د. علاء الأسواني
كاتب مصري في مقاله للعربية
في عام 1940 تولى ونستون تشرشل رئاسة وزراء بريطانيا ، كانت الحرب العالميه الثانيه على أشدها ، وكانت بريطانيا تتلقى ضربات موجعه من الجيش الألماني النازي أقوى جيوش العالم آنذاك . كان ونستون تشرشل في الخامسة والستين وبرغم سنه المتقدمه فقد قاد بلاده بكفاءةٍ نادره وألقى خطبةً تأريخيه أمام مجلس العموم قال فيها جملته الشهيرة:
أيها البريطانيون ليس لدي ما أقدمه لكم إلّا المزيد من العرق والدم والدموع ، لكننا سننتصر ؟
كان تشرشل يصل الليل بالنهار ليقود شعبه في الحرب وكان يتحدث إلى البريطانيين عبر الإذاعه ليرفع روحهم المعنويه ، وقد إستقل طائرات حربيه أكثر من مرةٍ مخترقاً خطوط الألمان ، معرضاً بذلك حياته لخطرٍ محقق . في يوم 7 مايو/ أيار 1945 وقعت ألمانيا وثيقة إستسلام غير مشروط وهناك تسجيل صوتي لتشرشل وهو يعلن إنتصار بريطانيا على حشد من الناس في لندن ثم يقول لهم
هذا نصركم
فيرد الناس عليه هاتفين
بل هو نصرك
هل يمكن لأي قائد أن يخدم وطنه أكثر مما خدم تشرشل بريطانيا ؟ لقد أنقذها من الهزيمةِ ، وحقق لها النصر في واحدةٍ من أكبر حروب التأريخ . لو كان تشرشل حاكماً عربياً وحقق مثل هذا النصر لإستمر في السلطة مدى الحياة ، ولورث الحكم لأولاده بغير أن يجرؤ أحد على الإعتراض ، لو كان حاكماً عربياً لتم تأليف الأغاني والأوبريتات لتمجيده ، ولكانت صوره وتماثيله بالحجم الطبيعي منتشره في كل مكان ، ولإعتبره الشعب ” الزعيم الملهم ” و” القائد الضروره ” . لكن ما حدث في بريطانيا كان مختلفاً ، فبعد هذا النصر العظيم خاض تشرشل الإنتخابات فخسرها وفاز بها كليمنت أتلي زعيم حزب العمال . إن الناخب البريطاني إعتبر تشرشل بطلاً قومياً عظيماً لكنه قرر إنه ليس أفضل من يقود بريطانيا في مرحلة ما بعد الحرب
ليس معنى ذلك إن الإنجليز لم يعرفوا قيمة تشرشل ، فقد إنتخبوه بعد ذلك من جديد عام 1951 ، وعندما مات نظموا جنازةً مهيبةً تم خلالها إيقاف ساعة بيج بن الشهيره ، علامة أن الزمن يتوقف إجلالاً لتشرشل العظيم ، لكنهم ببساطة لم ينتخبوه لأنهم أرادوا رئيس وزراء جديد بأفكار جديده في مرحلة إعادة بناء بريطانيا . الغريب أن هذا الرأي كان منتشراً بين الشعب الإنجليزي منذ أن تولى تشرشل منصبه ، فقد كتب الكاتب الأمريكي رالف إنجيرسول عندما زار لندن عام 1940 : كل من قابلتهم في لندن يثنون على تشرشل ويؤكدون إنه الرجل المناسب في المكان المناسب ، ولا يتخيلون بريطانيا بدون قيادته الحكيمه الشجاعه ، لكنهم أيضاً جميعاً لا يعتقدون إنه يصلح لرئاسة الوزراء بعد إنتهاء الحرب
هل يمكن أن نقارن موقف الإنجليز من تشرشل بموقف المصريين من عبد الناصر الذي خاض حرب 1967 فحاقت بمصر هزيمة منكرة أدت إلى تدمير الجيش المصري وإحتلال سيناء والجولان والضفه الغربيه والقدس الشرقيه وغزه ؟ لكنه ما أن أعلن تنحيه عن الحكم حتى تظاهر ملايين المصريين ليطالبوه بالبقاء في منصبه بل إن بعض الناصريين لا زالوا حتى اليوم يعتبرونه غير مسئول عن الهزيمةِ
السفاح بشار الأسد قتل نصف مليون مواطن من شعبه ومع ذلك لازال هناك سوريون كثيرون ( بينهم مثقفون وفنانون معروفون ) يعتبرون بشار بطلاً . لازال بيننا عرب كثيرون يدافعون عن حكام سفاحين مثل القذافي و صدام حسين .. ؟ لماذا لم ينتخب الإنجليز تشرشل المنتصر بينما يتمسك العرب بحكامهم حتى لو كانوا مهزومين وسفاحين وفاسدين .. ؟ لماذا يتعلق العرب بحكامهم ؟ هناك أسباب عديده في رأيي
أولها : مفهومنا للدين ( وليس الدين نفسه ) الذي يطالبنا بطاعة الحاكم المسلم حتى لو كان فاسداً وظالماً
وثانياً : لأن الأنظمه العربيه تمارس قمعاً رهيباً ضد معارضيها ، مما يجعل معظم الناس يؤثرون السلامة فيصمتون أو ينافقون الحاكم ليحظوا بالعطايا والمزايا
على أن السبب الأصيل في تعلقنا بالحكام هو طبيعة علاقتنا بالسلطه . في المجتمع الديمقراطى يعرف المواطن حقوقه وواجباته ، وهو لا يعتبر رئيس الدوله رمز الوطن ، ولا شيخ القبيله ولا كبير العائله ، وإنما هو بالنسبة إليه مجرد موظف عام يعمل عند الشعب ، ولابد أن يُحاسب ، ومن الممكن الإستغناء عن خدماته في أيةِ لحظةٍ كما حدث مع تشرشل ، لو قرر الشعب أن هناك من يصلح للمنصب أكثر منه
في عالمنا العربي يتم الخلط في أذهان الناس بين الحاكم والوطن ، وبين الدولةِ والنظام ، فيصبح المعارضون في نظر الناس خونةً للوطن . الحاكم العربي فوق النقد وفوق المحاسبه لأنه يُعتبر والد الشعب ولا يجوز للإبن أن يحاسب والده أو ينتقد تصرفاته . عندما قامت الثوره المصريه في عام 2011 وأرغمت مبارك على التنحي ثم أرغمت المجلس العسكري على القبض على مبارك ومحاكمته غضب حكام الخليج بشدة ليس حباً في مبارك وإنما خوفاً من مفهوم جديد قدمته الثوره يؤكد أن الحاكم موظف عام تجوز محاسبته ومحاكمته لأن هذا المفهوم أكبر تهديد لعروشهم
بعد الثوره إشتركتُ في مواجهةٍ تليفزيونيه ضد أحمد شفيق رئيس الوزراء آنذاك ، فعاملته خلالها بإعتباره موظفاً عاماً من حقنا أن نحاسبه على قراراته ، أُقيل شفيق من منصبه بعد البرنامج لكنى فوجئت في اليوم التالي ببعض الناس يلومونني لأن رئيس الوزراء في رأيهم لا يجوز أن يُحاسب على الملأ بهذه الطريقه . لن يتقدم العرب إلّا إذا أقلعوا عن تقديس الحكام ، وأدركوا إنهم مواطنون لا رعية ، وإن الحاكم يعمل عندهم ويقبض مرتبه من الضرائب التى يدفعونها . فقط عندما نمتلك هذا الوعي سوف تبدأ النهضه