دوافع وأمنيات الخارجين من الإسلام

سعودية تتمرد على القيود المفروضة علي النساء وتنشر صورتها بلباس متحررة

بقلم منصور الحاج/
حدثني ملحد يكتم إلحاده بأنه يردد أغانيه المفضلة بدلا من آيات القرآن أثناء صلاة الجماعة التي يضطر لأدائها بانتظام في مسجد الحي الذي يسكن فيه. يعيش هذا الشاب ولنسمه “طاهر” حياة مزدوجة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. فهو شاب ملتزم (بالمعنى التقليدي للكلمة) أمام أهله وأقاربه ومعارفه، أما في مواقع التواصل الاجتماعي حيث يكتب باسم مستعار فهو شخص مختلف، أبعد ما يكون عن المحافظة في ما يطرح من أفكار وآراء عن الأديان والكون والثقافة والتاريخ والسياسة.
حين أرى كتابات طاهر وأفكاره التي يطرحها في تويتر وفيسبوك، لا أكاد أصدق أنه نفس الشخص الذي يبدو في الواقع مسلما محافظا يؤدي الصلوات بانتظام ويحظى بمكانة اجتماعية وشعبية واسعة بين عائلته وسكان الحي. وحالة طاهر الذي يخشى على نفسه من الهلاك إن هو صارح أهله ومجتمعه بحقيقته، هي حالة شائعة في كل المجتمعات التي لا تحترم الإنسان لكونه إنسانا إنما بقدر التزامه بالعادات والتقاليد السائدة في المجتمع. كل ما يريده طاهر الذي تعتريه حالات اليأس والاكتئاب أحيانا هو أن يعبر عن آرائه وتوجهاته وأفكاره وأن يعيش حياته بالطريقة التي يرى أنها تناسبه دون أن يضطر إلى أن ينافق ويظهر للعالم خلاف ما يبطن.
هنا في الولايات المتحدة حيث أقيم، كنت أعتقد أن الخارجين من الإسلام يعيشون حياتهم بصورة طبيعية، ولكن عندما اقتربت من مجتمعهم علمت لأول مرة أن هناك من يعيشون حياة مزدوجة مثل حياة طاهر تماما. الفرق الوحيد بين طاهر وبين من هم هنا هو أن مشكلة طاهر مزدوجة فهو يخشى على نفسه من عائلته وكذلك من القوانين التي تجرم الخارجين من الدين وتعتبرهم مرتدين تجب استتابتهم، وإن أبوا فالحكم عليهم بالقتل. في حين أن معاناة من يعيشون هنا تتمثل في خوفهم من غضب والديهم وأقاربهم وما يمكن أن يترتب عن ذلك من مضايقات قد تصل إلى حد القتل خاصة في حالات الفتيات اللواتي يتمردن على العادات والتقاليد.
إن التساؤلات التي يطرحها الخارجون من الإسلام تساؤلات منطقية يجب الاستماع إليها ومناقشتها بدلا من محاسبة المتسائلين واستهدافهم وتهديدهم بالإقصاء والقتل. فاعتبارهم مرتدين اعتبار غير منطقي لأنهم لم يقبلوا إسلامهم عن وعي وإدراك كما كان الوضع بالنسبة للقبائل التي وافقت أن تقبل الإسلام دينا ومحمد رسولا حين دعاهم إليه ثم رفضهم للدين بعد وفاته بامتناعهم عن دفع الزكاة إلى خليفته الذي كفرهم وأعلن الحرب عليهم في ما بات يعرف بحروب الردة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو من الذي يحدد ما إذا كان شخص ما داخل دائرة الإسلام أم خارجها؟ أو بمعنى آخر ما هو التعريف الحقيقي للمسلم؟ ولماذا يجد المسلم الذي يختلف مع الطرح التقليدي للإسلام نفسه مضطرا إلى الصمت أو الخروج من الدين بدلا من تقديم نفسه بأنه أقرب إلى المعنى الشامل للدين المتمثل في أن المسلم هو من سلم المسلمون من لسانه ويده. وتفسيري لهذا الأمر هو أن غريزة الخوف تلعب الدور الأبرز، فالصامتون يرون أن صمتهم سيضمن لهم سلامتهم أما الخارجون فيرون في تحررهم من عامل الخوف دافعا للإفصاح والتعبير عما كان يعتمل في دواخلهم من تساؤلات بعد أن توفر لهم عامل الأمان الذي كانوا يفتقدونه في مجتمعاتهم.
