مصر تحتاج القوّي الأمين !

مصر تحتاج القوّي الأمين !

 

لا تنتظروا اللقطة التالية : أن تجود علينا الحياة برجل يصبح رئيساً , ثمّ يقوم بإصلاح اُمور البلد  كلياً من القاع حتى القمّة ويُطهّرهُ تطهيراً ,خلال فترة حُكمهِ حتى لو إمتدّت لدورتين رئاسية .

ذاك زمان إنتهى , يوم كان بطل أو نبي أو ملكٌ جبار يقوم بكلّ شيء بمجرد أمر أو إشارة تصدر عنه .

إذا كنتم تحلمون بمثلِ هذا الإنسان , فيؤسفني القول أنّكم غالباً واهمين !

طبيعةُ الأشياء في عصرنا ومنطق الحياة  ضدّ هذا السيناريو الجميل الحالم .

السبب ليس في إنعدام الأكفّاء أو ندرتهم بين البشر ,فهم كُثر .

وفي مصر بالذات ثمّة رجال ونساء ,عقلاء حكماء يمكنهم عمل الكثير في سبيل النهوض ,وخطوة الإنسان الشريف تنطق بوقعها .

كما أنّ القصة ,ليست قصّة الخير والشرّ أو الحقّ والباطل .

هذهِ أسخف طريقة لتصنيف البشر !

فالمطلق عملياً مفقود ,والنسبي هو الموجود .والأمور لا تجري على هذا المنوال الحدّي القاطع , إلاّ عند الفشلة .

وأصعب مهمة ستواجه الرئيس المصري القادم ( وتجعلني اُشفق عليه ) من فرط المسؤولية الملقاة على عاتقهِ , والتي تحتاج في نفس الوقت تلاحم وتعاون جميع فئات الشعب ,هي المؤائمة المطلوبة بين خطيّن رئيسين :

الأوّل /  مسار الديمقراطية الذي قرّرهُ الشعب عبرَ ثورتيهِ المجيدتين في 25 يناير 2011 , و30 يونيو 2013 , وعدم الرجوع القهقرى الى زمن الحُكام الطغاة .

الثاني / القوّة والحزم المطلوب للإبقاء على وحدة مصر الجميلة .هذا البلد الموغل في الحضارة والتأريخ .وليس هذا فحسب إنّما نهوضها الحقيقي الذي تستحقهُ والذي طالَ إنتظارهِ لأسباب عديدة معلومة للجميع .

ثمّ أنّ نهوضها يعني نهوض الآخرين كون مصر هي القدوة والرائدة على الدوام.

***

لماذا بلادنا مختلفة ومتخلّفة عن العالم الحُرّ ؟

غالبيتنا يعرف الجواب الحقيقي ,لكن قلّة قليلة تجرؤ على البوح العلني بهِ النفاق الإجتماعي وقوى الظلام لم تترك الكثير من الشجاعة في النفوس .

سأقول لكم رأيئي الصريح ولكم أن تعترضوا لو جافيتُ المنطق السليم .

حضارة وتقدّم الشعوب تعتمد بالأساس على الثقافة السائدة وطبائع الناس والعادات والأعراف .وهذهِ كلّها تتأثر بالدين وتعاليمه ( وتُجّارهِ ) ,أليس كذلك ؟

في البلاد المتقدمة تسود ثقافة العمل والصدق مع النفس والآخر وتقبّلهِ والإصرار على قهر الصعاب مهما تعاظمت ,والدين خارج المعادلة !

الديمقراطيّة الغربية نجحت هناك لأنّ الناس تعمل أكثر ممّا تتكلم .هم لا يستكينون للمقدّر والمكتوب بل يسعون دوماً الى الأفضل .

لكن في بلادنا تسود ثقافة الكسل والإتكال والتمسك بمظاهر الدين والعبادات .الناس مشغولين بالحجاب والنقاب والزبيبة وكمية الطعام الذي نستحضره لرمضان القادم , والتكاثر الفئراني لأجل التباهي بين الأمم ( بالكميّة .. لا بالنوعيّة ) , والخوف من النفاق الإجتماعي الى درجة يقود البعض الى رمي فلذات أكبادها في مزابل الشوارع تخلصاً من فضيحة متوقعة لحبّ مُحرّم .

