مابين حي الطرب والمنطقة الخضراء

للذي لايعرف حي الطرب اقول له انه حي سكني بني منذ سنوات طويلة(في ستينات القرن الماضي) لأسكان الغجر(الكاولية) في محافظة البصرة، التي ستكون ولله الحمد بعد عمر طويل عاصمة العراق الاقتصادية.
اختير هذا الحي في موقع على الشارع الرئيسي الذي يربط بين مدينة البصرة والمعبر الحدودي صفوان.
استقر هؤلاء الغجر بعد طول ترحال بين بادية السعودية وصحراء النجف وامتهنوا الرقص المسلي واستعراض خبراتهم امام الزبائن وكان معظم الزوار من الكويت الشقيقة.
بعد هذه السنين هل يمكن لنا ان نسأل ماهو الفرق بين حي الطب وسكانه القدامى وبين المنطقة الخضراء وسكانها الان؟.
لاشك هناك فوارق لاتحصى بينهما:
سكان حي الطرب يتمتعون بالشرف، صحيح ان البنت هناك ترقص على ايقاعات طبل الوالد بينما تحضر الام “المزمات” للزبائن فيما الاخ الاكبر يدندن باغنية عراقية قديمة وحين تسقى الجمجة جيدا وتصل الامور الى درجة الحسم (….) تقول الراقصة للزبون:ارجوك لاتحاول لأني لا اريد ان ازيد عدد المشردين بيننا.
بعضهم يخجل ويحاول ان يراقب اهتزازات جسد الصبية بينما يحاول البعض ان يكون “حنفيشا” ويأخذ مايريد بالقوة ولكنه يفشل في آخر المطاف.
سكان المنطقة الخضراء لاشرف لهم كما قال النائب حيدر الملا في آخر تصريح له،وقال ايضا انهم تجار دم.
سكان حي الطرب لايملكون ما يثبت مواطنيتهم، لاجنسية ولا جواز سفر ولا هوية الاحوال المدنية, ولاحتى شهادة جنسية ولم يفكر احد من “الرحومين” ان يزودهم بالبطاقة التموينية.
سكان المنطقة الخضراء لديهم اكثر من جواز،وآخرها الدبلوماسي الذي منح حتى للطفل الرضيع، واكثر من شهادة جنسية وبطاقة الاحوال المدنية وبعضهم يتغدى ويتعشى في كافتيريا البرطمان مجانا وحين يعود الى البيت يقدّم لزوجته “جدرا” من طبخو اليوم في هذه الكافتيريا مع سؤال تصاحبه ابتسامة عريضة : هل استلمت البطاقات التموينية التي ارسلتها مع سائقي الخاص؟ .
سكان حي الطرب مسالمين ولايحبوا العنف ولم نسمع ان غجريا فخخ نفسه او قاد سيارة مفخخة.
سكان المنطقة الخضراء يمولون الارهابيين والقتلة بالاموال من اجل العراقيين ولايهم ان كانوا شيعة ام سنة ام ايزيديين.
سكان حي الطرب يريدوا العيش بسلام بعيدا عن العنف والتهجير.
سكان المنطقة الخضراء يريدون ان يناموا ومعهم احصائية دقيقة بعدد القتلى لذلك اليوم وورقة أخرى باسماء الذين سيقتلون غدا مع برنامج العمل للاتصال بالجهات المعنية لغرض الاستشارة.
سكان حي الطرب لم يسمعوا بالكثير من العواصم التي فتحت ابوابها و(….) وفروج نسوانها لسكان المنطقة الخضراء مقتنعين بان مكانهم الحالي سيؤمن لهم استقرارا نفسيا وعائليا.
يسود الحزن والالم والدعاء الى رب العزة حين يمرض احد سكان الغجر فاسعار العلاج عالية جدا والمواصلات حلم مازال بعيد المنال.
وما ان يمرض اج من سكان “الخضراء” صغيرا كان ام كبيرا حتى يسارع فوج من الاطباء لتقديم العلاج المجاني واذا الح المريض “..طي.. العطية انموذجا “على دفع الفاتورة فان باب البرطمان مفتوح وامين الصندوق ينتظر ليدفع.
هزلت ورب الكعبة

محمد الرديني (مفكر حر)؟

About محمد الرديني

في العام 1949 ولدت في البصرة وكنت الابن الثاني الذي تلاه 9 اولاد وبنات. بعد خمسة عشر سنة كانت ابنة الجيران السبب الاول في اقترافي اول خاطرة انشائية نشرتها في جريدة "البريد". اختفت ابنة الجيران ولكني مازلت اقترف الكتابة لحد الان. في العام 1969 صدرت لي بتعضيد من وزارة الاعلام العراقية مجموعة قصص تحت اسم "الشتاء يأتي جذلا"وكان علي ان اتولى توزيعها. في العام 1975 التحقت بالعمل الصحفي في مجلة "الف باء" وطيلة 5 سنوات كتبت عن كل قرى العراق تقريبا ، شمالا من "كلي علي بيك" الى السيبة احدى نواحي الفاو. في ذلك الوقت اعتقدت اني نجحت صحافيا لاني كتبت عن ناسي المعدومين وفشلت كاتبا لاني لم اكتب لنفسي شيئا. في العام 1980 التحقت بجريدة" الخليج" الاماراتية لاعمل محررا في الاخبار المحلية ثم محررا لصفحة الاطفال ومشرفا على بريد القراء ثم محررا اول في قسم التحقيقات. وخلال 20 سنة من عملي في هذه الجريدة عرفت ميدانيا كم هو مسحوق العربي حتى في وطنه وكم تمتهن كرامته كل يوم، ولكني تعلمت ايضا حرفة الصحافة وتمكنت منها الا اني لم اجد وقتا اكتب لذاتي. هاجرت الى نيوزيلندا في العام 1995 ومازلت اعيش هناك. الهجرة اطلعتني على حقائق مرعبة اولها اننا نحتاج الى عشرات السنين لكي نعيد ترتيب شخصيتنا بحيث يقبلنا الاخرون. الثانية ان المثقفين وكتاباتهم في واد والناس كلهم في واد اخر. الثالثة ان الانسان عندنا هو فارزة يمكن للكاتب ان يضعها بين السطور او لا. في السنوات الاخيرة تفرغت للكتابة الشخصية بعيدا عن الهم الصحفي، واحتفظ الان برواية مخطوطة ومجموعة قصصية ويوميات اسميتها "يوميات صحفي سائق تاكسي" ومجموعة قصص اطفال بأنتظار غودو عربي صاحب دار نشر يتولى معي طبع ماكتبت دون ان يمد يده طالبا مني العربون قبل الطبع. احلم في سنواتي المقبلة ان اتخصص في الكتابة للاطفال فهم الوحيدون الذين يقرأون.
This entry was posted in الأدب والفن, كاريكاتور. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.