وَيُخْتَصَرُ إِسْمِي، وَاِسْمُ أُمِيّ،
وَأَبِي وَوَطَنِي، وَكُلُّ تَارِيخِي،
بِكَلِمَةً وَاحِدَةْ.. لَاجِئٌ سِياسِي..
وَأَبْدُو كَمُتَسَوِّلٍ فِي اَلأَزِقَّةِ الغَرِيبَةِ،
أَشْحَذُ خُبْزً، أَشْحَذُ عَطْفَاً،
أَشْحَذُ اِبْتِسَامَةً مِنَ النَّاسِ..
وَأَبْدُو كَمُتَسَوِّلٍ لَا جُذُورَ لَهُ،
ثُمَ أُصْبِحُ شِيءً، أَو رَقَمَاً،
أَو جَسَدً مُتَحَرِّكً، بِلَا هَوِيِّةً أُو أَسَاسِ..
لَاجِئٌ سِياسِي،
أَصْبَحْتُ أُسَمَى بِلَاجِئٍ سِياسِي،
اِسْمٌ لَمْ أَخْتَرْهُ لِنَفْسِي يَا وَطَنِي،
وَلَمْ أَكُنْ لَهُ مُدْرِكً،
وَلَا كَانَ فِي لَحْظَةٍ عَلَى قِيَاسِي،
فَأَنَا لَسْتُ سِيَاسِيَّاً،
وَلَمْ أَكُنْ بِوِزَارَةِ النَفْطِ مُغْرَمً،
وَلَا كُنْتُ مُولَعً بِالكَرَاسِي،
وَلَا كُنْتُ عَلَى قُصُورِ الأُمَرَاءِ مُتَرْدِدً،
وَلَا لِسِياسَةِ الخَارِجِيَّةِ مُحَدِدً،
وَلَا كُنْتُ شَاعِرَ القَصْرِ الرِئَاسِي،
وَأَنَا لَسْتُ إِلْاَ شَاعِرً يَعْشْقُ الحُرِّيَةَ،
بِكُلِّ وِجْدَانِي، وَضَمِيرِي وإِحْسَاسِي،
وَأَنَا شَاعِرٌ مَا كَتَبْتُ القَصِيدَةَ إِلَا لِحَبِيبَتِي،
فَمَا بَالُ شِعْرِي يَضُجُ مَضَاجْعَ الأَنْجَاسِ،
وُمَا بَالُ قَصَائِدِي المُتَنَاثِرَة بِينَ طِياتِ دَفَاتِرِي،
تُرْعِبُهُمْ، وَتَخْلُقُ لَهُمْ الْفَ وَسْوَاسٍ وَخَنَاسِ،
وَالشِّعْرُ يَا وُطْنِي لِيسَ تُهمَةً أُدَانُ بِهَا،
أَوَلَيسَ الشِّعْرُ حَدِيثَ الأَنْبِياءِ، وَلَحْنُ قُدَاسِ..
أَهٍ مِنْكَ يَا وَطَنِي..
صَنَعْتَ مِنْ كَلِمَاتِي، لَاجِئً سِيَاسِي،
فَهَلْ أَشْكُوكَ لِفِيرُوزٍ،
أَمْ لِأَزِيزِ الرَّصَاصِ فِي ذَاكِرَاتِي،
أَمْ لِمَواوِيلِ الصَّبْرِ،
أَمْ أَشْكُوكَ لِخَمْرَتِي، وَسَعِيرِ الكَاسِ،
أَمْ لِلْتَّوْرَاتِ أَشْكُوكَ، أَمْ لِصُحُفِ التَّارِيخِ،
أَمْ أَشْكُوكَ لِلْمُتَنَبِّي، وَأَبِ الفِرَاسِ..
أُحِبُّكَ يَا وَطَنِي..
وَالرُّوحُ لَكَ تَرْخَصُ دُونَ وَسْوَاسِ،
وَأًنْتَ قَدَرِي، وَأَنْتَ العِشْقُ،
وَأَنْتَ الدُرُ وَالمَاسِ..
