مذبحة الفساد في العراق !

مقدمة :

رعد الحافظ

رعد الحافظ

عاد قلبي ليخفق مع العراق بعد أن كاد اليأس والإحباط يتسيّد المشاعر!
كثيرةٌ هي المذابح في تأريخ العراق القديم والحديث .قديماً كانت مذبحةِ (الحُسين) وصحبه .وفي العصر القريب حيث مذبحة (سميل) للآشوريين 1933 ومذبحة و(فرهود) اليهود 1941 ومذبحة العائلة المالكة 1958 ومذابح الموصل وكركوك 1959 ,ومجزرة الكُرد في (حلبجة) في زمن (صديّم) أبشع طاغية عرفه العراق ,آذار 1988 .
وصولاً الى وقتنا الحالي حيث مذبحة (سبايكر) قبل أكثر من عام ,قام بها الدواعش ضدّ طلاب القوة الجوية ,يوم 12 يونيو 2014 !
نذكر أيضاً مذبحة الأرمن في تركيا العثمانية التي كانت قريبة علينا ,
وراح ضحيتها أكثر من مليون إنسان بريء .وكانت (تقريباً) آخر أعمال تلك الدولة المتعفنّة ,قبل زوالها من الوجود !
لكن عنوان مقالي لا علاقة له بكلّ تلك المذابح وأمثالها .
بل له علاقة بالأسم فقط ,وبـ (مذبحة بلا دماء) كمذبحة القضاء في مصر في أواخر عهد جمال عبد الناصر التي جرت في إغسطس 1969 عندما قام بالتخلّص من أكثر من 200 قاضي دفعة واحدة ,لستُ بصدد الدفاع عنهم مطلقاً !
***
لماذا هذا المثال وليس غيره مع الفساد في العراق ؟
الجواب ببساطة كوني لا أرغب (ولا أظنّ عاقلاً يرغب) في رؤية المزيد من الدماء تُراق,حتى من أبغض الفاسدين على قلبي ونفسي (مقتدى الصدر مثلاً) !
يكفي مامَرّ بالعراق البائس وما أريق من دماء طيلة العقود الأخيرة !
ثمّ أنّ القتل والسحل ليس هو الحلّ الصحيح .هو فقط يطفيء جذوة نار الغاضبين ويُسكّن نفوسهم مؤقتاً .حتى تمّر بضعة أسابيع فينسون القصة لتصبح حكايات شعبية يتغنّى بها ويتداولها الغوغاء !
وفي هذا الصدد أتذكر كلام معلمي (د.علي الوردي) في أحد كتبه ,عندما شاهد مجموعة من الشباب والأطفال قد أوثقوا (أحد المغضوبِ عليهم) بالحبال ليسحلوه مع الأناشيد والتصفيق ! فسأل أحدهم :لماذا يا بُنيّ هذه المناظر البشعة والقسوة المُفرطة ؟ فأجابه بما يلي :
اُستاذ ..الفرنسيون إخترعوا المقصلة ,ونحنُ إخترعنا السحلَ بالحبال !
***
أماني مشروعة !
في هذه اللحظة أنا أتمنى أن يكون عموم الشعب العراقي قد فهم اللعبة هذه المرّة وأن يلعبها بإصولها القانونية المقبولة في العالم أجمع .حتى تكون الدروس المُستقاة تصّب في درب النهوض أولاً !
ليمنعوا الفاسدين من الهرب,وليقدّمونهم جميعاً الى محاكمات عادلة مفتوحة ,وليستغرق الأمر سنين ,لا مشكلة في ذلك !
بالعكس سيكون الدرس مفتوحاً واضحاً خاضعاً للنقاش أمام الجميع .
للحذر مستقبلاً من هذا السلوك الشائن الذي يُدّمر البلاد والعِباد !
وخلال مرحلة المحاكمات (المفترضة) ,أتمنى أن تكون هناك صحوة شعبية عراقية عامة للإعتراف بالسلبيات الكامنة في أعماقنا .
حيث لو شئنا الصدق مع أنفسنا فسوف نعلم أنّ هؤلاء الساسة الفاسدين لم ينزلوا علينا من الفضاء ,ولم تُصنّعهم لنا خصيصاً لا أمريكا ولا إيران ولا حتى السعودية وقطر وتركيا (أردوغان الخبيث) !
فالأرض والمحافظات والحارات التي أنجبتهم وأرضعتهم عراقية صرفة.
والآباء والأمهّات الذين ربّوهم ,عراقيين أيضاً !
وغالباً لو وصل الأمر اليوم الى تغيير كامل الوجود الحاليّة في الكابينة الحاكمة والمُشرّعة,فسوف نسمع في العام التالي (وربّما قبل ذلك بكثير)
تأوه وتأفف العراقيين وشكاوهم ومعاناتهم من جديد !
معناها السرّ الأوّل خلف الفساد يكمن فينا ,علينا البحث (من خلال ندوات وبحوث علميّة راقيّة) عن السرّ الذي أوصلنا لنكون الدولة الاولى في العالم في الفساد !
نعم القضاء على فساد اليوم مهم جداً ويكاد يكون ثورة على الفساد !
إنّما الأهمّ أن لايظهر الفساد من جديد بوجوه وعقول وسُبُل جديدة .كي تكون حقّاً مذبحة (بلا دماء) ..للفساد في العراق !
***
كلام مفيد :
هل فكرتّم في إحتمال كون الدين مصدر مهم من مصادر الفساد ؟
وأنّ أغلب رجال الدين فاسدون حدّ النخاع ؟
[أؤلئك الذين يدعون أنفسهم بالصالحين العادلين,المؤمنين بالعقيدة الحقّ]
بالطبع لن أدخل في معمة الإجابة على هذا السؤال المهم !
إنّما على الأقل سأعلن رغبتي الكبرى الدائمة ,بعزل الدين عن الدولة والسياسة والبرلمان كليّاً والى غير رجعة .
تماماً مثلما فعل السيسي في مصر الجميلة بعد الموجة الثانية من الثورة في 30 يونيو 2013 .فأطاح بالإخوان المُجرمين بتفويض من شعب مصر النبيل .وإنّ مصر لمثلٌ يُحتذى لو تعلمون !

