هل بدأت معركة الخليج.. ؟؟.. قد يبدو السؤال جنونيا…. لكن هناك من المؤشرات ما يوفر ارضية من العقلانية السياسية و التطور في في الفكر الإمبراطوري مما يشكل صورة لما يمكن ان يكون تحولا جذريا في منطقة الخليج….
الموارد المالية و المواد الخام و السوق و قوة التدمير الذاتي بلغت درجات لا يمكن ادارة أدواتها بمعزل عن تدخل قوى إقليمية و دولية … فيما في الطرف الاخر فان ادانة عنصر أساسي في المنظومة الخليجية بالارهاب المنظم لابد ان تمتد الى اكثر المنظومات التأويلية الدينية و القوة التعبوية الميليشياوية في التاريخ الحديث لمجتمعات الخليج و تنظيماتها السياسية.. بكلام اخر ان ادانة قطر هي ادانة لكل المنظومة الخليجية … سياسيا و ثقافيا-اجتماعيا…. فالجميع في سقوط حر و ان كان البعض يعقد انه يأوي الى “جبل ” و ينآى بنفسه عن “الفيضان” ..!!.
هناك مجموعة عوامل تتفاعل بشكل متناسق و كأنها سيمفونية تعزف لحنا لتغييرات جذرية في الشرق الأوسط بعضها تحدث هناك على قمة العالم حيث الولايات يحكمها رجل لا احد يستطيع احد ان يخمن ماذا يريد او يفعل ( هكذا و كأن العالم نسي قدرة اجهزة المخابرات على معرفة افكار الجنين قبل ان يولد).. و على نفس المنوال يدير رجل الكي جي بي روسيا التي تعلق اقتصادها و حياة الاوليغاركيهات المتخمة على قوة استفزازها العسكري و تمددها عبر مجاهل الفقراء و غير القادرين عن الدفاع عن الذات … الصين و احياء مشروعها القديم “طريق الحرير” للهيمنة على العالم عبر التجارة… و بريطانيا التي تشحذ امكانياتها الامبراطورية القديمة… و فرنسا التي تخلت عن الفكر الوطني (يميناً و يسارا) و تبنت اعادة الهيكلة الاجتماعية السياسية من خلال آليات العولمة و بناءاتها ….
في الشرق الأوسط عادت الحياة الى اهم امبراطوريتين في الزمن ما قبل الاستعمار و بناء الدولة الوطنية … تركيا و ايران في نشاط هائل لإعادة فرز طرق التمدد و مناطق النفوذ … بينما العالم العربي يشهد التقسيم في اهم مرتكزين من دعائم تاريخه القديم و الحديث … العراق و سوريا تم تقسيمها بالفعل و دولة كوردستان على الأبواب … و شبه الجزيرة العربية بكيناتها الهشة تتأوه مع الرياح القادمة…. و ازمة الخليج ليست الا تعبيرا عن أولى الخيم التي قلعتها العاصفة تتبعها الخيم الاخرى بغض النظر عن وعي الحاكمين و قدرتهم الفعلية على القيام بأي شيء يختلف عن محاولة شراء غضب ترامب بما يملكون و لا يملكون ..
مشكلة قطر ليست جديدة … فهي اشكالية جميع دول الخليج مع السعودية …. بناء الدولة السعودية كانت اعادة تجربة دموية لنمط حرب القبائل التاريخية التي لا تعترف بحدود جغرافية و لا قيمية ادخلت الرعب و ما تزال في قلوب الحاكمين في الإمارات الموزعة في أطراف الجزيرة العربية… و هذا الرعب هو الأسباب الحاسمة في دعوة الاساطيل الأجنبية و بناء القواعد العسكرية للدول الكبرى في محاولة لدرء الخطر المتعطشين من آل سعود لتوسيع مملكتهم هنا و هناك…. هكذا جاء القطريون بأقوى و اهم قاعدة أمريكية في العالم و طور أمير البحرين مؤسسته السياسية حتى تصبح ملكية علها تجاري السعودية في شرعيتها و تمنعها من ضمها عنوة… و هكذا ايضا تخلت الإمارات عن جزر في الخليج الى ايران طلبا للحماية و كذا احتفظت عمان و الكويت و ماتزال بعلاقات خاصة مع ايران ايضا لذات الأسباب… و الان يبدو ان قطر تسير في ذات الطريق ….
قبل ايام كتبت ملاحظة بسيطة في الفيسبوك و التويتر “الخليجيون و العرب عموماً يسلمون قطر الى ايران كما فعلوا سابقا مع العراق و سوريا و اليمن… ثم يتكابرون و يدعون ان ايران دولية توسعية و تتدخل في شؤونهم…اين الفكر الاستراتيجي العربي…ام هل هناك…؟؟؟..”
لكن اضافة الى ايران يبدو ان قوى إقليمية اخرى … تركيا و الباكستان و ربما قوى اخرى … تتسارع لترسيخ وجودها في ارض الجزيرة العربية … و لكن ازاء هذا الحراك الإقليمي نعود الى السؤال عن العقل الاستراتيجي العربي… ربما لم يعد للعرب من عقل استراتيجي و إمكانية فعلية قادرة غير مصر التي تحتفظ بعلاقات قلقة مع السعودية منذ زمن محمد علي … و مع قطر منذ زمن الرئيس مبارك…
في الأزمة الحالية انضمت مصر الى السعودية و غيرها في الضغط على قطر … بينما في الجبهة الداخلية تحاول تمرير اتفاق تتخلى بموجبه عن جزيرتين استراتيجيتين في المسار المائي بين اسيا و افريقيا… فهل هناك ارتباط بين توقيت التخلي عن الجزيرتين و ازمة الخليج الراهنة ..؟؟.. و هل تشكل نقطة التلاقي بين الحدثين منطلق استراتيجية مصرية للتعامل المستقبلي بعد انهيار المنظومة الخليجية ..؟؟..
هل يمكننا ان نتصور ان استراتيجية مصر هي محالة لخلق ترابط جغرافي يفتح الباب امام مصر للتدخل في حالة تهشم البنية السياسية الحالية في السعودية و بشكل اكثر اهمية عند اعادة هيكلية المناطق غرب الدولة السعودية الحالية … و هي مناطق تتداخل فيها رؤى إسلامية تتوافق مع التراث الأزهري المتسامح اكثر بكثير مما هي الان مع التراث التكفيري المهيمن على الادارة الاحادية و المتشددة في المدرسة السلفية و افكار محمد عبد الوهاب و التقليدية القبلية…؟؟..
دعنا نتذكر ان ازمة الخليج الاولى … احتلال العراق للكويت سنة 1991… حينها حاولت مصر ان توقف الانهيار بالتدخل ضد العراق …. لكن في النهاية انهار العراق و انهار المشروع القومي العربي …. الان ماذا ستحمل الأزمة الخليجية الثانية… و هل يمكن لمصر ان تحافظ على بقية من بقايا … او تقدم بديلا اكثر حيوية لمنظومة عربية بديلة قابلة للتفاعل مع واقع التغيرات المتسارعة في المنطقة و في العالم..؟؟؟….. حبي للجميع..