لا أحد فينا صنع نفسه بنفسه

وصلتني رسالتها تقول: ماما، اليوم هو أول يوم دراسي في حياة بنجي.. أرجوك أن تتمني له رحلة دراسية موفقة!wafasultan2015
ثم أمطرتني بوابل من الصور التي تجسد اللحظات الأولى في هذا اليوم!
قالت في رسالتها: اشترينا له الحقيبة التي سيضع بها وجبة الظهيرة منذ اسبوع، ومنذ يومها وكل صباح يستيقظ باكرا جدا، يأتي إلى غرفتي: ماما قومي حضري لي وجبة الظهيرة! وتبدو على وجهه علامات الإحباط عندما أرد: لم يأت يوم المدرسة بعد! ثم تابعت: ماما: لا أدري إن كانت مشاعر بنجي تجاه المدرسة تتعلق بحبه للكتب أم لوجبة الظهيرة!
كنت لحظتها غارقة حتى قمة رأسي بقراءة كتاب في رحلة استجمام بعيدا عن ضغوط الحياة.. وكنت قد وصلت إلى الصفحة 203 لا تصدقوني بعد اليوم إن قلت لكم هذا أجمل كتاب قرأته، فكل مرة أقرأ كتابا أظنه الأجمل… لا أعرف إن كان هناك خطط كونية في غاية الدقة، علما بأنني أجنح للإيمان بتلك الخطط! دندن التلفون بجانبي يخبرني بوصول رسالة ما، وأنا في منتصف تلك الصحفة…. اختلط علي الأمر فظننت أن ماجاء في رسالة فرح هو امتداد لما قرأته في تلك الصفحة، أو العكس!
…….
الكتاب بعنوان :
Winners Don’t Cheat،
الرابحون لا يغشون! للبليونير الأمريكي
Jon M. Huntsman
على الصفحة الخارجية وفوق العنوان كُتبت عبارة تقول:
A self-made billionaire speaks out on honesty and generosity
بليونير صنع نفسه بنفسه يتحدث عن أهمية المصداقية والعطاء. لكن في تلك الصفحة التي كنت قد وصلت إليها يعترض الكاتب على عبارة “بليونير صنع نفسه بنفسه”، فيقول:
Not one of us was truly self-made. We were helped or coached by others along the way Thus, we have a special obligation to be on the lookout for opportunity to return those favors, or to pass them on to others
(صدقا لا أحد فينا صنع نفسه بنفسه. لقد تلقينا العون والإرشاد ممن حولنا. لذلك، نحن ملزمون أخلاقيا أن نتطلع لأية فرصة كي نرد جميلهم، أو نمرر قيمهم إلى الآخرين!)
وفي صفحة سابقة كان قد قال ماهو أجمل: (دائما أنتبه إلى ما يقال في خطب التأبين، من النادر أن أسمع أن المتحدث يشير إلى التحصيل العلمي للميت، أو إلى انجازاته، أو إلى أمواله! دائما يركز الخطباء على كيف كانت علاقات الميت بالناس والآثار الطيبة التي تركها في حياتهم! لذلك، يجب أن تبدأ حياتك بكتابة الخطبة التي تريد أن يسمعها الحضور في حفلة تأبينك)
ثم يتابع:
Every day, our eulogies are being written
(كل يوم في حياتنا نكتب سطرا من تلك الخطبة!)
…..
اليوم هو أول يوم دراسي في حياة بنجامين… ستلعب تلك الحقيبة المليئة بوجبة حضرتها له أمه، ستعلب دورا في حياته…
وستكتب سطرا في قصته… قصته التي سيقرأها الآخرون بعد عمر، آمل أن يكون طويلا وسعيدا… هكذا بدأت قصة كل واحد منا، وهكذا سُتقرأ في يوم من الآيام!
لا يستطيع وجه في العالم ـ بما فيه وجه أمي ـ أن يزاحم في ذاكرتي وجه السيدة جورجيت بيطار معلمتي في الصف الأول الابتدائي، ولا يستطيع أن يشوّش على البشاشة التي اعترت وجهها في اليوم الأول من هذا الصف! لروحها السلام….
لا تستهن بالأثر الذي يتركه أي تصرف للآخرين في حياتك، جميلا كان أم قبيحا… تلك التصرفات تساهم في صناعتك…
ضع في ذهنك أنك لا تستطيع أن تتحكم في تصرفات الناس لكنك تستطيع أن تتحكم بما تتعلمه منها. عليك أن تستلهم من جميلها ومن قبيحها حكما تدفعك نحو الأفضل، فالحكمة تُستلهم من الجميل ومن القبيح على حد سواء!
….
لقد كتبتُ بقراءتي لهذا الكتاب سطرا آخر في الخطبة التي سيقرأونها في حفلة تأبيني.. فلقد قمت بتمرير قيمة تعلمتها منه إلى قرائي، وأريدهم أن يكملوا رسالتي بتمريرها يوما إلى غيرهم.
….
كل ما أتطلع إليه أن يقول الحضور بعد سماعهم للخطبة التي ستُلقى في حفلة تأبيني: ماتت، لكنها تركت أثرا طيبا!
وكل ما أخشاه أن أموت وبجانبي كتاب لم أقرأه بعد!

About وفاء سلطان

طبيبة نفس وكاتبة سورية
This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.