الجزء الثاني
تكلمنا في الجزء الاول من مقالنا هذا ( لا يوجد في القرآن ما يتهم الكتاب المقدس بالتحريف – الجزء الاول )
عن عدم وجود دليل في القرآن عن تحريف نصوص الكتاب المقدس ومنه التوراة . وان ما جاء في بعض الايات بهذا الخصوص لا يعدو كونه تحريفا بالتأويل او المعنى اثناء القراءة والتلاوة فقط . او قيام بعض اليهود بكتابة ايات من التوراة بالعربية و بيعها لجهال المسلمين بقصد كسب الاموال منها .
وهذا لا يطعن بتحريف نصوص الكتاب المقدس المنتشر في كل ارجاء العالم .
ونكمل في الجزء الثاني
التغيير بالمعنى وليّ اللسان بالتلاوة لا يطعن بصحة الكتاب المقدس
في سورة النساء 46 :
” مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً “
يالنص يقول : يحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ
المقصود هنا التغيير في المعنى و تحريف الكلام عن مواضعه الصحيحة قولا بالسنتهم ، وليس بتغيير كتابة نصوص الكتاب.
في تفسير الطبري لهذه الآية يقول : [ وأما تأويله ( يحرفون الكلم عن مواضعه ) اي يبدلون معناها ويغيرونها عن تأويله] . [ ليّا بألسنتهم وطعنا في الدين] ، وصفهم بتحريف الكلام بألسنتهم والطعن في الدين بسب النبي ]
تفسيرالطبري : [ (ليا بالسنتهم) يعني تحريكا منهم بألسنتهم بتحريف منهم لمعناه الى المكروه من معنييه ، واستخفافا بحق النبي ] .
هذا الكلام يخص مجموعة من اليهود كانوا يحرفون الكلام بألسنتهم لغرض ما .
فهل هذا يعني تحريف نصوص كتابهم المنتشر في ارجاء معابد العالم ؟
الاستنتاج : هذه الاية لا تطعن بتحريف نصوص التوراة ايضا .
في الاية 13 من سورة المائدة :
” فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ … “
تفسير الطبري لهذه الآية : { يحرفون (اليهود) كلام ربهم الذي انزله على نبيّهم موسى(ص) فيبدلونه ويكتبون بأيديهم غير الذي أنزله الله جل وعز على نبيّهم ويقولون لجهال الناس : هذا هو كلام الله الذي انزله على نبيّه موسى (ص) والتوراة التي اوحاها اليه } .
وهذه الاية تعني ان بعض اليهود كانوا يمتهنون كتابة بعض الايات التي يحرفونها من التوراة ويبيعونها لجهال الناس من المسلمين ليخدعوهم ويكسبوا بثمنها مالا من وراء تجارتهم هذه . لكن هذا لا يعطي معنى التحريف بكتابة نصوص توراتهم الاصلية التي يقرؤونها ويحتفظون بها في معابدهم في ارجاء العالم . فهل ما يفعله بعض اليهود في مكة او المدينة ينطبق على كل يهود العالم ؟
اذن هذه الآية هي الآخرى لا تطعن في مصداقية التوراة مطلقا ولا تؤكد تحريف نصوصها . فاين هو التحريف الذي يشيعه شيوخ المسلمين على الجهال من الناس؟
التحريف باللسان لا يعني تحريف النصوص
في الاية 78 من سورة ال عمران :
” وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ” .
في تفسير الطبري عن ابن جريج قال: { فريق من أهل الكتاب (اليهود) يلوون السنتهم وذلك بتحريفهم اياه (الكتاب) عن موضعه }.
وهذا ايضا لا يعني تغيير النصوص الاصلية كتابة ، انما تحريف اللفض بليّ الالسن وتغيير المعنى فقط اثناء التلاوة . وهنا القرآن يدافع عن التوراة والكتاب بقوله ( وما هو من الكتاب – وما هو من عند الله) .
فهل هذه الاية تشير الى تحريف نصوص الكتاب المقدس المنتشر في كل العالم ؟
اين التحريف اذن يا شيوخ المسلمين ؟
لحد الان لم نجد اية آية تطعن بتحريف نصوص الكتاب المقدس الاصلي وخاصة التوراة ، انما اتهامات لبعض اليهود المحليين والمعاصرين لمحمد بليّ السنتهم وتحريف الكلام اثناء التلاوة او كتابة ايات يبيعونها لجهال الناس بعد ترجمتها الى العربية لكسب اثمان من وراءها.
في الاية 41 من سورة المائدة :
” يا ايها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر (من الذين قالوا) امنا بافواههم ولم تؤمن قلوبهم (ومن الذين هادوا) سماعون للكذب سماعون لقوم اخرين لم ياتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون ان اوتيتم هذا فخذوه وان لم تؤتوه فاحذروا ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا “
لازال التركيز في هذه الاية على تحريف الكلام من موضعه باللسان وليس تحريف النصوص المكتوبة، وتختص الاية (ببعض اللذين قالوا)، و (بعض الذين هادوا) وهؤلاء البعض لا يمثلون كل يهود العالم. ولم يحرفوا كل نصوص التوراة المنتشرة في اقطار العالم .
فاين هو التحريف في النصوص يا شيوخ المسلمين ؟
التحريف بالاخفاء
في الاية 15 من سورة المائدة :
” يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ ” .
تفسير الطبري : { يبين لكم محمد رسولنا كثيرا مما كنتم تكتمونه على الناس ولا تبينونه لهم مما هو في كتابكم (وخاصة رجم الزانيين المحصنين) } .
في احدى حالات الزنى ، كان اليهود يخفون عن محمد اثناء جدالهم معه اية الرجم في التوراة ، ويذكرون له عقوبة الجلد فقط للزناة ليسالوه عن العقوبة المناسبة التي يراها . فجاءت هذه الاية توضيحا لذلك .
واخفاء ذكر وجود الايات المكتوبة في التوراة العبرية لا يعني مطلقا تحريف التوراة الاصلية . وهذه الاية لا تشير الى تحريف نصوص التوراة بل اتهام بعض اليهود بأخفاء ما في كتابهم من عقوبات . والموضوع يخص بعض اليهود المعاصرين لمحمد وليس كل يهود العالم . فلا يجوز التعميم على الكل .
فاين هو التحريف ؟