محاولات روسيا المقلقة لتأسيس نفوذها في مصر

بقلم رامي عزيز/
تتحدى روسيا الغرب، وتبذل جهودا كثيرة حاليا للحصول على موطئ قدم في سورية وفي عدد من البلدان في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتعد الحالة السورية نموذجا شديد الوضوح لذلك العبث الروسي، ولكن الأمر لا يتوقف فقط عند سورية، ففي كانون الأول/ديسمبر المنصرم وفي قمة جمعته بالرئيس المصري في القاهرة عقب توقيع العقود النهائية لإنشاء محطة الضبعة النووية قال بوتين إنه: “يسعى إلى خلق مزيد من التعاون مع مصر” ووصفها بأنها “الشريك القديم والموثوق به في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”.
عادت العلاقات بين روسيا ومصر إلى قوتها عقب قيام الرئيس السيسي بالإطاحة بنظام الإخوان المسلمين في يوليو/تموز 2013 إذ كان بوتين ينظر إلى نظام الإخوان ببعض الريبة والقلق نتيجة لعلاقاتهم مع الجماعات الإسلامية في شمال القوقاز؛ والجدير بالذكر أن المحكمة العليا الروسية تدرج جماعة الإخوان في قوائم الإرهاب منذ عام 2006. لكن هذا لم يمنع بوتين من البحث عن أي وسيلة للتعاون مع الإخوان المسلمين في مصر لاستعادة أي دور في الساحة المصرية، وقد تجلى ذلك في تأييد بوتين لدور محمد مرسي في حرب غزة 2012، واستقبال بوتين لمرسي في موسكو أبريل/نيسان 2013. ومع صعود السيسي إلى المشهد في مصر تغير الحال ووجد بوتين ضالته في السيسي فهو رجل عسكري صعد إلى المشهد السياسي ويسعى إلى الحكم في ظل ظروف صعبة ويحتاج إلى بعض الدعم ومقابل ذلك فهو مستعد لتقديم التنازلات.
وبالفعل لم يضيع بوتين تلك الفرصة، وبدلا من ذلك، راح يسعى بكل عزم لجعل مصر دولة تدور في الفلك الروسي الجديد وجاءت أبرز محاور العمل على ذلك متمثلة في المحاور العسكري والاقتصادي والسياسي على النحو التالي:
المحور العسكري
خلقت الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين وما تبعها من تردي وتراجع في حالة الديمقراطية وحقوق الإنسان في مصر، حالة من الخلاف الشديد بين الدولة العسكرية في مصر بقيادة السيسي وبين الإدارة الأميركية السابقة بقيادة الرئيس باراك أوباما. وقد نتج عن هذا الخلاف تعليق واشنطن المساعدات العسكرية لمصر وحجبها عددا من المعدات العسكرية والطائرات التي كانت موجودة في الولايات المتحدة من أجل أعمال الصيانة. وهنا استغلت روسيا الموقف مباشرة وقامت بإرسال كل من وزيري الخارجية والدفاع إلى القاهرة على رأس وفد عسكري رفيع المستوى يضم كلا من رئيس هيئة التعاون العسكري الروسية ورئيس شركة تصدير الأسلحة الروسية “روس أوبورون إكسبورت”، لمناقشة صفقات التسليح الروسية للجيش المصري الذى يعتمد في جزء كبير من تسليحه على الأسلحة الأميركية، وأعقبت هذا اللقاء زيارة لوزير الدفاع المصري آنذاك المشير عبد الفتاح السيسي ووزير الخارجية المصري نبيل فهمى إلى موسكو لاستكمال الحوار مع نظرائهم الروس فيما عرف باجتماعات “2+2” وتم إعلان التوصل لصفقة أسلحة روسية لمصر قيمتها تزيد عن 3 مليارات دولار بتمويل خليجي (السعودية، الأمارات)، غير أن عمليات التسليم الفعلية الكاملة ما زالت قيد النظر.
فرضت روسيا على مصر العديد من الشروط من أجل القبول بعودة السياحة


والجدير بالذكر أن الجيش المصري يحصل على معونة عسكرية سنويا من الولايات المتحدة تقدر بما قيمته 1.3 مليار دولار بالإضافة إلى مساعدات اقتصادية أخرى تبلغ مئات الملايين، ويقدر حجم ما حصلت عليه مصر من الولايات المتحدة منذ إقرار تلك المعونة في أواخر فترة السبعينيات قرابة الـ 76 مليار دولار.
