بُعد الزمن ومر الأيام لا يقدران أبدا أن يزيلا بعض المشاهد والأحداث عن الذاكرة، فتلعب هكذا أحداث ومشاهد دورا نافذا وعظيما حقا في الثقافة الاجتماعية وفي شخصية كل فرد بالمجتمع.
عام 1978، سحقت الثورة ضد الملكية بساط الظلم والطغيان والدكتاتورية، لفترة وجيزة في المجتمع الإيراني، وضخت روح الحرية والسرور في جثة المجتمع ولكن لاحقا وقعت أحداث واختُلقت مشاهد تمخضت عنها نقلات نوعية ورؤيات حديثة وكذلك تهديدات للسلام والأمن للبشرية.
أتذكر يوم 7 ديسمبر عام 1980، حيث كنت أمر من أمام جامعة طهران، وكان هكذا يوم يعيد للذاكرة هدير الاعتراضات الطلابية ومقاومتهم في إيران بوجه دكتاتورية الشاه، عقب إنقلاب 19 أب/أغسطس 1953 المخزي ضد حكومة الدكتور محمد مصدق الوطنية. ذاك اليوم، اجتمع الكثير من الطلاب الجامعيين أمام الجامعة حيث لاحظتُ طالبة كانت تتكلم بحماس وبملئ قلبها وسط حلقة من الطلبة كانوا يستمعون إليها بكل دقة وهي تدافع عن مواقف منظمة مجاهدي خلق. وبعد ذلك بساعات، ولما كنت راجعا في الطريق نفسها، رأيتها مرة ثانية ظلت تتكلم وسط حلقة أخرى من طلاب المدارس، فاقتربت من الحلقة شيئا فشيئا وتقدمت نحوها، فكنت أتوق إلى معرفتها وهي تتحدث في غاية شوق وحماس بكلامها البليغة الجذابة، عن وقوف الطلاب الجامعيين أمام الدكتاتورية عام 1953 وكذلك عن المقاومة الطلابية بوجه المتطرفين والبلطجة، طيلة العامين الاثنين اللذين مضيا من الثورة ضد الملكية، مبشرة بقضية الحرية ومجتمع حديث.ومحاولتها للتثقيف والتوعية وإفهام الأحداث للمستمعين كانت مثيرة للغاية. والحقيقة أن كلامها آنذاك كان توصيفا وتحذيرا بشأن التهديد الذي ستتعرض له البشرية بعد مرور عقدين أو ثلاثة عقود ألا وهو التطرف الديني، تلك الظاهرة المشؤومة التي أخذت تتفشى في العالم كله وظهرت بصورة تهديد عالمي محدق بثماره الخبيثة، الإرهاب ومعاداة المرأة والدمار والنهب والذبح و…
كانت الفتاة تُدعى ”بوران نجفي“ التي تعرضت هي في ما بعد لأحداث مروعة للغاية من تعذيب وسجن ووقائع مؤلمة. وكتبتْ ذكرياتها عن فترة قضائها وراء قضبان السجن في كتاب بعنوان ” لا يمكن شد الشمس بالوثاق“ وذلك بعد تجاوزها كل تلك الكم الهائل من المشاكل والابتلاءات، رافعة الرأس، وبعد أن كانت انضمت إلى قافلة مقاتلي درب الحرية في مدينة أشرف. واستأثرت ذكرياتها بعد مرور عقدين باهتمام كبير من قبل شخصيات دولية.
في مستهل الكتاب، وفي تمهيد مطول وحماسي منها، وصفت سيدة الأدب الإيطالي ”داتشا ميرايني“ التي تأثرت بشجاعة المرأة الإيرانية في سجون الملالي المخيفة تأثرا عميقا، وأصحبت منجذبة لها إلى حد كبير، محاولة البنات والأبناء الإيرانيين، هؤلاء اللائي خطو خطوات للدخول في ميدان السياسة لكي يبنو الوطن، وكتبت عن العنف المفرط في سجون الملالي وعن مقاومة السجناء العظيمة وقاستها بمقاومة أول المؤمنين للمسيح قبل ألفين سنة، معتبرة أن مقاومة المرأة الإيرانية في سجون الملالي بأنها نموذج من المرأة الإيرانية ذات عشق عميق للحرية ممن دفعهن حماسهن لحرية الشعب ولتحرير بلادهن إلى طريق النضال والمقاومة، مؤكدة أنه وفي هذا الكتاب ومن خلال ذكريات السجن، يمكن ملاحظة كيف أن غير التطرف الديني تاريخ إيران والعالم.
