كانت أقسى لحظات طفولتي المبكرة يوم تقودني أمي قسرا إلى صالون الحلاق.
كم تمرغت عند قدميها أتوسل إليها أن تعفيني من تلك الرحلة دون جدوى، فالسيدة والدتي جنرال عسكري وأمره بين الكاف النون!
كان الحلاق خالها، و يبدو أن فرق التسعيرة بين حلاق الرجال وحلاق النساء كان سبب اصرار أمي على جري إلى محل خالها.
أتفهم اليوم موقفها لكنني لا أستطيع أن أقبله، وخصوصا بعد أن اكتسبت قناعة مطلقة من أن طفل اليوم هو إنسان المستقبل بكل نجاحاته واخفاقاته، وبأننا كآباء مسؤولون دوما عن المستقبل!
كنت أكره خال أمي لأنه كان يضع كرسي الحلاقة على قارعة الرصيف، ويرش في النهاية على رأسي عطرا يقلب معدتي!
كنت أخشى أن يراني طلاب الصف وأنا أمتطي كرسي حلاقة للرجال، وكنت أخشى أن يشم أحد عطري فيتقيأ!
………
طال شعر حفيدتي جازي إلى حد غير مقبول، وكنت على علم من أن المفاوضات السرية والعلنية تجري على قدم وساق يوميا بين والديها وبينها، في محاولة شاقة لإقناعها بقص بضع سنتميترات من شعرها.
من يصغي إلى طريقة المفاوضات يظن أن جازي سيدة الموقف بلا منازع، لكن بالنسبة لوالديها كانت الطريقة المثلى لإقناعها بضرورة القيام بعمل لا تحبه، دون أن تُجبر قسرا عليه!
الوالدان يعيان أن هناك شعرة واهية بين أن تحتفظ بسلطة الابوة ـ التي هي حكما ضرورية ـ وبين أن تسيء إلى كيان الطفل، وحاولا جاهدين عدم قطع تلك الشعرة!
…….
كتبت لي ابنتي اليوم تقول:
Today is a big day
، اليوم يوم هام في حياتنا.
استغربت العبارة، وقلت: عسى خيرا، حتى وصلتني مجموعة صور تشرح معنى العبارة، وكانت بمثابة البيان الختامي للمفاوضات التي بدأت منذ أكثر من شهر!
……
يقول فرويد: لا تستطيع أن تفهم أي واقع مالم تقرأه على ضوء علم النفس!
عندما احاول أن أفهم هذا الصراع الدموي الدائر، لا أراه ـ كما يراه البعض ـ صراعا بين ظالم ومظلوم ـ بل أراه صراعا بين مظلوم ومظلوم آخر.
هذا القتل العشوائي هو في مجمله انتقام لطفولات مسروقة، ولأحلام موؤدة، ولرغبات مقموعة، ولكيانات نفسية محطمة ولآمال خائبة….
الظالم كان يوما مظلوما، وظلم المظلوم هو الأظلم!
………
اليوم ـ وخصوصا بعد التطورات الأخيرة على صعيد العلاقات بين دول الخليج، وما صدر عن السعودية من بيانات مذهلة بشأن الإرهاب ـ اليوم لا أحد يعرف مَن
ضد من، ومَن مع مَن!
هذا الخبط العشوائي هو تجسيد لحقيقة شعوب لم تتبلور الرؤيا عند إنسانها يوما، بل ظلت خليطا لأفكار متصارعة متضاربة لم ترق إلى مستوى عقلاني!
في خضم هذا الصراع العشوائي تذكرت عبارة لرئيس أمريكي سابق، أعتقد جيفرسون ولست متأكدة، يقول فيها:
If you want to coquer them confuse them first،
بمعنى: إذا أردت أن تهزمهم خربطهم ـ حيرهم وبلبلهم فكريا ـ أولا!
هل يمكن أن يصل شعب إلى بلبلة فكرية أسوأ مما نحن عليه اليوم؟
…….
باختصار: لا تستطيع أن تبلبل شعبا إلا إذا كان انسانه قد قُتل نفسيا في مهده!
فارحموا اطفالكم!
ماقل ودل … لكل محلل ذي عقل ؟
١: ان ما ذكرته عين العقل والصواب ، فمايجري هو فعلا صراع بين مظلومين ومظلومين ، ولكن أحيانا يكون صراع بين ظلام وظلام ، والدليل ما ان يستمكن المظلوم من ظلامه حتى يصير أشر منهم ، وهذا ما نجده في غالبية بلداننا وتاريخ منطقتنا ، والفضل لهذا السلوك المعيب والمشين يعود التربية الدينية ( الاسلامية )التي توصي العين بالعين والسن بالسن والرجل العادل والعاقل من يضبط موازينه ؟
٢: لاتياسو يأسيدتي فمصير شعوبنا شاءو ام ابو فاما التعقل رغم أنفهم وأما الفناء ؟
٣: واخيرا: صدق من قال ( ان مايجري في بلداننا فوضى خلاقة ) اي يعجز عقل عاقل تصديق مايجري ؟