أُحِبُّكَ يَا وَطَنِي،
رُغْمَ أَنَ المَحَبَّةَ قَدْ عُلِّقَتْ عَلَى مَشْنَقَةِ الأَجْدَادِ،
وَمَا وَرِثْنَا مِنْهُمْ سِوَى فُرْقَةً، وَدَسَائِسً، وَاَحْقَادِ،
أَهٍ مِنْكَ يَا وَطَنِي، عَاتَبْتَنِي..
وَجَرِيحٌ أَنَا يَا وَطَنِي،
وَأُمِّي الَتِي حَطَّمَتْنِي بِدَمْعِهَا،
وَقَفَتْ فِي صَفِّكَ يَا وَطَنِي،
وَشَوَارِعُ حَيِّنَا القَدِيمْ، وأصْوَاتَ المَآَذِنِ،
وَوَالِدِي.. ذَاكَ الشِّيخُ العَظِيمْ،
عَاتَبُونِي لِأَجْلِكَ يَا وَطَنِي..
وَالجُرْحُ يَا وَطَنِي جَمْرَةٌ تَغْلِي فِي صَدْرِي،
وَقَهْرٌ يُمْعِنُ فِي مَأسَاتِي، وَيَزِيدُ قَهْرً عَلَى قَهْرِي،
وَالجُرْحُ يَا وَطَنِي دَمْعَةٌ مَنْسِيَّةٌ فِي عِينِ أُمِّي،
أَبْكَتْ الرَّبِيعَ عِطْرً، أَبْكَتْ الأَحْزَانَ صَبْرً،
وَأَبْكَتْكَ دَمَاً.. يَا وَطَنِي..
أُحِبُّكَ يَا وَطَنِي،
أَيُّهَا النِّسْرُ الجَرِيحْ،
أَيُّهَا الغُفْرَانُ المُقَدَّسُ، يَا رَيحَانَةَ بِيتِنَا،
يَا شَمْسً أَضَاءَتْ رِسَالَةَ المَسِيحْ،
كَثُرَتْ آهَاتِي وَلَمْ تَعُدْ كُلُّ كَلِمَاتِ العِشْقِ تَشْفِنِي،
وَلَمْ تَعُدْ كُلُّ سَحَابَاتِ العَالَمِ بِأَمْطَارِهَا تَرْوِينِي،
وَلَمْ تَعُدْ لِلْقَهْوَةِ نَكْهَةٌ، وَلَا لِلْمُوسِيقَى نَكْهَةٌ،
وَلَا لِشُرُوقِ الشَّمْسِ..
خَلْفَ حُدُودِكَ أَيُ شَيءً يَعْنِينِي،
اِشْتَقْتُ إِلِيكَ يَا وَطَنِي..
اِشْتَقْتُ إلَى اِبْتِسَامَةِ أُمِّي،
وَيَاسَمِينَةَ قَلْبِهَا، أُخْتِي الصَّغِيرَةْ،
وَقَصَائِدِي الَتِي دَفَنَـتْهَا الذِّئَابْ،
وَقِيثَارَتِي العَجُوزْ، وَرَائِحَةُ التُّرَابْ،
اِشْتَقْتُ إِلِيكَ يَا وَطَنِي..
أَيُّهَا القَصْرُ المُتَأَلِّقُ فَوقَ السَّحَابْ،
هَلْ لِي بِعِيشَةٍ كَرِيمَةٍ تَحْتَ جَنَاحِيكَ،
وَلَمْسَةً حَنُونَةٍ عَلَى قَلْبِي مِنْ يَدِيكَ،
أَمْ أَنَّ قَدَرِي أَنْ أَبْقَى لَاجِئً مَنْفِياًّ،
فِي بِلَادِ الأَغْرَابْ،
أَمْ أَنَّ قَدَرِي أَنْ يَقْتُلُنِي قَهْرِي،
وَيقْتُلُنِي الذُلُّ، وَيُنْهِينِي العَذَابْ،
اِشْتَقْتُ إِلِيكَ يَا وَطَنِي.
جان برو