بقلم حسين عبد الحسين
في النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي، وقف في “ساحة ساسين”، في حي الأشرفية في بيروت، عدد من اللبنانيين المسيحيين من مؤيدي الجنرال المنفي حينذاك في فرنسا ميشال عون، ووقف في صفهم عدد من المسلمين والملحدين وغيرهم، وهتف المتظاهرون للحرية، واعترضوا على قيام السلطات اللبنانية بمنع بث مقابلة الإعلامية ماغي فرح مع عون، على قناة “أم تي في”.
كانت حكومة بيروت خاضعة بالكامل لسيطرة نظام الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، وكان المسيحي عون معارضا للأسد، فانقضت القوات الأمنية اللبنانية على المتظاهرين، وأدت المواجهات إلى جرح عدد من المتظاهرين، واعتقال كثيرين. ثم تعرض من تم اعتقالهم لإهانات والمزيد من الضرب.
وفي وقت لاحق، أمر حاكم لبنان باسم آل الأسد اللواء غازي كنعان بإقفال “أم تي في”، وإبطال عضوية صاحبها غبريال المر في “مجلس النواب”، وتوّج كنعان بذلك عقدين من الذلّ الذي أنزله نظام الأسد بمسيحيي لبنان، الذين عانوا من حروب الأسد عليهم، واغتياله قادتهم، وسجنه بعضهم، ونفيه بعضهم الآخر. وفي زمن السلم الاهلي، أعلن المسيحيون فترة “الإحباط المسيحي” بسبب اضطهاد الأسد لهم، وحرمانهم من حقوق حرية الرأي والتعبير، وحرمانهم من الانخراط في الحياة السياسية في لبنان.
بلغ ظلم آل الأسد ذروته في لبنان في العام ٢٠٠٥، وتزامن ذلك مع اغتيال رئيس حكومة لبنان السني رفيق الحريري، فانتفض اللبنانيون ضد الأسد، وأجبروه على سحب قواته من بلادهم. ولتقويض المعارضة اللبنانية ضده، أرسل الأسد إلى عون في باريس موفدين سريين، فوجد الجنرال المنفي فرصة ذهبية للعودة الى لبنان، وتحقيق حلمه بالوصول إلى الرئاسة، فتحول من أبرز معارض للأسد، إلى أبرز حليف له ولـ “حزب الله” الشيعي، وصوّر الجنرال السابق انقلابه على مبادئه ومواقفه على أنه يهدف “لاستعادة حقوق المسيحيين”.
لكن بعد ١٢ عاما على عودة عون إلى لبنان، وبعد قرابة عام على عمر رئاسته، ماتزال حقوق مسيحيي لبنان، كما حقوق مسلميه، مفقودة، وما يزال لبنان غارقا في فساده، إذ تصنفه جمعية “الشفافية العالمية” في المركز ١٣٦ بين ١٧٦ دولة، فيما تصنفه جمعية “مراسلين بلا حدود” في المركز ٩٩ بين ١٦٦ دولة على صعيد الحريات. أما الترتيبات العالمية التي يتصدرها لبنان، فهي الدين العام مقارنة بالناتج المحلي، حيث يحل الثاني في العالم بعد اليابان، والتدخين، الذي يحلّ فيه اللبنانيون في المركز الثالث عالميا.
وسط غرق لبنان في الفساد، وغياب الحريات، وارتفاع المديونية، واستحالة تطبيق الحكومة قوانين بسيطة مثل قانوني السير وحظر التدخين في الأماكن المغلقة، وفي ظلّ تدهور حال المرافق العامة والخدمات الحكومية، مثل الكهرباء والمياه، ومع التدهور المريب في وضع بيئة لبنان، ومع انفلات الأمن في معظم المناطق وارتفاع معدلات الجريمة، ومع سيطرة “حزب الله” على قرارات السياسة الخارجية والعسكرية في البلاد، يصبح السؤال: ما هي الحقوق التي استعادها المسيحيون مع زعامة عون ورئاسته؟
في لبنان هذا الأسبوع، أطلق رجل دين مسيحي تصريحا بليغا رفض فيه الخيار الذي يقدمه زعماء المسيحيين، وفي طليعتهم عون، لاتباعهم. فعون يبرر تحالفه مع طاغية من عيار الأسد بالقول إن “تحالف الأقليات” مع الأسد هو خيار سيء، لكنه أقل سوءا من مشكلة التطرف السني في المنطقة، وهو تطرف يهدد الوجود المسيحي، حسب عون.
وقال رجل الدين المذكور أن تعاليم المسيح لم تدعُ الناس للقبول بالأقل سوءا، بل دعت المسيحيين إلى قول الحق، والوقوف في وجه الظلم. لهذا السبب، مات مسيحيون كثر منذ الأيام الأولى للكنيسة على أيدي حكام متنوعين، لأن أولئك المسيحيين رفضوا التخلي عن مبادئهم المسيحية، وتمسكوا بما هو صحيح، لا بما هو أقل سوءا.
لا تجدي التحالفات المتقلبة، ولا الثارات القبلية، ولا تحمي مسيحيي المشرق، ولا مسلميه، ولا تضمن لهم الحقوق والعيش الكريم.
لا يحمي مسيحيي المشرق ومسلميه إلا المواطنية والمساواة، وحكم الأكثرية في الرأي لا الأكثرية في الدين، وقيام حكومات عادلة وشفافة تغني الشيعة عن ثأر الحسين، وتخفف من حقد السنة على غرب يعتقدون أنه سرق زعامتهم للعالم، وتنهي خوف المسيحيين من الذمية والعيش كمواطني درجة ثانية.
المصدر: الحرة