«مصير الأسد يقرره السوريون»!

الياس حرفوش / الحياة

يمكن أن نتخيل بشار أسد سعيداً بالجرعة الجديدة من الحياة التي منحته إياها تصريحات المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هايلي وتصريحات رئيسها وزير الخارجية ريكس تيلرسون. الوزير يريد للشعب السوري أن يقرر مستقبل رئيسه. والسفيرة لا ترى أن إزاحة الأسد عن السلطة يجب أن تكون أولوية أميركية. بل الأولوية، في رأيها هي «لمكافحة الإرهاب».
في الحالتين يستطيع الأسد أن يعتبر نفسه منتصراً. فهو يعرف أن الشعب السوري الذي يتحدث عنه وزير خارجية أميركا ويريده أن يقرر مستقبل رئيسه لم يعد موجوداً. لا بد أن وزير خارجية الدولة العظمى سمع أن نصف هذا الشعب بات في القبور أو في المنافي، أو واقفاً على حدود الدول يستعطي كوب ماء أو لقمة خبز. أما النصف الآخر فهو يتقاتل في الداخل، منقسماً إلى صفوف طائفية ومذهبية، بعد أن نجح بشار أسد في تحويل الانتفاضة السلمية ضد حكمه إلى حرب أهلية.
أما حديث السفيرة عن محاربة الإرهاب، باعتباره أولوية تسبق من حيث الأهمية مطلب إبعاد الأسد عن السلطة، فهو يغفل أيضاً حقيقتين:
الأولى أن الإرهاب الذي يجري الحديث الآن عن محاربته في سورية هو من صنع النظام نفسه. هذا النظام هو الذي استورد الإرهابيين من العراق حيث أشرف على تدريبهم وتمويلهم لمحاربة القوات الأميركية، ثم قام بإطلاق الباقين من سجونه، وكل ذلك لهدف واحد، هو تغطية حربه على السوريين بشعار مكافحة الإرهاب، لأنه شعار يسهل تسويقه في الغرب. وهو ما نجح فيه الأسد مع إدارة أوباما أولاً، والآن مع إدارة ترامب.
أما الحقيقة الثانية التي يغفلها كلام السفيرة هايلي فهي أن مكافحة الإرهاب لا تستقيم في سورية من دون القضاء على حكم الأسد. فالممارسات الإجرامية التي يرتكبها النظام لا تقل إرهاباً عن جرائم «داعش» أو «النصرة» أو سواهما. إذ ماذا يسمى قتل الناس بالأسلحة الكيماوية وإلقاء المعارضين أحياء من سطوح المنازل، وذبح المدنيين ونزع حناجرهم؟ وبماذا يختلف هذا عن إحراق الأبرياء وقطع الرؤوس الذي ترتكبه عصابات البغدادي؟ الحقيقة البسيطة هي أن جرائم الجزّارين العاملين في صفوف النظام هي التي شرّعت الأبواب لكل أنواع الاستباحات في الحرب الدائرة في سورية.
ليس الجهل هو الصفة الوحيدة التي يمكن إطلاقها على تصريحات المسؤولين الأميركيين، في ما يتعلق بمستقبل سورية. هناك فوق ذلك التناقض الفاضح بين هذه التصريحات وبين الهدف المعلن لإدارة ترامب، والذي يركز على محاربة النفوذ الإيراني في سورية وفي المنطقة. نيكي هايلي نفسها تقول إن «من الضروري أن نُخرج إيران ومن يحاربون عنها بالوكالة من سورية». حسناً. ألا تعرف هايلي أن هؤلاء الذين تريد إخراجهم من سورية هم الذين يحاربون هناك من أجل إبقاء الأسد في الحكم؟ ألم تقرأ تصريحات المسؤولين الإيرانيين أنفسهم وتصريحات الميليشيات العاملة في ظلهم، والتي تؤكد أن قتال هؤلاء في سورية هو الذي يحمي النظام ويمدّه بأسباب البقاء؟ وهل يبقى أي دور للشعب السوري لتقرير مستقبل رئيسه بعد كل هذه التدخلات الخارجية التي قدمت إلى سورية لمحاربة هذا الشعب ومنعه من عزل رئيسه عن الحكم؟
باراك أوباما وصف المعارضين السوريين في السابق بأنهم مجموعة من المهندسين والأكاديميين والأساتذة الذين لا يملكون القدرة ولا القوة لإسقاط بشار الأسد. وها هو دونالد ترامب الآن يعلن أن هدف هؤلاء المعارضين المتمثل بإسقاط الأسد لا يستحق الدعم، لأن الحرب على الإرهاب تحتل الأولوية. وفي الحالتين، يطغى الاستخفاف بأرواح السوريين وبتضحياتهم الكبيرة، والتي يجب أن تكون وحدها دافعاً لتشكيل ائتلاف دولي ينقذ السوريين والمنطقة من هذا النظام ومن أي نظام مماثل يرتكب ما ارتكبه بشار أسد بحق شعبه.

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.