لماذا تقدّم الغرب … وتخلّف المسلمون ؟

محمد برازي‎

لماذا تقدّم الغرب … وتخلّف المسلمون ؟mohamedelbirazi
قضية طرحت للنقاش منذ سنوات ، ومرّت كسحابة صيف في سماء العالم الاسلامي دون أن تحرك أي ساكن ، أو تترك أي أثر على الأرض ولا حتى على العقول ، وكان هذا الطرح فرصة سانحة لكل واعظ وشيخ وخطيب وداعية وإمام وأديب وزاهد وتقي وورع …. لأن يجرّب صوته وقلمه بالكتابة حول هذا الموضوع ، والغريب في الأمر إن كل الذين كتبوا في هذا الموضوع كان اسلوبهم بالكتابة واحد ومنهجهم واحد ، ليتوصلوا الى نتيجة واحدة وكأنهم اتفقوا عليها مسبقاً فيما بينهم ، أو ربما كانت هي النتيجة الحتمية للمنهج الذي تربوا عليه ، ولا يستبعد أن يكون ذلك عن طريق الاستنساخ ، وكانت النتيجة هي ( الاسلام هو الحل )
وقرروا أن سبب تخلّف المسلمين العلمي والثقافي والسياسي والاجتماعي ، وكل هزائمنا التي منيت بها امتنا عبر التاريخ ، اضافة الى أن تفرّق الأمة وضياعها وتشتت أفرادها هو ( ابتعادنا عن الاسلام )
ففي صلاة الجمعة يقف الخطيب منتفشاً كديك رومي يخاطب المصلين وبلهجة استعلائية استفهامية وانكارية وعدوانية همجية بقوله ( آمنوا تأمنوا ) وكأنّ المصلون الذين اغتسلوا وتطيّبوا ولبسوا ثيابهم النظيفة وقصدوا المسجد تلبية لقوله سبحانه وتعالى ( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا الى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ) يخاطب هؤلاء المسلمون وكأنهم بقايا من كفار قريش ، وخاصة عندما يتهجّم عليهم منرفزاً مهدداً متوعداً آمراً وناهياً ويقول لهم ( تريدون الأمن … آمنوا تأمنوا ) كيف يأمر خطيب الجمعة المؤمنين بالإيمان ؟ لقد كان الأجدر بهم أن يتساءلوا بعد هذه الخطبة ( هل نحن مسلمون ؟ )
وبعد ذلك يحق لنا أن نتساءل : لماذا تخلف المسلمون ؟ فيأتيك الجواب : لأننا ابتعدنا عن الاسلام … والاسلام هو الحل .
والسؤال الذي يفرض نفسه : لماذا كان تخلف غيرنا عن الاسلام سبباً لوصولهم الى سبر أغوار الفضاء ، ومن ثم سيطرتهم وهيمنتهم على أكثر الكرة الأرضية بما فيها من بشر وغنم وزرع وكنوز ؟ وكيف يكون في الوقت ذاته تخلفنا عن الاسلام بالنسبة لنا هو : التقهقر الى الوراء ، والتخلف والذل والمهانة والخنوع والاستسلام ؟
علماً بأن أصغر داعية في العالم الاسلامي يملك من الألقاب النصف إلهية أو أكثر مايضاهي به أكبر عالم ذرّة في العالم ! بل إن أكبر عالم ذرّة وعالم فضاء وعالم تقنيات بل وأي عالم في هذا العالم لايجرؤ على أن يطمح الى معشار هذه الألقاب
ولدينا من الكتّاب والوعاظ والعلماء الذين أفنوا عمرهم في مؤلفات كانت كلها عبارة عن ( عصرنة لمصطلحات عصور الإنحطاط وإعادة صياغتها بلغة الحداثة ) وكانت كل خطبهم ليوم الجمعة هي تكرار واجترار لتوصيف معركة بدر أو معركة أحد أو الإحتفال بمناسبة الأنصار والمهاجرين أو بوضع الحبوب على رؤوس الجبال للطيور التي رفضت الحياة مع هؤلاء الناس فهاجرت الى اعالي الجبال ؟ أو غير ذلك من الأحداث العادية أو الخرافات والسذاجات والترهات التي دوّنت في كتب التراث وإضاعة الوقت بالاهتمام بإظهار أدق التفاصيل فيها وقراءة حرفية لما جاء في كتب السير والقصص و التاريخ والتي تصف العنتريات الفردية في مواقف خيالية ؟
ونعود للسؤال : لماذا تقدم الغرب وتخلف المسلمون ؟ بعد أن كانوا مشاعل وروّاد للعلم والمعرفة والاكتشاف والقوة .
لقد تقدم الغرب وبكل بساطة لأنه أخذ بالأسباب الإلهية الكونية وأعمل العقل فيها ، والتي كانت سبباً لما توصلوا اليه وتقدموا وبرعوا فيه من الرفاهية ، أما المسلمون فقد أُغرقوا في مستنقع من الوعظ المنقوع بالإنشاء وكانت قمة ابداعاتهم في كتابة أبيات من الشعر لتأريخ الوفاة أو الختان وقد تقرأ هذه الابيات طرداً وعكساً .
ففي الغرب مثلاً هناك موسوعات علمية للأطفال مثل ( ب.ب. انشتاين ) وعندنا مدارس علمية بعنوان ( مشروع خطيب الأمة ) ويقول الخطيب الصغير ( انه يحرص دوماً على سماع خطبة الجمعة ، ويقضي وقتاً طويلاً في قراءة الكتب الدينية ليحفظ منها المواعظ والدروس الاسلامية ، مشيراً الى ان مشروع خطيب الأمة تبنى حبه للخطابة وأخضعه للتدريب تحت يد وعّاظ كبار .
ان سبب التقدم في الحياة هو الأخذ بالأسباب الكونية والتي يشترك فيها المسلم مع غيره ، وهذه السنة الإلهية لا تحابي أحداً تلك الأسباب التي تخلّى عنها المسلمون وتلقفها الغرب ليبدأ عندهم عصر النهضة ، ويقابله عند المسلمين عصر الانحطاط ؟ والذي لازلنا نتفيؤ ظلاله حتى اليوم ، لأن الاسباب تقول :
إن من يملك القوة هو الذي يمتلك القرار ، وذلك مصداقاً لقوله سبحانه وتعالى ( وأعدوا لهم ماستطعتم من قوة ) وكيف جاءت هنا كلمة قوة نكرة لاستيعاب كل ما يندرج تحتها من انواع القوة ، ثم يأتي أحد الدعاة المتسلقين ويلقي مواعظه بأن المقصود هو : القوة المتاحة وليس القوة المكافئة ؟! ويتبعه ملفّق آخر ليدعي بقوله : اننا نجابه الغرب بقوة المنطق وليس بمنطق القوة ؟ ليبهر العوام بهذه البلاغة الباهتة ، بينما الغرب يقابلنا بمنطق القوة ، بعدما تمثّل الغرب بقول الشاعر :
الحق ليس وإن علا بمؤيد ………… حتى يحوط بجانبيه حسام

About محمد برازي

الدكتور محمد برازي باحث في العلوم الاسلامية والقانونية من دمشق ، مجاز من كلية الشريعة بجامعة دمشق ، دكتوراة في عقد الصيانة وتكييفه الفقهي والقانوني ، مقيم في ستوكهولم .
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.