اليوم تبدأ جلسات المحكمة الخاصة بلبنان الناظرة في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه. واليوم بعد معارك مديدة مع القتلة أدت الى اغتيال آخرين على درب العدالة، تنطلق أعمال المحكمة الخاصة بلبنان التي اعتبرت فاتحة للمحاسبة على الجريمة السياسية في العالم العربي.
ومع أن العالم العربي يحتاج الى ما هو أكبر وأوسع من المحكمة التي انتقلنا الى لاهاي لحضور افتتاح أعمالها، نظراً الى حجم الإجرام في المنطقة والغلو فيه، ولا سيما في سوريا حيث تسبب النظام في قتل عشرات الآلاف من أبناء الشعب ويستمر القتل بلا حسيب أو رقيب. يحتاج العالم العربي الى عشرات المحاكم لاستيعاب قضايا الاغتيال السياسي ليس لشخص بل لشعوب بأسرها. وفي مطلق الأحوال يمكننا القول إن درب المحكمة التي تبدأ فيها المحاكمات قد فرشت بأجساد شهداء قاتلوا من أجل إحقاق العدالة ومحاسبة القتلة.
اليوم هو يوم الشهداء، ويوم عائلات الشهداء، ويوم العدالة. هذا ليس يوم القتلة رغم شعورهم بأنهم أقوياء الى حد لا يسلمون فيه المتهمين، بل يقدسونهم، والى حد يعتبرون أن أعمال المحكمة ستبقى حبراً على ورق.
إن العدالة بطيئة جداً، ولكنها أشبه بـ”محدلة” ما أن تنطلق حتى تطحن كل ما يقف في طريقها.
يستطيع القتلة أن يهزأوا، ويستطيعون تجاهل ما يحصل، لكنهم أعجز من أن يوقفوا “محدلة” لاهاي التي تنطلق اليوم بتلاوة القرار الاتهامي الذي سيبين للرأي العام كيف اغتيل رفيق الحريري ورفاقه. وتلاوة القرار الاتهامي أمر مهم جداً لأنه سيكون بمثابة شريط للأحداث التي حصلت في ذلك اليوم، 14 شباط. واليوم بعد مرور ما يقارب تسع سنوات، وقبل شهر واحد من ذكرى اغتيال رفيق الحريري سيكون قفص المتهمين خاوياً من “القديسين”. الأهم أن المحاكمات ستجري غيابياً، وان المتهمين قد أوكلوا محامين للدفاع عنهم، وأن الفريق يديره وزير كوفئ بمنصب وزاري بسبب دوره في المحكمة الخاصة بلبنان.
والأهم الأهم بالنسبة الى كثيرين أن خلو قفص المتهمين، لن يقلل قوة المحكمة والمحاكمة من الناحية المعنوية، بل أنه سيحول التركيز من خمسة متهمين الى تنظيم مسلح بأسره، رغم إصرار المحكمة على التأكيد ان المحاكمات شخصية ولا تمس بحزب أو تنظيم. ولكن الحقيقة يعرفها القاصي والداني، ومفادها أنه يستحيل على ا لمتهمين الخمسة إذا ما دينوا أن يكونوا قرروا اغتيال رفيق الحريري هكذا من دون مقدمات، وبدوافع شخصية.
لقد اغتيل الحريري بدوافع سياسية، وحوربت لجنة التحقيق الدولية، ثم المحكمة بدوافع سياسية. واغتيل آخرون في السياسة أيضاً.
والمؤكد أن كثيرين سيرون في قفص الاتهام “حزب الله” والنظام في سوريا. هكذا كان الحدس وهذا ما يتبيّن يوماً بعد يوم.