مسؤول امريكي سابق :هل فات الأوان لعمل اي شيء في سوريا ؟

فريدريك سي. هوف- سيريا ديبلي 
أدلى مؤخراً أولئك الذين عارضوا بشدة قيام الولايات المتحدة بتسليح قوات المعارضة السورية بحجة جديدة للاستمرار في معارضتهم مفادها أن الأوان بكل بساطة قد فات على واشنطن لعمل أي شيء مفيد، حتى لو أرادت ذلك. إن هذا الخط من التفكير يعني أن حكم نظام الأسد قد استقر بفضل اتفاقية الأسلحة الكيماوية والمساعدات الروسية-الإيرانية، بينما الجهاديون ينعمون بالسلاح والأموال ويستقطبون عناصر مقاتلة بعيداً عن القادة الوطنيين الذين حرمهم الغرب من المساعدات المجدية. الأسبوع الفائت، وجه لي أحد المراقبين الإيطاليين السؤال التالي: “لماذا تهتم؟ هل تتوقع حقاً أن يقوم أتباع الجنرال إدريس بخوض حرب على جبهتين ضد النظام والقاعدة؟”
حسناً، لا أتوقع ذلك: إن رئيس المجلس العسكري الأعلى لن يخوض حرباً على جبهتين ولا حتى سيقاتل في حملة على جبهة واحدة في حال حرمانه من الأسلحة والذخائر والمعدات والأموال. سيزداد تهميشه وفي نهاية المطاف سيتم إخراجه تماماً من الساحة طالما أن المساعدات الخارجية تذهب بوفرة إلى المحور الذي يقوم حالياً بتدمير وتقسيم سوريا: نظام الأسد وشركائه في الجريمة الجهاديون. هل هذا ما يريده الغرب؟
من الواضح أن هذا ما يريده الأسد، ومناصروه، وداعموه، والتبريريون. ومن الواضح أن هذا ما تريده القاعدة وأولئك الذين يرتكبون الجرائم دون أن ينالوا جزاءهم. باختصار، هذا ما يرغب به كل مجرم في سوريا. سوريا اليوم في طور التقسيم بين عائلة إجرامية غارقة بالديون لإيران وروسيا غرباً، وخليط من الأشخاص الطائفيين البدائيين شرقاً، مع محاولة الأكراد حماية أنفسهم في شمال شرق البلاد. هل هذا – مع وضع حماية الأكراد لأنفسهم جانباً – ما يسعى إليه الغرب؟
لا ريب أنه ليس في تصور الغرب أن ذلك ما يجب أن تؤول إليه سوريا. إلا أن مجريات الوضع في الساحة تعتبر، إلى حد كبير، من نتاج التردد الغربي وتشككه وارتيابه وعدم مبالاته. في الوقت الذي عارض فيه رجالات الدول الغربية عسكرة الوضع في سوريا، قام مؤيدو النظام والجهاديون على حد سواء بتسليح عملائهم والمحسوبين عليهم. بينما كان القادة الغربيون يترنمون رسمياً بعدم وجود حل عسكري في سوريا، كان أنصار الطرفين النقيضين يحققون انتصارات واضحة. وبينما كان السياسيون الغربيون يطالبون بانتقال سياسي تفاوضي نحو الديمقراطية التعددية، كان خصومهم يخلقون حقائق ثابتة تعكس الواقع العسكري على الأرض.
في النهاية، لعل سارة بالين، التي تتعرض غالباً للسخرية ويُفترى عليها، تتكلم بدقة متناهية عما بقي من الغرب الأجوف أخلاقياً حين تقترح أن نشيح بأنظارنا عن أهوال سوريا و”ندع الله أن يتولى ترتيب الأمور” . إن نسخة إدارة أوباما من نهج “دعوا الأمر للرب” يعكس على نحو نموذجي التأني القانوني والاهتمام الوثيق بالاتصالات الاستراتيجية.
يُنظر بحذر إلى الاتفاق الإطاري الخاص بالأسلحة الكيماوية والعملية التي نتجت عنه على أنهما أمر جيد من الناحية الموضوعية من حيث القضاء على أسلحة سامة حتى مع رفعهما لمنزلة النظام العائلي ليكون طرفاً رئيسياً في عقد طويل الأجل. مساعي مؤتمر جنيف تهدف لمناقشة موضوع الانتقال السياسي في سوريا، الأمر الذي تعتبره عائلة الأسد وداعموه الإيرانيون والروس مجرداً من المعنى العملي. إن خطاب الإدارة الأميركية المناهض للنظام يردد دوماً على نحو روتيني عبارات مثل: لا يمكن للأسد أن يستمر في حكم سوريا، لقد فقد كل شرعية، لقد قتل العديد من الناس، يجب أن يتنحى. كما تجمع التصريحات الرسمية العرضية بشأن انتهاكات معينة ارتكبها النظام بين السخط و اللاأدرية التشغيلية، فيغيب عن تلك التصريحات تحديد من سيقوم بالمطلوب وكيف سيتم تنفيذه كما في التصريحات المشابهة لما يلي “إن الولايات المتحدة تدين بشدة استمرار الحصار الذي فرضه النظام السوري على الغوطة وغيرها في ريف دمشق… نحذر النظام من مغبة تكرار مجازر الحولة، وبانياس، والبيضا… يجب تحديد هوية المسؤولين عن ارتكاب المجازر في ريف دمشق وجميع أنحاء سوريا ومحاسبتهم.”
