لم أعد أرى وطني مجرد أرض محروقة وبحر يغلي بل رأيته السماء

wafasultan2015في ذروة آلامي، عندما كان الجرح متقيحا إلى حد الانفجار، وبدا لي أن الحرب السورية قد استنزفتني حتى آخر قطرة دم في شراييني، أهدتني ابنتي في إحدى المناسبات، وما أكثرها في أمريكا، أهدتني لوحة مكتوب عليها
Serenity prayer،
أي صلاة السكينة:
God grant me the serenity to accept the things I can not change, courage to change the things I can, and wisdom to know the difference!
(يارب امنحني الشجاعة لأغيّر ما أستطيع، والسكينة لكي أقبل مالا أستطيع تغييره، والحكمة لأميّز بين ما أستطيع ومالا أستطيع)
ليس شرطا أن تكون من المؤمنين بوجود الله، كي تدرك عمق تلك الصلاة، وتتحسس مواطن الجمال فيها… تلك هي مهمتنا في الحياة، أن نغيّر الأشياء التي نستطيع أن نغيّرها… أن نقبل الأشياء التي لا نستطيع أن نغيرها، ليس فقط أن نقبلها، بل أن نحافظ على سكينتنا عندما نواجهها…. وأن نكتسب الحكمة التي تساعدنا على أن نعرف ما يمكن تغييره ومالا يمكن…
…..
إذا كانت كل عبارة أعجبتني قد غيرتني نحو الأفضل فتلك الصلاة فعلت في حياتي مافعلته ألف عبارة حتى الآن… لم يغيرني مابدا من معناها وحسب، بل غيرني أكثر عمقها الفلسفي والذي انطوت عليه بين سطورها… ذلك العمق الذي لا يستطيع القارئ أن يصل إليه مالم يكن كونيا بالمطلق…. وضعتني أمام سؤال: كيف أستطيع أن أستمتع بالسكينة وأنا أراقب داعشيا يقطع رأس مواطن سوريّ؟؟ إنها مهمة تبدو خيالية، لكنها في غاية النبل…
عندما تتعمق في فلسفتها تدرك أن السكينة لا تعني سكون العاصفة بل تعني أن تكون ساكنا وأنت في قلب العاصفة! نعم، لقد بدأت أشعر بتلك السكينة واستمتع بها، بعد عامين أو ثلاث من حرب مجنونة ظننت أنها قلعتني من جذوري… كان الأمر قرارا اتخذته بكامل وعي وبمطلق ارادتي… قررت أن استمتع بالطبيعة المحيطة بي وما تفيض به من سكينة، وسط حرب تشتعل داخل رأسي وتحرق قلبي وأعصابي… أصبحت أراقب ذلك الداعشي ثمّ أركض إلى حديقتي بحثا عن فراشة أتسلق جنحها، أو قطرة ندى أذوب فيها… وفي طريقي إليها أدندن أغنية أمريكية معروفة:
Burn the land and boil the sea….
You can’t take the sky from me….

احرق الارض واغلِ البحر… لكنك لا تستطيع أن تأخذ السماء مني…
…….
لم أعد أرى وطني مجرد أرض محروقة وبحر يغلي، بل رأيته السماء، وكنتُ أنا ذلك الصقر!
**************
مقطع من كتابي القادم “دليلك إلى حياة مقدسة”

About وفاء سلطان

طبيبة نفس وكاتبة سورية
This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

2 Responses to لم أعد أرى وطني مجرد أرض محروقة وبحر يغلي بل رأيته السماء

  1. sh.y says:

    أخشى أن أفقد سمائي وبعدها يسلبون أحلامي.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.