مؤسسات المجتمع المدني في الدول العربية يفتقر نظامها الداخلي للديمقراطية

waterdropحتى الذين يطالبون بالمساواة بين الجنسين في بيوتهم عبارة يميزون بين الجنسين وتتعرض الإناث داخل منازلهم للضرب وللإهانة وللإقصاء من ساحة اتخاذ القرارات وجميع مؤسسات المجتمع المدنية في الأردن وفي أغلبية الدول العربية تطالب بالحرية وبالعدل وبالمساواة بين الجنسين وبمكافحة الفساد المالي والإداري علما أن هذه المؤسسات نفسها تفتقر مكاتبها الإدارية والتنظيمية إلى الحرية والديمقراطية وتبادل أدوار السلطة بين منتسبيها ومنذ بداية العصر الحديث ونحن نشهد حركات إسلامية متعددة بين يمينية متطرفة وبين وسطية معتدلة, وهذه الأحزاب الوسطية لا تميل إلى الوسطية نفسها في ترسيخ مفهومها السياسي الداخلي, وهنالك مفارقة بينها وبين تلك التي ترى أن إصلاح المجتمع والدولة يبدأ من الهرم ومن ثم تتجه للإصلاح من الأسفل وتعني بذلك إصلاح رأس النظام الحاكم, علما أيضا أن الرؤوس الكبيرة في تلك الأحزاب عبارة عن دقه قديمة وموضة قديمة ونفسها تحتاج إلى إصلاح وإعادة تأهيل من جديد, وهنالك مفارقة أخرى بينها وبين تلك التي تقفُ منها على طرفي نقيض والتي ترى بأن الإصلاح والنهضة تبدأ من الأسفل وتنتهي بالقمة أي ترى لزوم إصلاح الشعب أولا ومن ثم رأس النظام الحاكم علما أيضا أن جميع كوادرها بحاجة أيضا إلى الإصلاح من الداخل ومن الخارج, وهنالك اتجاهات إسلامية كانت وما زالت تطالب بقطع رأس النظام الحاكم كليا والثورة عليه وإحقاق الحق من خلال تتويج خليفة للمسلمين وأيضا هذه الأحزاب المتطرفة رأسها بحاجة إلى قطع واستبداله برأس جديد وتغيير لغة الخطاب السياسي القديم الذي عفا عنه الزمن, فمنذ ثلاثين سنة لم تغير تلك الأحزاب لغتها ولهجتها مع أن العالم من حولها تغيرت صورته وتبدلت قياداته أكثر من مرة, وخير من كان وما زال يمثل هذا الاتجاه هو(حزب التحرير) الذي يرى وجوب الثورة على الحاكم المستبد ليستبدلوه من عندهم بخليفة مستبد ولكن برأيهم: مستبد وعادل, أما جماعة التبليغ فترى عكس ذلك إذ أنها ترى من اللازب تغيير الشعب بمجمله وتوجيهه نحو التربية الإسلامية, طبعا الإسلام السياسي بكافة مراحله واتجاهاته وأنديته وجمعياته حتى هذه اللحظة لم يحرز أي تقدم على أرض الواقع بل على العكس زاد من هوة الاتساع والبعد والتفرقة بين مجموعة الدول العربية وعلى رأسها مصر ودول الخليج العربي الداعم الرسمي لأكثر الحركات الإسلامية تطرفا وتشددا حتى أنها في النهاية حين شعرت بوصول أو بمحاولة تلك الجماعات المتطرفة الوصول إليها تبرأت فورا من تلك الاتجاهات واعتبرتها إرهابية يجب محاربتها وقمعها.