هل يوجد خطة لتحقيق أي شيء بعيداً عن فهرسة الأسلحة الكيماوية وتحييدها؟ على الأرجح لا يوجد. لقد تجنبت هذه الإدارة، في المسألة السورية، تحديد الأهداف والتفكير بطريقة استراتيجية. لقد شعرت أن قيامها بذلك قد يأخذها إلى أماكن لا ترغب بالذهاب إليها.
وهذا أمر مفهوم تماماً. لدى الرئيس أولويات محلية، ولم يعد يرغب بهيمنة الشأن السوري على السنين القليلة المتبقية له في منصبه. ولكن مع بقائه على مسافة مما يجري، فإنه يشاهد الدكتاتور -الذي طالب بإقالته- يوطد سلطته، ويرى القاعدة تنشئ قواعد لها في سوريا، ويراقب المجازر الجماعية، والدول الصديقة للولايات المتحدة تغص باللاجئين المذعورين والمعدمين. لقد حصل الرئيس على اتفاق الكيماوي، بينما يسعى وزير خارجيته لعقد مؤتمر سلام بالاستناد على ركائز متفق عليها سابقاً لكن يرفضها اليوم روسيا والنظام الذي تحميه. هذه السياسة تعادل رقصة مايكل جاكسون الشهيرة والمعروفة باسم “السير على القمر” : الوهم بوجود تقدم نحو الأمام مع البقاء في المكان نفسه دون حراك. ورغم البراعة التي يتطلبها هذا الأمر وتعقيده، إلا أنه لا يمكن أن يخدع أحداً: لا صديق ولا عدو.
بإمكاننا التسليم بالفشل المبكر للقوات التي تتبع توجيهات الجنرال سليم إدريس طالما أن الدعم الكافي غير متوفر. وكما قال سليم إدريس نفسه في مقابلة أجريت معه مؤخراً “هذا ما يحدث عندما لا تقدم للقوات الموجودة في الساحة السلاح ومتطلبات الحياة الأساسية من طعام وشراب والقليل من مصروف الجيب. للأسف، هذه الأمور غير متوفرة. لذلك، يكون الارتباط ضعيفاً، ولكي نضمن تشكيلات قوية ومتينة وتعمل ضمن تراتبية هرمية، يجب أن نوفر لها السلاح والذخيرة ودعماً لوجيستياً وما يكفي من المال. وهذا ما نطلق عليه “الإدارة والتنظيم والتعبئة”. إلا أن الذين يحطون من قدر إدريس في الغرب يطلقون عليه “محض أوهام”. منذ البداية كانوا يشككون وينكرون جدوى مساعدة الوطنيين السوريين، واليوم يبدون خالص الشماتة بينما يستهترون بالضائقة الشديدة التي وصفها إدريس ويدّعون، ببهجة يصعب إخفاءها، أن الولايات المتحدة غير قادرة على إنقاذه في هذه المرحلة المتأخرة. هل هذا جيد بما يكفي للإدارة الأميركية؟ هل قررت بصمت اعتبار إدريس جزءاً من أخبار أمس، والنظر إلى سوريا فقط كجثة يشترك في التهامها عائلة إجرامية مع مرتكبي أعمال العنف والكراهية الطائفية؟ طالما أن السلاح الكيماوي خاضع للفهرسة ويتم تدميره، هل يصبح كل شيء عدا ذلك مسموحاً بغض النظر عن العواقب التي تحيق بالسوريين وجيرانهم؟
لا أحد يعلم سوا الرئيس. كان من الممكن لنا نحن، مع 23 مليون سوري، وجيرانهم، أن نكون في مكان أفضل اليوم، لو أن قرارات مختلفة اتخذت في واشنطن قبل عام مضى. هذا هو التاريخ. ولكن هل فات الأوان حقاً على الدعم الأميركي لإحداث تغيير إيجابي للوطنيين السوريين وسوريا نفسها؟ لا نستطيع أن نعرف الجواب ولن نعرفه ما لم نحاول. إن الفشل في المحاولة سيكون مجدداً تحقيقاً ذاتياً لنبوءة العجز تجاه الوضع السوري، وسوف يسفر عنه أخيراً، وبالتأكيد ليس آخراً، عواقب وخيمة غير مقصودة بحق الملايين من الناس وسمعة الولايات المتحدة.
المصدر: موقع سيريا ديبلي الأمريكي
http://beta.syriadeeply.org/op-eds/syria-late-anything

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.