كلّ هذا يترك جروح وندوب في نفوس الناس , تتحوّل الى كراهيّة وحذر وخشية دائمة من الآخر , حتى لو كان قريباً .

ولن أتطرق في هذهِ العُجالة الى نصوص تُخبرنا بأنّ أولادنا وأزواجنا عدو لنا علينا الحذر منهم !

***

خبايا النفوس

إنظروا الى ثورات الربيع العربي , ستجدون إزاحة الحاكم الطاغية أسفرت عن إنكشاف الكثير من المستخبّي  والمستور تحت غطاء الديكتاتور القمعي .

تأملوا لو شئتم المثال اليمني , الذي تدور وقائعهِ حالياً .

بعد زوال حكم الديكتاتور علي عبد الله صالح في 25 فبراير 2012 وتوّفر الحريّة نسبياً ,كيف آلت الامور الى أنواع عديدة من التمرّد والقتال أهمّها اليوم هي الحرب بين الحوثيين الشيعة وقبائل حاشد السنّة .

فهل كان (صالح) هو صمام الأمان ضدّ الطائفية والعبثيّة ؟

وهل كان قبل ذلك صدّام هو صمام الأمان في العراق ؟

وهل كان العقيد الأخضر هو صمّام الشعب الليبي ؟

وهل الشبل بشار هو ذلك الصمام في سوريا ؟

الجواب بإختصار : أبداً القضية ليست في الصمام المؤقت وطغيانه وجبروتهِ .

إنّما المشكلة في نفوسنا جميعاً , وفي التعاليم التي تُسيّر هذه النفوس !

لأنّنا نخاف أكثر ممّا نستحي . ونتوّقع الشرّ والغدر حتى من الأقربين .

في كلّ بلد ممّا سبق ذكره وَجَدَ الناس شماعة يُعلقون عليها طائفيتهم المقيتة أو إختلافهم الشديد .

وبالطبع الشماعة الإمبريالية الغربية الأمريكية الصهيونية حاضرة على الدوام منذُ سايكس بيكو الى يومنا حيث الفوضى الخلاّقة .

بينما واقع الحال والتأريخ يخبرنا أنّ الطائفية بدأت بين المسلمين ولمّا يدفنوا نبيّهم بعد ! فعلى مَن نكذب يا ناس ؟ إنتظروا نفاذ النفط في الجزيرة العربية لتروا بأعينكم ( المحبّة ) المغروسة في النفوس !

***

في مصر !

لاتشكّل (الطائفية) ظاهرة واضحة فالناس عموماً تحّب بعضها وبلدها

مع ذلك بعد تنّحي الديكتاتور , تمّ إمتطاء الديمقراطية كحصان طروادة  فخرجت طيور الظلام لتعمل بكامل حريتها وخرّبت كلّ شيء خلال عام واحد ,قبل أن يتّم كنسها من الشعب والجيش المصري .فما العمل ؟

هل نكفر بالديمقراطية ؟ ونُبقي الديكتاتور للحفاظ على الأمن العام أقلّه ؟

الوقائع على الأرض أخبرتنا أنّ صناديق الإنتخاب تأتي غالباً بالإسلاميين والسبب في النهاية شئنا أم أبينا هو الجمهور وثقافتهِ .

إذن هل نقمع الجماهير ونُبقي على الطغاة ومنافقيهم ؟

أبداً .. فطريق الديمقراطية رغم الآلام والتداعيات لابّد منهُ للوصول الى برّ النهوض .

الحلّ على الأرض يتمثّل في الحالة المصرية وفي الرئيس القادم لمصر .

كنتُ كتبتُ عن خشيتي من ترشح السيسي ,خشيةً عليه وعلى مصر .