وبدوره يؤكد مترجم الكتاب إسماعيل محدث إن قصة مقاومة المرأة الإيرانية، حكاية نضال كل منا من أجل الحرية. فيجب ألا ننس أننا 99% ومن يريدون أن يشدونا بالوثاق في كل أرجاء العالم يشكلون 1% فقط لذلك فلا شك أنهم سيُهزمون لا محالة.
نُقلتْ بوران نجفي عام 2011 ومعها رفقاء ورفيقات دربها قسرا، من أشرف إلى ليبرتي.
أقطعُ دَرْج الزمن وأوصل نفسي إلى مقربة الزمن الراهن وإلى ليلة من الليالي الصافية والمزدانة بالنجوم من شهر يونيو- حزيران 2012، لكن قلبي لا تتحمل بعد استذكار تلك اللحظات المؤلمة التي سقطت فيها بوران نجفي شهيدة، في الهجوم الصاروخي على مخيم ليبرتي بيد عملاء النظام الإيراني.
فكانت قد كتبتْ في كتابها ”كلما زدتُ صلابة وايمانا بقضيتي، قضية الحرية، كلما زدت أحساسا بأنني أتعرض لأحداث أكثر صعوبة ومصيرة حافلة بالابتلاءات، ولكني ما وهنت ولم اتردد لحظة وكنت أرحب بها بحلاوة وهذه هي سر بقائي وبقاء سائر أصدقائي“.
*كاتب ايراني
-
بحث موقع مفكر حر
-
أحدث المقالات
-
- هل تعديل قانون الأحوال الشخصية يعالج المشاكل الاجتماعية أم يعقدها.. وأين القيم الأخلاق من هذه التعديلات ………..؟بقلم مفكر حر
- تلغراف: تأثير #الدومينو علی #ملالي_إيران وتحولات السياسة الغربيةبقلم حسن محمودي
- الميلاد آتٍبقلم مفكر حر
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلاميةبقلم صباح ابراهيم
- ستبقى سراًبقلم عصمت شاهين دو سكي
- #إيران #الولي_الفقيه: تأجيل قانون العفة والحجاب… ما القصة؟!بقلم مفكر حر
- إشكالية قبول الأخربقلم مفكر حر
- موسم إسقاط الدكتاتوريات في #الشرق_الأوسط!بقلم مفكر حر
- ردود فعل مسؤولي #النظام_الإيراني على #سقوط_الأسد: مخاوف من ملاقاة نفس المصيربقلم حسن محمودي
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **بقلم سرسبيندار السندي
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **بقلم سرسبيندار السندي
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **بقلم سرسبيندار السندي
- ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.بقلم مفكر حر
- ** تساءل خطير وحق تقرير المصير … هل السيّد المَسِيح نبي أم إله وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- ابن عم مقتدى الصدر هل يصبح رئيساً لإيران؟ طهران مشغولة بسيناريو “انقلابي”بقلم مفكر حر
- ** ما سر تبرئة أل (سي .آي .أي) لبوتين من إغتيال نافالني ألأن **بقلم سرسبيندار السندي
- هل تعديل قانون الأحوال الشخصية يعالج المشاكل الاجتماعية أم يعقدها.. وأين القيم الأخلاق من هذه التعديلات ………..؟
أحدث التعليقات
- منصور سناطي on من نحن
- مفكر حر on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- معتز العتيبي on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- James Derani on ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **
- جابر on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- صباح ابراهيم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **
- الفيروذي اسبيق on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- س . السندي on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- عبد الحفيظ كنعان on يا عيد عذراً فأهل الحيِّ قد راحوا.. عبد الحفيظ كنعان
- محمد القرشي الهاشمي on ** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسية
- صباح ابراهيم on ** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :