بقلم منصور الحاج/
أثار حكم الإعدام الذي أصدرته محكمة سودانية على شابة لقتلها زوجها بعد محاولته اغتصابها جدلا واسعا بين مؤيدي تطبيق قوانين الشريعة الإسلامية بحكم أنها شرع إلهي لا يمكن تبديله أو الاعتراض عليه وبين من يرون عدم صلاحية الشريعة للتطبيق في هذا العصر نسبة لتعارض الكثير من أحكامها مع مبادئ حقوق الإنسان.
وقد نظم معارضو الحكم تظاهرات حاشدة في مختلف العواصم العالمية وجذبت القضية اهتمام كبريات الصحف والفضائيات، كما دشن النشطاء السياسيون والمدافعون عن حقوق الإنسان العديد من الحملات الإلكترونية في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة نددوا فيها بالحكم وطالبوا بإلغائه وإطلاق سراح الشابة نورا فورا.
لكن بعد مرور بضعة أيام على حكم الإعدام بحق نورا، أصدرت محكمة سودانية حكما بالسجن والجلد على شابة أخرى بتهمة ارتكاب جريمة الزنى لأنها اختارت شريك حياتها بنفسها وتزوجته “على سنة الله ورسوله” بمهر وبحضور مأذون شرعي وشهود. كما أعدمت حركة الشباب المجاهدين الصومالية امرأة رجما بالحجارة بتهمة الجمع بين عدة أزواج. وبحسب شهود عيان من بلدة سابلالي الواقعة في جنوب الصومال فقد تم دفن سكري عبد الله ورسامي في حفرة وأبقي رأسها فقط فوق الأرض وتم رجمها بالحجارة حتى فارقت الحياة.
لن تتوقف دوامة العنف في المجتمعات الإسلامية حتى يتم تحييد الدين عن الشأن السياسي
لن تتوقف هذه الأحكام حتى تتحد جهود المسلمين حول العالم وخاصة الملايين الذين فروا من بطش الأنظمة الديكتاتورية والجماعات الإرهابية وهاجروا إلى دول علمانية مع حملة لواء الإصلاح والعمل سويا على تخليص الشعوب الإسلامية من بطش الإسلاميين ووحشية أحكام الشريعة الإسلامية ودعم التيارات الليبرالية التي تؤمن بضرورة الفصل بين الدين والسياسة وتعي أن الزمان قد تجاوز تلك الأحكام وأن الوقت قد حان لدفنها وتبني قيم المدينة والتحضر.
اقرأ للكاتب أيضا:دوافع وأمنيات الخارجين من الإسلام
إن من المؤسف أن يتحرج الكثير من المسلمين الذين يعارضون هذه الأحكام من توجيه أصابع الاتهام إلى أحكام الشريعة الإسلامية التي يستند إليها القضاة في أحكامهم ويفضلون التصدي لتلك القضايا دون الدخول في متاهات مواجهة النصوص وتعقيدات مراجعة التراث الإسلامي. فعلى سبيل المثال، ركز القائمون على الحملة المنددة بالحكم ضد الشابة نورا في منطقة واشنطن على إدانة النظام السوداني ومطالبة السلطات في الولايات المتحدة بالضغط على الرئيس عمر البشير سياسيا واقتصاديا من أجل إطلاق سراح نورا دون التطرق إلى ضرورة مراجعة التراث الديني وفصل الدين عن السياسة.
إن الذين يصمتون عن الانتهاكات الحقوقية المرتكبة باسم الشريعة الإسلامية أو يعارضونها بخجل ويرفضون التنديد بها، يساهمون بطريقة غير مباشرة في تقوية التيارات المتشددة التي تدعي تمثيل غالبية المسلمين وتسعى إلى أسلمة المجتمعات وتحكيم الشريعة الإسلامية باسم الديمقراطية وحكم الأغلبية.
لقد نشر المتطرفون الذين يؤمنون بحاكمية الشريعة وسموها على كل قوانين الأرض الرعب في ربوع المجتمعات العربية والإسلامية بل وفي غالبية دول العالم ولا يكاد يمر يوم إلا وتطالعنا الصحف بأخبار قتل الكتاب والصحفيين والنشطاء الحقوقيين وإعدام المثليين واغتيال من يتهمون بالردة والإلحاد واستهداف المسيحيين وتفجير دور العبادة الخاصة بهم.
لا يكاد يمر يوم إلا ونسمع فيها أخبار التفجيرات والعمليات الانتحارية ونقرأ فيها أحكام بالجلد والرجم والقطع استنادا إلى أحكام الشريعة الإسلامية. لا يكاد يمر يوم إلا ونرى حملات التخوين والتشكيك في نوايا الإصلاحيين في المجتمعات الإسلامية والدول الغربية كتلك التي يتعرض لها المصري سيد القمني والكويتيان ناصر دشتي وعبد العزيزي القناعي والبريطاني ماجد نواز ورجل الدين الإمام الأسترالي محمد التوحيدي وغيرهم من أمثال الكتابة الأميركية شيرين قدوسي والسويسرية إلهام مانع والباحثة أمينة ودود والمراكز الإسلامية التقدمية كمركز “مسلمون من أجل قيم تقدمية” وحركة “المسلمون الإصلاحيون” ومجلس المسلمين الكنديين.