تحياتي للشباب العراقي المُنتفض اليوم على الفاسدين ورجال الدين !

رعد الحافظ
11 أغسطس 2015

About رعد الحافظ

محاسب وكاتب عراقي ليبرالي من مواليد 1957 أعيش في السويد منذُ عام 2001 و عملتُ في مجالات مختلفة لي أكثر من 400 مقال عن أوضاع بلداننا البائسة أعرض وأناقش وأنقد فيها سلبياتنا الإجتماعية والنفسية والدينية والسياسية وكلّ أنواع السلبيات والتناقضات في شخصية العربي والمسلم في محاولة مخلصة للنهوض عبر مواجهة النفس , بدل الأوهام و الخيال .. وطمر الروؤس في الرمال !
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية. Bookmark the permalink.

One Response to مذبحة الفساد في العراق !

  1. س .السندي says:

    خير الكلام … بعد التحية والمحبة والسلام للعزيز رعد الحافظ ؟

    ١: بداية دعائنا وصلاتنا أن يسدد الله خطى السيد العبادي لما فيه خير العراق والعراقيين أجمعين قبل وقوع المحذور ، لأن في عراق اليوم مافيات تسرق بالمليارات ومحاربة الفساد فيه صدقني أصعب من محاربة الدواعش ؟

    ٢: نرجوا أن لايكون مايجري مجرد مسرحية نهايتها أمر من بدايتها وضحك على العقول والذقون ؟

    ٣: نتمنى كما ذكرت أن تجرى محاكمة الفاسدين علنا وعلى التلفاز ، أقله يتشفى قلب العراقي ويبرد قليلا في قيض هذا الصيف ؟

    ٤: وأخيرا …؟
    أتمنى قليلا من الصفح والغفران بعضنا لبعض حتى يكون هنالك متسع ومجال للتفاهم لتسير سفينة العراق للأمام ومن يصر على العبث بمقدرات البلاد والعباد والإساءة فلايستحق غير أن يلقى الى البحر وفي رجله حجر الرحى ، سلام ؟

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.