وفي السياق العسكري نفسه قامت القوات الروسية والمصرية في سبتمبر/أيلول 2017 بتنفيذ مناورات عسكرية عرفت باسم “حماة الصداقة”، سبقها في وقت لاحق من نفس العام انتشار لبعض وحدات القوات الخاصة الروسية بإحدى القواعد العسكرية في المنطقة الغربية المتاخمة للحدود الليبية لتنفيذ بعض العمليات وتقديم العون للمليشيات الليبية التابعة لخليفة حفتر والتي تتمتع بدعم مصري ـ روسي.
ومؤخرا تم الاتفاق بين الجانبين على إعداد وثيقة تعاون تمكن الروس من استخدام الأجواء والقواعد العسكرية المصرية في عمليات عسكرية. ويعد هذا المستوى من التعاون العسكري بين البلدين، مستوى غير مسبوق منذ عدة عقود، ويعيد للأذهان التعاون الذي كان موجودا بين مصر والاتحاد السوفياتي في ستينيات القرن الماضي، قبل أن يطرد الرئيس السادات الخبراء الروس في صيف العام 1972.
لكن، بالرغم من كل ذلك التقدم على صعيد التعاون العسكري بين البلدين فروسيا لا تقدر أن تكون بديلا عن الولايات المتحدة بالنسبة لمصر في المجال العسكري لأن حجم المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة بسخاء وانتظام لمصر لا تقدر روسيا على تقديمه، فروسيا تنظر لمصر كمشتر فقط ولا تقدم لها أي دعم كالذي تقدمه بسخاء الولايات المتحدة منذ عقود طويلة.
المحور السياسي
كان لدى السيسي قبل الوصول للسلطة في الفترة الأولى في 2014 مخاوف كبيرة من التعامل مع الغرب بقيادة الولايات المتحدة، ولذلك كان يسعى لوجود حليف له على الساحة الدولية يوفر له بعض الدعم السياسي وقدر من الشرعية الدولية. وبالفعل وفر بوتين للسيسي هذا الأمر وكانت موسكو أولى العواصم من خارج المحيط العربي التي استقبلت السيسي في أغسطس/آب 2014 عقب استحواذ السيسي على الرئاسة بشهرين تقريبا. ويذكر أن بوتين قد دعم ترشيح السيسي لمنصب الرئيس حتى قبل أن يعلن السيسي ذلك رسميا.
ونتيجة لذلك أصبح القرار السياسي المصري يدور في فلك السياسة الروسية. وبالنظر إلى الملف السوري وتصرف مصر فيما يخصه، سيتضح مدى حجم تبعية السياسية المصرية في هذا الملف لسياسية موسكو. فالقاهرة أكدت خلال السنوات الماضية تبعيتها الكاملة لموسكو في هذا الملف الأمر الذي أفسد أحيانا علاقاتها مع أبرز الداعمين الخليجين لها وهي السعودية بعد التصويت لصالح القرارات الروسية في مجلس الأمن، وآخرها جاء خلال البيان الذي صدر عن الخارجية المصرية عقب العملية العسكرية الأخيرة التي قامت بها الولايات المتحدة وحلفاؤها، والذي ذكر أن تلك العمليات تهدد سلامة الشعب السوري. وأغفل البيان المصري تماما أن تلك العمليات جاءت لحماية الشعب السوري من نظام الأسد، الذي يستخدم الأسلحة الكيميائية المحرمة دوليا لإبادة شعبه. وفي نفس السياق ولكن على الجبهة الليبية تتبنى القاهرة نفس وجهة نظر موسكو بمساندة مليشيات ما يعرف بالجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر.
المحور الاقتصادي
فاق حجم التبادل التجاري والاقتصادي بين مصر وروسيا مؤخرا خمسة مليارات دولار (بلغت نسبة الصادرات المصرية لروسيا منهم 446 مليون دولار، بينما وصلت نسبة الصادرات الروسية لمصر 4.2 مليار دولار)، كما بلغ حجم ما صدرته روسيا لمصر من سلعة القمح الاستراتيجية والتي تمثل جزءا كبيرا من غذاء الشعب المصري 5.5 مليون طن من إجمالي 10 ملايين هي كل ما كل ما تستهلك مصر وتنتج منه محليا قرابة الـ 4.5 مليون طن. كما أكد بوتين والسيسي في لقائهما الأخير في القاهرة على مشروع المنطقة الصناعية الروسية في منطقة قناة السويس باستثمارات تصل إلى 7 مليارات دولار، وأكد بوتين على أن خطوات ضم مصر للاتحاد الاقتصادي الأوراسي ستنتهي قريبا.