ولا تقتصر معاناة المسلمين التقدميين في المجتمعات الغربية على تهديدات المتطرفين الإسلاميين الذين يتهمونهم بالارتداد عن الإسلام بسبب آرائهم ومواقفهم من الشريعة الإسلامية ومطالبتهم بمراجعة التراث الديني والتخلص من كل ما ينتهك ويتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان بل إنهم منبوذون أيضا من قطاع واسع من الليبراليين الذين يتعاطفون مع التيار الإسلامي المحافظ ويرون أي انتقاد للإسلام والتراث الإسلامي بمثابة إساءة للمسلمين واعتداء عليهم وتحريض ضدهم.
وترى الكاتبة شيرين قدوسي بأن السبب الذي يدفع هذا التيار من الليبراليين في الغرب إلى التحالف مع تيار المسلمين المحافظين هو لكون المحافظين يمثلون التيار الذي يسهل تمييزه شكليا أما المسلمون الليبراليون والتقدميون فإنهم لا يستخدمون الهوية الدينية لتمييز أنفسهم عن الآخرين الأمر الذي أضعف حضورهم لدى من يفضلون تأطير المسلمين في صورة نمطية واحدة لخدمة توجهاتهم السياسية.
وهذا ما حدث بالتحديد في القائمة التي أعدتها محطة “سي أن أن” عن المسلمين الأكثر تأثيرا في الولايات المتحدة حيث خلت من أصوات إسلامية مؤثرة إلا أنها لم تحظ باهتمام وسائل الإعلام الأميركية نسبة لأن ما تقدمه من طرح لا يتناسب مع توجهات الفضائيات اليسارية. ومن الملاحظات مثلا على قائمة “سي أن أن” أن غالبية النساء اللواتي شملتهن القائمة من المحجبات وأن الرابط المشترك بينهن هو انتماؤهن إلى التيار الإسلامي المحافظ وهو تمثيل لا يتناسب مع تنوع المذاهب والمدارس الفكرية للمجتمعات الإسلامية في الولايات المتحدة.
إن من المؤسف أن تغض وسائل الإعلام الطرف عن النفاق الذي تمارسه بعض المنظمات الإسلامية المحافظة في الولايات المتحدة التي ترصد حالات التمييز والعنصرية التي يتعرض لها المسلمون لكنهم في الوقت نفسه يمارسون نفس التمييز والإقصاء ضد المسلمين الذين يختلفون معهم فكريا وعقائديا.
لقد حان الوقت لكي يتحد المسلمون الذين يعيشون في الدول العلمانية في كيان جامع لدعم قيم الحريات
وبحسب الكاتبة قدوسي، فقد دفعت سياسة التمييز والإقصاء ضد النساء في المساجد بأميركا المسلمات إلى بناء مساجد خاصة بهن كمسجد النساء في لوس أنجلوس ومسجد قلب مريم في سان فرانسيسكو. وفي الوقت الذي تشتكي فيه المنظمات الإسلامية من العنصرية التي يتعرض لها المسلمون، تمارس تلك المنظمات الأمر ذاته ضد بعض الأفراد والمؤسسات لأنهم يحملون فهما مختلفا عن الإسلام. ففي حزيران/يونيو 2017، طردت منظمة “تجمع مسلمي شمال أميركا” المعروفة بـ”إسنا” منظمة “مسلمون من أجل قيم تقدمية” من مؤتمرها العام بسبب دفاعها عن المثليين من منظور إسلامي.
إن موقف منظمة “إسنا” التي تدعي تمثيل مسلمي شمال أميركا من منظمة “مسلمون من أجل قيم تقدمية” لا يليق بمؤسسة تدافع عن حقوق المسلمين وترصد ما يتعرضون له من تمييز فمن الأولى بمن يحارب التمييز والعنصرية ألا يمارسها على الآخرين.
اقرأ للكاتب أيضا: حراس الفضيلة وحربهم الخاسرة ضد حقوق المرأة
لقد حان الوقت لكي يتحد المسلمون الذين يعيشون في الدول العلمانية في كيان جامع لدعم قيم الحريات وتخليص الشعوب الإسلامية من سطوة قوانين الشريعة الإسلامية ومن يقف خلفها من حكومات ورجال دين متطرفون وتنظيمات جهادية وهذا يتطلب رص الصفوف داخليا في كيان يجمع المسلمين من مختلف المذاهب والمدارس الفقهية والتوجهات ورفض التمييز ضد أي جماعة بسبب الجنس أو التوجه الفكري.
لقد دفعت المجتمعات في الدول الإسلامية ثمنا باهظا بسبب سلبيتها في التعامل مع الفكر المتطرف والتراث الإسلامي الذي يستند عليه ويستقي منه قوته، وأدى صمتهم إلى تغول الإسلاميين الذين سيطروا على المشهد سواء كداعمين للطغاة ومبررين لظلمهم وفسادهم أو كإرهابيين يستبيحون الدماء والأموال باسم الدين.
لن تتوقف دوامة العنف في المجتمعات الإسلامية حتى يتم تحييد الدين عن الشأن السياسي وحتى يقتنع المسلمون أن الشريعة وأحكامها قد عفا عليها الزمن ولا حاجة للبشر بها في هذا العصر أما غير ذلك من الحلول فما هي إلا محاولات بائسة لن تغير من الواقع شيئا.
شبكة الشرق الأوسط للإرسال