إن أغلبية تلك الجماعات الإسلامية وعلى رأسها تلك التي تطالب بصندوق الاقتراع والانتخابات الديمقراطية لم تمارس هي أصلا داخل نظامها الأساسي الحرية والديمقراطية, والتي تنجح بالانتخابات وتصل السلطة عن طريق صندوق الاقتراع ترفض العودة مجددا إلى صندوق الاقتراع تماما كما حدث مع الثورة الإيرانية وأيضا كما كاد أن يحصل مع الإخوان المسلمين في مصر لولا تدخل الجيش المصري ورفضه أن تصبح مصر مثل إيران أو أفغانستان, وهذه التي تطالب بالانتخابات الديمقراطية وبالحياة النيابية البرلمانية نجد أن أغلبها لا تمارس الحرية والديمقراطية داخل مكاتبها التنفيذية , فأغلبية تلك الأحزاب والجماعات ما زالت قياداتها ثابتة ولم تتغير منذ أكثر من ربع قرن, وما زالت تلك القيادات تسيطر على المكاتب التنفيذية وأحيانا يتغير الأمين العام للحزب ولكنه يبقى عضوا إداريا في المكتب التنفيذي وهذا نوع من التحايل على الديمقراطية وعلى الدولة وعلى المواطن, حتى أن أغلبية الأحزاب والحركات السياسية والمؤسسات الثقافية في الوطن العربي غير الإسلامية أيضا تمارس هذا النوع من الاحتيال على الديمقراطية فأنا شخصيا أعرف كثيرا من القيادات في المؤسسات الثقافية منذ أكثر من ثلاثين عام وهي هي نفسها لم تتغير وإنما يقومون هم أنفسهم بتبادل الأدوار بين الرئيس وبين العضو الإداري وأحيانا يأتون بشخص جديد ويضعونه بينهم ويعطونه دور الرئيس كحركة تجميلية ليس إلا ويبقوا هم المسيطرون على التنظيم من خلال كونهم هم الأغلبية الأقوى في الحركة سواء أكانت جمعية خيرية أو حزبا سياسيا أو مؤسسة ثقافية, أي أن معظم مؤسسات المجتمع المدني بكافة أشكالها من أحزاب وهيئات وجمعيات ونقابات ورابطات وملتقيات ومنتديات كلاها أصلا تفتقر إلى ممارسة الحرية والديمقراطية داخل نظامها الداخلي, وإن كانت على الورق تعترف بتبادل الأدوار إلا أنها ترفضه عمليا.

إن معظم تلك الحركات الإسلامية وغير الإسلامية لم تحقق موضوع النهضة والتنمية الشاملة للشعوب التي وضعت ثقتها فيها, وتلك الأحزاب والهيئات ومؤسسات المجتمع المدنية التي تطالب بالحرية وبالديمقراطية تفتقر هي إليها أصلا وكما يقول المثل فاقد الشيء لا يعطيه, وهذه المؤسسات فاقدة للحرية ولتبادل الأدوار وللنزاهة في الانتخابات وهي بمجملها ليست مؤسسات مدنية على الإطلاق بل عصابات وحركات شللية وعنصرية وفئوية وعنصرية, ولدى هذه المؤسسات أعضاء لا يتم استخدامهم في تلك المؤسسات إلا في يوم الانتخابات حتى يدلوا بأصواتهم أمام وزارة الداخلية كمراقب ومشرف على تلك المؤسسات وأيضا أمام وزارات التنمية السياسية الراعي الأول لتلك المؤسسات والمشرفة أيضا على أنشطتها وأعمالها كافة.

إن تلك الأحزاب السياسية الإسلامية اليمينية واليسارية في الوطن العربي سواء أكانت تطالب بالصلاح من فوق أولا ومن ثم من الأسفل تحتاج تلك الأحزاب والهيئات إلى إصلاح نفسها أولا كونها أصلا لا تلتزم بالعمل الديمقراطي في نظامها الداخلي , فهي التي تحتاج إلى تغيير قبل الحكومة, ونهي التي تحتاج إلى مكافحة الفساد في نظامها الداخلي قبل أن تطالب الحكومة بمكافحة الفساد, وهي التي تحتاج إلى الحرية والديمقراطية قبل أن تطالب الحكومة بالحرية وبالديمقراطية وهي التي تحتاج إلى خلق أجواء من الحرية وقبول الرأي والرأي الآخر قبل أن تطالب الحكومة باحترام مبدأ النداء العالمي بضرورة احترام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان, فهذه المؤسسات لا تحترم في داخلها الرأي والرأي الآخر بدليل أن عندنا في الأردن يتم فصل أي عضو من رابطة الكُتّاب الأردنيين إذا أبدى رغبته في التطبيع الثقافي مع إسرائيل كما حدث معي في صيف هذا العام حيث تم طردي من الرابطة لأسباب تتعلق بالتطبيع مع إسرائيل.

وإن المواطن العربي الذي يقبل بهكذا دور في مثل تلك المؤسسات التي يطلق عليها(مؤسسات المجتمع المدني) لا يعتبر ضحية لمؤامرة تديرها الدولة بل هو أصلا شريكٌ في هذه الجريمة, وبالتالي الأعضاء الإداريين لا يستطيعون الوصول إلى التنمية الشاملة ولا يستطيعون تفعيل الحياة النيابية في البلدان العربية لأنهم هم أصلا داخل مؤسساتهم لا يقومون بتمثيل الديمقراطية والحرية والاعتراف بالرأي والرأي الآخر, فإذا كانت تلك المؤسسات لا تحترم ولا تتقبل النقد الموضوعي ولا تتقبل الرأي الآخر فكيف ستطالب الحكومة باحترام الحرية والديمقراطية والتعددية, وإذا كانت في داخلها تمارس الديكتاتورية وقياداتها.

About جهاد علاونة

جهاد علاونه ,كاتب أردني
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.