أكدت القاهرة خلال السنوات الماضية تبعيتها الكاملة لموسكو في الملف السوري
وبعد توقف دام لأكثر من عامين عادت مؤخرا حركة الطيران بين موسكو والقاهرة مما يعنى عودة السياحة الروسية إلى مصر، التي كانت قد توقفت بعد تفجير طائرة روسية فوق سيناء في أكتوبر/تشرين الأول 2015 والتي راح ضحيتها 224 من الروس. وتمثل السياحة الروسية حوالي 40 في المئة من حجم السوق السياحي في مصر بعائدات قدرت بحوالي 2.5 مليار دولار في عام 2015. ويذكر أن السلوك الروسي مع مصر خلال تلك الفترة كان سلوكا عقابيا فرض على مصر العديد من الشروط من أجل القبول بعودة السياحة مرة أخرى. ووصل الأمر إلى تفتيش عناصر الأمن الروسي للمطارات المصرية، وقبلت مصر كل الشروط الروسية لحاجتها للسياحة الروسية من أجل إنقاذ صناعة السياحة المتعثرة منذ فترة طويلة.
وكما ذكرنا سالفا، تقوم روسيا ببناء محطة نووية لتوليد الطاقة الكهربائية في منطقة الضبعة شمال غرب مصر وتحقق بذلك حلما مصريا طال انتظاره، وستقوم روسيا بتمويل ذلك المشروع عن طريق تقديم قرض قيمته 25 مليار دولار لمصر. ووفقا لتصريح ألكيسي ليخاتشيوف رئيس شركة روساتوم المنفذة للمشروع “أن تلك الصفقة بلغت عشرات مليارات الدولارات، وبذلك تعد أكبر اتفاقية لتصدير مواد غير خام في تاريخ روسيا”. وستقوم روسيا طبقا للعقود الموقعة بإدارة هذه المحطة لمدة قد تصل إلى أكثر من 60 عاما، مما يؤمن لها تواجدا في مصر كل هذه المدة ويضمن عدم تكرار طرد الروس من مصر مثلما فعل السادات من قبل في العام 1972.
إن التقدم الروسي في المنطقة لم يأت إلا على حساب تراجع الدور الأميركي أو استغلالا لوجود بعض الخلافات بين الولايات المتحدة وحلفائها وخير مثال على ذلك الحالة المصرية. فروسيا نجحت في صناعة دور لها في الساحة المصرية نتيجة وجود خلاف بين الإدارة الأميركية السابقة أيام أوباما ونظام السيسي إثر الخلاف على قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان. واستمر الوضع على حاله على الرغم من رحيل إدارة أوباما وقدوم إدارة الرئيس ترامب التي لا تعير قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان نفس الاهتمام، وعلى الرغم من استقبال السيسي في البيت الأبيض الذي يعد أمرا مهما للتأكيد على شرعيته.
وبالرغم من الدعم العسكري والاقتصادي الذي تقدمه الإدارة الأميركية الحالية لمصر في حربها ضد الإرهاب والتمرد الموجود في سيناء، لكن هذا لم يفلح في فك الارتباط بين موسكو والقاهرة ولم ينجح في وقف المساعي الروسية الدائمة لتأسيس النفوذ داخل مصر.
يرى السيسي في روسيا ـ بوتين حليفا يمكن الاعتماد عليه أكثر من الولايات المتحدة بالرغم من كل الدعم الذي تقدمه واشنطن للقاهرة، ولذا يجب على الولايات المتحدة تبنى لغة أكثر صرامة ووضوحا مع السيسي فيما يخص اندفاعه ودعمه لروسيا، كتلك اللغة التي استخدمتها معه عندما تم كشف التعاون بين مصر وكوريا الشمالية. فعلى المدى البعيد، روسيا ـ بوتين لا تقل خطورة عن كوريا الشمالية ـ كيم جونغ أون، ولذا يجب العمل من قبل الولايات المتحدة على وقف عمليات تأسيس النفوذ الروسي في مصر.
المصدر: منتدى فكرة

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.