مايمارسه البعض خلف الأبواب الموصودة خوفا من الإله لا يجعلهم أشرف ممن يمارسه علانية

sanfransiscobridge

كانت رحلتنا إلى سان فرانسيسكو فرصة للهروب من روتين الحياة ومشاغلها…….
من أمتع اللحظات وأحبها إلى قلبي، أنا أكون مسافرة في رحلة، لستُ فيها السائق ولا المخطط…
أستلقي في مقعدي، وأغرق في بحر من التأملات، وغيري مسؤول عن المحطات والفنادق التي سننزل فيها، بما في ذلك عداد البنزين ووجبات الطعام……..
جاءت أختي وزوجها وابنها من الخليج “العربي” لقضاء إجازة الصيف التي اعتادوا أن يقضوها في سوريا…
ألم أقل لكم: لكل كارثة وجه مضيء؟!!
لقد أضاؤوا صيفنا بوجودهم…….
استمرت الرحلة قرابة اسبوع، تمنيناه أن يمتد ليصبح عاما بكامله… ولكن؟؟؟
كما قال الشاعر: في كل دهر لا يسرّك…. طولٌ
كذلك أقول أنا: وفي كل دهر يسرك…. قصرُ!
انتهى الاسبوع خلال لحظات، وعدنا أدراجنا لنواجه مشاكلنا اليومية التي تتعلق بالعمل والحياة عموما…..
كانت محطتنا الأولى فندق
ـ Bacara –
في سانتا باربارا…. وتتساءل: فندق اسمه “بكارى”؟؟؟
ويخف تساؤلك عندما ترى الحوريات يحطن بك من كل حدب وصوب…..
الطريق رقم “١” من سانتا باربرا إلى مدينة مونتراي، يشعرك حقيقة أنك في الجنة، هذا إذا عجزت حوريات “بكارى” أن تقنعك أنك فيها…
استقبلتنا مونتراي بلسعة باردة تقرصك دون أن تؤلمك، وكأنها تدغدغك!
تستمتع بتلك الدغدغة، عندما تتذكر أنك غادرت لتوك حريق لوس أنجلوس!
مونتراي ألهمتني لأضيف على كتابي الجديد فصلا آخر من خمسة وعشرين صفحة….
تلك هي الجنان تلهم روادها بأن يبدعوا لأنها الأقرب إلى الله! ….
لم يكن الطريق من مونتراي إلى سان فرانسيسكو أقل جمالا، وخصوصا عندما تعرف أن الـ
Golden bridge،
سيكون محطة أخرى قريبة من الله..
من الطابق الخامس والعشرين في فندق “إنتركونتينيتل” الواقع في قلب تلك المدينة المتمردة على كل النظم المسماة عبثا “إلهية”، رحت أراقب الألعاب النارية احتفالا بعيد الإستقلال الأمريكي الذي صادف الرابع من تموز ـ يوليو، ولم أكن أقل انبهارا بها من بنجي وجازي وجود ـ ابن أختي ـ ضيفنا الصغير القادم من وراء المحيطات، والذي أضاف إلى أهازيج أحفادي زقزقة أخرى!……
نعم هي المدينة المتمردة…
يُثبت على تمردها علم قوس قزح الذي يمتد من الطابق السادس في سوقها الشهير إلى أسفله..
علقوه ابتهاجا بالقرار الذي أصدرته المحكمة الأمريكية العليا والذي يسمح بزواج المثليين… وقرب العلم لوحة مكتوب عليها
“Please respect the flag and don’t touch”
“من فضلك احترم العلم ولا تلمسه”، وهم بذلك يعاملونه بنفس القدسيّة التي يُعامل بها العلم الأمريكي!
يذكرك هذا العلم بأنها الحرية ـ شئت أم ابيت ـ مقدسة طالما تعترف بحق الجميع ولا تتعارض مع حق الآخر، وبأن سان فرانسيسكو كرمز لتلك الحرية هي عاصمة المثليين! ليس هذا وحسب، بل تذكرك بأن مايمارسه البعض خلف الأبواب الموصودة خوفا من “الإله” لا يجعلهم أشرف ممن يمارس نفس الشيء في العلانية ولا يخاف من ذاك الإله…
بل يجعهم منافقين ويجعل الآخرين هم الأصدق!
على جانب أحد الشوارع وقف رجل يحمل لائحة مكتوب عليها:
“Pedophiles against gay rights”
“الشاذين جنسيا مع الأطفال ضد حقوق المثليين”
وهم يقصدون طبعا “رجال الكنيسة الكاثوليكية الذين يمارسون الجنس خفية مع الأطفال من روّاد الكنيسة”، وطبعا لا يمكن أن نستثني هنا نبي الإسلام محمد الذي فاخذ عائشة في السادسة، إنطلاقا من رحمته بسنها، وبنى فيها في التاسعة! ….
كانت رحلة ممتعة، سرقتني من روتيني اليومي، وأغرقتني في عالم جميل يحفز إبداعك ويشجعك لأن تمارس شغفك إلى حد الجنون.. 
يقولون: لكل من اسمه نصيب!
ولقد كان ضيفنا ـ ومضيفنا ـ لهذه الرحلة زوج أختي حاتم حاتما بكل ما تعنيه الكلمة من معنى…
أعتذر من نزار قباني الذي قال يوما: يفتخر العرب بكرم حاتم، ولقد اكتشفنا أن فرسه التي ذبحها لضيفه كانت من ورق!
أعتذر منه لأن حاتمنا من نوع آخر، وفرسُه كلها من ذهب..
وخير فرسه نفسٌ كريمة، سهلة المراس، طيبة العود، جميلة المعشر، حلوة اللسان..
ولقد صدق من قال: لكي تكتشف طبيعة أحد سافر معه!….
لقد سافرت مع حاتم، واكتشفت أن له من اسمه نصيب!


About وفاء سلطان

طبيبة نفس وكاتبة سورية
This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.