الشرق الاوسط
غالبا ما يتم الحديث عن مؤتمر جنيف باعتباره سيعقد بين أطراف سورية يقال: إن نجاحه يتوقف على استعدادها للتفاهم. وكثيرا ما تنصرف الأسئلة إلى حال المعارضة والنظام، ومدى تقاربهما أو تباعدهما، والجهود اللازمة لتجاوز الهوة الهائلة بين موقفيهما، والدور الخارجي الضروري لجسر خلافاتهما وتناقضاتهما، التي تتعمق بمرور الوقت، وتتفاقم نتيجة الحرب التي يشنها النظام ضد الشعب والمعارضة في كل مكان من سوريا، وتعتبر بذاتها تكذيبا سافرا لما يعلنه من استعداد لبلوغ تسوية للصراع في جنيف. يقول السوريون بحق: إذا كان النظام ذاهبا بحسن نية إلى جنيف، لماذا يحاول تحقيق حسم عسكري ميداني لا يبقي شيئا يمكن الحديث عنه بعده، مع أنه يحاول ذلك قبل أيام أو أسابيع قليلة من جنيف؟ وهل سيذهب حقا إلى هناك، إن هو أحرز النصر العسكري المأمول، وقلب موازين القوى لصالحه وفرض بالتالي حلا بالقوة لطالما حاول فرضه خلال عامين ونيف من القتال؟
هل يجب أن تذهب المعارضة، إذا ما استمر هجوم النظام، الذي يتيح له التملص من جنيف وحله التفاوضي؟ أعتقد أن التفاوض لا يمكن أن يعزل عن شروطه، وأن نهج النظام الحربي يقوض فرصه، مع أنني أؤيد الذهاب إلى التفاوض، لأسباب ليس بينها اعتقادي أنه سيكون مكان إنهاء الأزمة، أو أن هذه ستنتهي بصورة سلمية تضع حدا للمأساة السورية المديدة ولوجود النظام.
أوردت هاتين الفقرتين حول موقفي وحسابات النظام والمعارضة لأقول إن جنيف ليس أمرا مسلما به أو حتميا. وأريد أن أضيف الآن عاملا أعتقد أنه لن ينجح من دونه، حتى في حال اتفق الطرفان السوريان المتصارعان على حل، هو تفاهم الكبيرين المتصارعين في بلادنا ومنطقتنا: روسيا وأميركا، على أسس حل دولي قابل للتطبيق في سوريا ومقبول من الطرفين، بما أن تفاهمهما على حل كهذا ضروري لنجاح المعارضة والنظام في بلورة الشروط المحلية لحل يتمتع بضمانات دولية.
والآن: هل اتفق الروس والأميركيون على أسس للحل لا خلاف عليه بينهما؟ أعتقد أن الجواب على هذا السؤال حيوي ومهم في سياق تلمس ما يمكن أن ينجم عن جنيف من نتائج، وأظن أن الجواب يجب أن يكون سلبيا – في حدود علمي – رغم ما يشاع أحيانا حول اتفاق تم وانتهى أمره، ولم يبق غير امتثال طرفي الصراع له وقبولهما به. لا شك في أن الدولتين تفاهمتا على ضرورة الحل التفاوضي، لكن تفاهمهما هذا لا يكفي لإنجاز حل فعلي يقبله الطرفان السوريان المتصارعان، علما بأن الحلول التفاوضية ليست غير تفاصيل وإجرائيات وتدابير عملية أكثر منها مبادئ وتفاهمات عامة. ومن المنطقي أن تفاهم الجبارين على التفاصيل لن يكون أمرا سهلا، لأسباب كثيرة منها اختلاف رهانات النظام والمعارضة، وما قد يترتب عليها من خسارة وربح لهذه الدولة الكبرى أو تلك، وبالتالي من تنصل مما يمكن أن يكون قد تم التوصل إليه في أي اتفاق، ذلك أنه كان واضحا منذ بدء الثورة أن أي طرف دولي لن يقبل هزيمته، وأن بلوغ تسوية متوازنة يتطلب توازنا عسكريا وسياسيا على الأرض، لكن النظام يقوضه عبر سعيه لإحراز غلبة ميدانية يريد الروس والإيرانيون أن تعكس نفسها في نتائج التفاوض، وهو ما لن يقبله الطرف الأميركي، لأن فيه هزيمته التي لا يرى مسوغا يجبره على قبولها، لأنه قادر دوما على قلب الكفة لغير صالح النظام وحليفيه.
هل سيقدم الأميركيون على تعديل ميزان القوى الميداني قبل الذهاب إلى جنيف، فلا تبقى ثمة ورقة رابحة في يد خصومهم؟ أغلب الظن أنهم سيفعلون ذلك، وإلا غدا جنيف محض خسارة بالنسبة إليهم. هل ستقبل المعارضة الذهاب إلى جنيف دون تعديل الوضع الميداني لصالحها؟ أعتقد أن عليها أن لا تذهب إن كانت ستخسر بالسياسة ما حققه الشعب الثائر بتضحياته ودمائه!
متى يمكن أن يحدث هذا التعديل؟ لا شك عندي في أنه يجب أن يحدث خلال فترة قصيرة تقاس بالأيام، إلا إذا كان جنيف لن يعقد قبل شهر سبتمبر (أيلول) القادم، كما تقول تخمينات متنوعة وتقارير كثيرة، ويرشح من جهتي المعارضة والنظام!