لكن يظهر أنّهُ الحلّ الوحيد الصالح للوقت الراهن على الأقل !

زعيم قوي , يُحافظ على وحدة البلد ويضمن الأمان النسبي , ويستمر في طريق الديمقراطيّة قدر المستطاع .

لأنّ ديمقراطية العراق واليمن وربّما ليبيا … تمضي في طريق تقسيم البلاد .أنا لا أخشى الفيدراليّات , بل ما وراء التقسيم من مشاكل  !

***

الخلاصة :

تجربة العراق ( ما بعد صدّام ) , وليبيا ( ما بعد القذافي ) واليمن ( ما بعد علي عبدالله صالح ) وسوريا ( أواخر أيام بشار الأسد ) … كلّها تقول للمصريين

لا تُجربّوا المُجرّب !

إصنعوا تجربتكم الخاصة , فأنتم القدوة في المنطقة وعيوننا ترنو إليكم .

الديمقراطيّة مثل باقي الأشياء سلاح ذو حدّين , إن لم يُحسن إستخدامه إنقلب الى سلاح دمار شامل . كما أخبرتنا تجربة السنة السودة من حُكم الإخوان .

كانوا في منتصف الطريق لأخذ مصر الى عصور الظلام !

لا تنتظروا رئيساً يقوم بالمعجزات في زمن الفوضى والإنتقال من العصر الديكتاتوري الى العصر الديمقراطي !

الرئيس لا ينبغي عليه أن يكون سدّاد جميع فجوات الزمان والبلاد والعباد !

اللهم إلاّ لو أصبح الشعب على قلبِ رجل واحد ومستعد نفسياً وفكرياً وجسدياً للنهوض الحقيقي . ما لا يتوفر حالياً على الأقل .

الناس في بلادنا يجب أن تتغير وتنهض بنفسها, وتعتمد على نفسها ,وتصدق مع نفسها .

وعلى رأي معلّمي الأوّل ( د. علي الوردي )عن العرب يقول :

لو خيّروا العرب بين دولتين علمانية ودينيّة

لصوّتوا للدولة الدينيّة , ثم ذهبوا للعيش في الدولة العلمانيّة !

خلاصنا إذن ,في تحرّرنا من تابوهات العقل العربي والمسلم !

***

حديث المشير السيسي للصحفي الكويتي المرموق أحمد جارالله , أو ما كشفَ منهُ الأخير ,يعني الكثير .

قال المشير ما معناه أنّهُ لن يستطيع لوحدهِ إنجاز كلّ شيء ,الجميع له دور عليه القيام بهِ .

معناها الرجل يعرف صعوبة المهمة التي يُقدم عليها ,ولا يعد بالمستحيل .

فلا تركنوا للرجل ثمّ تتركوه وحيداً يُصارع قوى الشرّ . إبقوا على شغفكم بهِ

لكن الأهمّ من ذلك أن تعملوا معهُ يداً بيد , فالكلام والشعارات لاتكفي .

وعودوا أحبتي المصريين الى طبعكم الجميل بالأريحيّة والضحك والفرح .

لأنّهُ [ كلّما تعلمنا كيف نفرح أكثر , إلاّ ونسينا أكثر كيف نؤلِم وكيف نبتدع ضروباً من إيلام الآخرين ] .. حسب نيتشه !

 

تحياتي لكم

رعد الحافظ

7 فبراير 2014

رعد الحافظ(مفكر حر)؟

About رعد الحافظ

محاسب وكاتب عراقي ليبرالي من مواليد 1957 أعيش في السويد منذُ عام 2001 و عملتُ في مجالات مختلفة لي أكثر من 400 مقال عن أوضاع بلداننا البائسة أعرض وأناقش وأنقد فيها سلبياتنا الإجتماعية والنفسية والدينية والسياسية وكلّ أنواع السلبيات والتناقضات في شخصية العربي والمسلم في محاولة مخلصة للنهوض عبر مواجهة النفس , بدل الأوهام و الخيال .. وطمر الروؤس في الرمال !
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.