل الأهوال التي أصابته! أعطوه الفرصة لكي يبني وطنه من جديد ويضمن مستقبل السلام لأولاده.
إتعظا بما أقول، رعاكما الله.

التفت الشيخ الإفريقي الحكيم ليمضي في حاله، فتبادل الاثنان نظرات ذات مغزى وتوجها معاً نحوه…. وقتلاه.
” وفي روايةٍ أخرى إكتفيا بإبعاده”

ثم عاد كل منهما الى معسكره ليتابع القتال.
صاح الجند في كل معسكر:
يحيا السلطان، يحيا السلطان.
وأصبحت الدولة إِفريقية أكثر …
وهما سعيدان.. سعيدان !!

—————————-

ملاحظة: قيل لي أنّ هذا الحوار جرى في ليبيا والسلطة هي المعترف بها من دول الجوار، لكنه قابل للحدوث في أماكن أخرى… في افريقيا.

About سامي خيمي

سامي خيمي *سفير سوريا لدي بريطانيا, دكتور مهندس بمركز الابحاث العلمية واستاذ بقسم الهندسة الاكترونية جامعة دمشق
This entry was posted in الأدب والفن, دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.