وبالنظر إلى حادثة تسريب تسجيل الدكتور خالد الجديع المحاضر السعودي السابق في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الذي تناول العديد من التساؤلات التي يطرحها الخارجون من الإسلام المتعلقة بالنبي محمد ومعجزاته وعلاقته بوالدته وحالته النفسية ومحاولات صحابته التخلص منه في العقبة، نجد أن الخوف هو الذي يمنع الكثيرين من طرح التساؤلات المنطقية المتعلقة بالتاريخ الإسلامي. وما توبة الدكتور الجديع وتبرؤه مما ورد في التسجيل إلا دليل على أن مناخ الخوف من التشكيك في التاريخ المتداول هو الذي يمنع الجديع وأمثاله من الإفصاح عن تساؤلاتهم وشكوكهم في كل ما يتعلق بالتاريخ الإسلامي. وفي معرض تبريره لما يمنعه عن الإفصاح عن تساؤلاته وتمسكه بإيمانه بالدين الإسلامي على الرغم من شكوكه وتساؤلاته وعدم إيمانه بالأحاديث النبوية، ذكر الجديع أنه يكره أن يتم استغلاله من قبل “المرتزقة” العلمانيين والليبراليين.
هنا في الولايات المتحدة تنشط عدد من المنظمات التي ترحب بالخارجين من الإسلام وتدعمهم وتقدم لهم المساعدة اللازمة خاصة إن كانوا يواجهون تهديدات بالقتل أو يتعرضون للابتزاز أو سوء المعاملة من قبل أسرهم بسبب آرائهم أو أسلوب حياتهم. من ضمن المنظمات التي تعرفت عليها منظمة “مسلمون سابقون في أميركا الشمالية” التي تضم مسلمين سابقين من مختلف بقاع العالم. القاسم المشترك بينهم هو نشأتهم في بيئة إسلامية لا تحترم التعددية الفكرية ولا الحرية الدينية ولا ترحب بالتفكير النقدي وتفرض على من يعيشون فيها نمطا معينا للحياة. وبحسب المسؤولين عن المنظمة فإن الهدف من تمسك المنظمة باسم “مسلمون سابقون” هو من أجل التأكيد على أن تخلي المسلم عن دينه أمر اعتيادي.
وقد دفعني فضولي للانضمام إلى هذه المنظمة التي أتفقُ مع العديد من أعضائها في ما يطرحون من أفكار على الرغم من إيماني بأن من حق كل مسلم التمسك بإسلامه حتى وإن اعتبره التقليديون خارجا عن الإسلام. وتوفر المنظمة للخارجين عن الإسلام مناخا صحيا، ويقدم القائمون على المنظمة وأعضاؤها الدعم المعنوي لبعضهم البعض ويتبادلون الخبرات ويقدمون النصائح للتعامل مع المواقف والحالات المختلفة.
في سلسلة فيديوهات “حياة بدون معتقد” التي تنتجها المنظمة وتنشرها على موقع “يوتيوب”، يقدم مسلمون سابقون الأسباب التي دفعتهم إلى ترك الإسلام ويحكون قصصا عن انطباعاتهم ونظرتهم تجاه الشعائر والممارسات الدينية والقيود العائلية والاجتماعية. إن مشاهدة هذه الفيديوهات ومتابعة كتابات أعضاء المجموعة يؤكد حاجة المجتمعات الإسلامية إلى تبني قوانين تكفل حرية التعبير وحرية المعتقد وتحترم الحريات الشخصية وتحمي المواطنين وتجرم المحرضين الذين يؤججون الفتن وينشرون الكراهية ضد من يتهمونهم بالإلحاد بسبب كتاباتهم أو آرائهم.
إن من المؤسف جدا أن يحدد معتقد الإنسان شكل العلاقة بينه وبين أفراد عائلته ومجتمعه. فطاهر الذي يحظى باحترام وتقدير مجتمعه قد يفقد كل ذلك فيما لو صرح بإلحاده. إن حرية التعبير وحرية الاعتقاد حقوق إنسانية أساسية يرى الكثير من المسلمين أن الإسلام يكفلها، إلا أن الواقع على الأرض يثبت عكس ذلك. في الملتقى السنوي لمنظمة “مسلمون سابقون في أميركا الشمالية” قلت لأحد الزملاء: تخيل لو ألغى المسلمون حد الردة وتوقفوا عن استهداف الخارجين من الدين، تخيل لو أن حرية التعبير والاعتقاد مكفولة في العالم الإسلامي. فقال لي: لو توفر كل ذلك لما وجد ما يبرر قيام هذه المنظمة.
 شبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.