لا بدَّ أن أكثرنا تابع أحداث ليلة رأس السنة في مدينة كولونيا الألمانية، حيث اتهمت الشرطة عددًا من المهاجرين بالتحرش والسرقة والاغتصاب. وقد كانت تلك فظاعة، لكنها لم تكن أبدًا الفظاعة الأكبر. ما هو أسوأ – بكثير – مما حدث، بما فيه الاغتصاب، كان ردود الفعل العربية: صحافة تبحث عن جذور «المؤامرة» في دائرة الشرطة ضد المهاجرين. وقراء يبررون ما حدث بداعي «الصدمة الثقافية» وحرية الألمانيات المثيرة للقيم الأخلاقية. وآخرون يرون أن اليمين الألماني المتطرف لبس لبوس العرب كي يشوّه سمعتهم وسمعة مروّجي المخدرات والنشالين والبطّالين والعطّالين.
احتضنت ألمانيا العام الماضي 1.2 مليون لاجئ. بعض المدافعين عن إجراميات ليلة رأس السنة قال: المتحرشون والنشّالون في كولونيا نسبة ضئيلة لا تستحق كل هذا الضجيج. كان ينقص القول إن بنات كولونيا سبايا وهنّ المخطئات في أي حال، فلماذا خرجن إلى الاحتفال؟
لا أعرف إن كان في الصحف مديرو تحرير يقرأون مقالات الكتّاب قبل نشرها، ويلفتون نظر أصحابها ومفكريها ومنظّريها إلى أن اللاجئين ضيوف حالة إنسانية، وليسوا مغتصبين ونشّالين ومتحرشين يفسدون على مضيفيهم حياتهم وأمنهم وطلبهم للفرح. وإذا كان بعض اللاجئين قد تصرّف بهذه الطريقة المنافية للأخلاق والإنسانية في أي مكان، فبأي حق ومنطق تجاريه صحافة «النخبة» التي تبحث له عن مبررات فرويدية، بدل أن تبحث له عن سبل للبقاء في أرضه وبلاده، حيث يُحكم على المرأة المُغتَصبَة بالقتل، ويعيش المُغتصِب حرًا طليقًا معتزًا «بشرفه» ورجولته؟
إذا كان اللاجئ في أزمة نفسية وحياتية تمنعه من الوفاء لأصول ورقي الضيافة، فعلى الأقل يجب أن تعرف أبراج الثقافة العربية أن ما جرى في كولونيا هو مجموعة جرائم واعتداءات وعقوق، وليس مسألة بحثية تطول فيها الجمل، وتتعقد الفقرات، ويطل فيها سيغموند فرويد ليحلل أسباب الاغتصاب والاعتداء والنشل.
إذا سئلت، فإن جريمة المرتكبين في كولونيا كانت أخفّ من جريمة المدافعين عنهم. عيب أن تكافأ المضافة الألمانية الكبرى بهذا السلوك من أهل الشارع وأهل المكتب معًا. وعيب ما يصدر باللغة العربية في هذا الموضوع. هذه لغة يستخدمها أناس أكثر معرفة بالأصول وأقل معرفة بفرويد. أتخيل أنجيلا ميركل وقد بكت تلك الليلة من شدة خيبتها وحزنها.
*نقلا عن “الشرق الأوسط”