” فلة العنابية ” الوردة الزابلة في رائعة حيدر حيدر ( نشيد الموت ) ، والمناضلة البائسة اليائسة من بقايا حطام جيش التحرير الجزائري ، والتي حدثنا عنها مبدعها بأنها سقطت سهوا على شواطئ بونة حيث نسيها الله بعد أن إختار لها زاوية ضيقة من زوايا الحجيم قائلا لها : إمكثي هناك ملعونة إلى أبد الابدين . فترد بصرخة شيطانية : في مؤخرتي الحياة الآخرة ، وأنهارك العسلية ، وينابيع الكوثر ، هذه حياتي الأولى والأخيرة ، وما تبقى خذه ، سامحتك فيه ، إعطه لعبادك الصالحين !
من ضمن المسروقات الأسطورية البابلية التي سطا عليها كتبة التواراة ومحرريها وإنتحلتها منهم بعد ذلك بقية الأديان تزيد فيها وتنتقص منها كيفما إتفق لها ، كانت تلك الأسطورة التي تضمنت تحميل ( حواء ) إثم الخطيئة الأولى ، خطيئة الإغواء الذي تسبب في خروج البشرية من مرعاها الخصيب إلى دنيا العمل والكد والشقاء والبؤس.
وعلى إفتراض صحة القصة فإنني لا أرى من إثم إرتكبته حواء عندما أغوت ادم ووسوست له بالأكل من الشجرة التي حرمها عليهما الله دون سبب عقلاني أو موضوعي ، بل العكس تماما يمكن أن نسم سلوك حواء هذا بأنه أول فعل ثوري صارخ و رافض و نافر و صائح متجاوز للخطوط الحمراء غير مكترث أو عابئ بالتابوه ( الأفعال المحرمة دون مبرر أخلاقي أو عقلاني ) .
إن نتائج هذا السلوك الثوري الذي أوعزت به حواء لادم حسب الأسطورة المعروفة تجلت في أعظم لوحة وملحمة كونية سطرها الإنسان ، إنها تفاصيل ما بعد تلك الرحلة المثيرة والشيقة التي قطعنا فيها المسافة بين السماء والأرض ، تفاصيل ما بعد الهبوط الأسطوري على أرضنا الجميلة والمرعبة ، لندشن الملحمة التي عشنا ولا نزال نعيش تفاصيلها ،
فمحصلة ذلك التمرد كانت تلك الحياة الحياة التي نحياها ، بسعادتها ومتعها ولذاتها ، وبأشجانها والآمها ومخاضاتها العسيرة ومغامراتها المرعبة وأحزانها التي تستفز أقلام الرواة ، وتُلهم مخيلة الشعراء ، وتُخضِّب ريش الرسامين ، وتولد الإنسجام في أوتار قيثارات الموسيقيين.
تلك الحياة التي منحتها لنا حواء باغواءاتها الشيطانية لادم تضاهي بإثارتها وتشويقها ، بخبراتنا فيها وتأملاتنا بها ، بمغامرات عقولنا فيها وكد ابداننا عليها ، أقول تضاهي تلك المتعة بالجنة التي غرّنا بها الأنبياء والمرسلين عندما اخبرونا أننا سنعود إليها بعد أن فارقناها بسبب حواء لو سمعنا و أطعنا ، تلك الحياة الرتيبة المملة ، حياة الدعة والسكون والخمول ، حيث البشر فيها وهم على أرائك العز متكئين أشبه بالحيوانات المدللة بمنازل الاوربيين الأثرياء ، يأكلون ويشربون ويضاجعون ، وبالمقابل خضوع تام للسيد ولتابوهاته وتقديم طقوس الطاعة له كطقس هز الذيل المعادل الموضوعي للطقس الذي يقدمه الركع السجود من محملي خطئية الخروج لحواء.
بإختصار إن تلك الرحلة الهابطة من السماء إلى الأرض تجلت فيها أسمى معاني التحرر من البهيمية التي كان يحيا بها البشركما ورد بالأسطورة ، حيث على النقيض تماما لم تكن حواء رمزا للفتنة والشهوة ولكن كانت رمزا للشقاء وأيقونة لمفارقة الركوض خلف الشهوات في الجنة .
إن حياتنا في السماء والتي فارقناها بسبب حواء حياة على نعيمها الذي أراه مملا باردا ، إلا أنها أسوء بما لا يقارن بحياتنا على سلبياتها العديدة ، فلولا ثورة حواء في وجه التابوه الأول لما نعمنا بهذا الكم الهائل من المنجزات الإنسانية التي كانت محصلة لصراع طويل خاضه الإنسان ضد هذا الكون القاسي الذي لم يُسخّر لنا بقدر ما نجحنا نحن في تسخير جزء منه ـ على ضئالته ـ إلا أنه أضفى على حياتنا ألوانا جمالية ولدتها رغبتنا التي ورثناها من حواء في التمرد وقهر التابوت وكسر القيد والشغف بإختراق الخطوط الحمراء الذي يؤججه ذلك الفضول المشتعل دائما بدواخلنا لمعرفة ما هو ممنوع معرفته علينا .
المضحك في الأمر هو النهاية الدارامية التي إنتهت إليها حواء التي كان لها الفضل الأكبر في تركنا حياة الدعة والخمول البهيمي والعدمية القيمية التامة في السماء إلى حياة العمل والشقاء والكد والبحث على الأرض وإنتزاع المعنى من بين طياتها وكنوزها الخبيئة ، فحفيدات حواء قد تحولن على أيدي من صاغوا أسطورتها أنفسهم ونسبوا لها الفضل في ثورة الأرض على إراداة ورغبة السماء بأن يكون البشر مجرد كائنات رخوة منعمة كسولة مدللة ، أقول قد تحولت إلى كائن يحرم عليه الخروج والعمل والكد وموسوم بالدلال واللين والكسل وعدم القدرة على العمل ، رغم أن كل ذلك الذي يُنكرونه عليها من نتائج ثورتها ، وأصبح يُنادى بمكوثها في بيتها ، وبوجوب إنفاق زوجها عليها وإعالتها وتدليلها وصونها في المنزل وكأنها في الجنة ، فكأنما يا ” أبا زيد ما عزيت ” .
ثارت على الجنة لتفرض لها جنة أخرى بمذاق جهنمي أكثر مملا من ذلك الذي تمردت عليه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
معاً ضد كلّ سلطة ظلامية تمنع العقل الإنساني من الوصول إلى نور الحرِّية حباً في الإستبداد وتعلقاً بالسيطرة !
كم كنت مستغرباً صدور هذا الكلام من كائن ينتمي لشعب طيّب ؟؟؟
ولكن سرعان ما تبخّر استغرابي عندما أبصرت صورة هذا الكائن ؟؟؟؟
وبصراحة عندما شاهدت صورته ازدادت قناعتي بنظرية دارون !!! .ا
استغربت كثيراً كيف يصدر مثل هذا الكلام عن كائن ينتسب لشعب طيّب وأصيل ؟؟؟
ولكن عندما شاهدت صورة هذا الكائن … زال استغرابي … ؟
بل ازدادت قناعتي بنظرية دارون ؟؟؟؟