لانتفاضة الثالثة انتفاضة الكرامة (30) شكاوى سياسية وتحديات أمنية إسرائيلية

mostafalidawiرغم مظاهر القوة والتفوق الإسرائيلية، وادعاءات السيطرة والهيمنة، وارتفاع أعداد الشهداء ومضاعفة أعداد الجرحى الفلسطينيين، وقلة عدد القتلى الإسرائيليين، الذين بلغ عددهم بعد مضي أكثر من شهر على بدء الانتفاضة، اثنا عشر قتيلاً دهساً وطعناً، وعدم خطورة أغلب المصابين منهم، الذين يغادرون المستشفيات بعد ساعاتٍ قليلة من دخولهم إليها، نتيجةً لإصابتهم المباشرة، أو بسبب الأزمات النفسية التي يتعرضون لها جراء اتساع نطاق عمليات الطعن والدهس، وتحولها إلى هاجسٍ يلاحقهم وكابوسٍ يداهمهم.

فضلاً عن عدم انتشار الأحداث إلى عمق المدن الإسرائيلية، سوى مناطق قليلة متفرقة لا تشكل حالةً أو ظاهرة، واقتصارها فقط على مناطق مغلقة في القدس وفي مدن الضفة الغربية، وخلف الأسلاك الشائكة في قطاع غزة، بما لا يشكل خطراً كبيراً على حياة الإسرائيليين، حيث تبدو حياتهم طبيعية في تل أبيب وبقية مدنهم وتجمعاتهم، ولا يشعر المواطنون بأن شرارة الأحداث قد تنتقل أو تصل إليهم، أو أن سكاكين الفلسطينيين قد تطالهم وتصيبهم، فلا يجدون أنفسهم مضطرين للالتفات إلى الخلف أو على الجانبين ليتقوا أي طعنةٍ أو هجومٍ مفاجئ.

إنها كلماتٌ إسرائيلية وتحليلاتٌ صهيونيةٌ، بأقلامٍ يهودية وأخرى مؤيدة لهم ومناصرة، إلا أنهم رغم محاولات تطمين النفس والمجتمع، وأوهامهم التي يعيشون عليها، وهذه الادعاءات التي يحرصون على ترويجها لإضعاف الفلسطينيين وإحباطهم، وإشعارهم بأن جهودهم تذهب هباءً، وأنها لا تحقق شيئاً، ولا تلحق بالإسرائيليين خسائر، وأنهم يفقدون حياتهم، ويتسببون في خراب بيوتهم ودمار منازلهم وتشتيت عائلاتهم، فمن الأفضل لهم حتى يحقنوا دماءهم ويحفظوا حياتهم، ويحافظوا على ما بقي بين أيديهم، أن يتراجعوا عن فعالياتهم، ويتوقفوا عن انتفاضتهم، ويمنعوا “المخربين” عن عملياتهم، الذين يورطونهم أكثر، ويجرونهم إلى مستنقعٍ أكبرٍ، لن يزيدهم إلا خسارة وندماً، وفقداً وألماً، وتيهاً أشد وفترة ضياعٍ أطول.

رغم ذلك فإن صوت القيادات الأمنية يعلو ويصخب، ويعلن العجز والضعف عن مواجهة العمليات الفردية الفلسطينية، التي يطلقون عليها اسم عمليات “الذئب الواحد أو المنفرد”، حيث أن أغلب العمليات التي نفذها شبانٌ وشاباتٌ فلسطينيون، قد كانت عمليات فردية غير منظمة، لا يتبع منفذوها إلى تنظيمات وأحزابٍ فلسطينية معينة، ولا يتلقوا منها تعليمات ولا مساعدات، وهو الأمر الذي يعقد مهمة الأمنيين الإسرائيليين، الذين يشكون من نقص المعلومات وقلة الدلائل والشبهات، فضلاً عن أن أغلب منفذي العمليات ليس لهم سجلاتٍ أمنية، ولا شواهد تدل على ميولهم ونزعاتهم الوطنية.

لهذا فإنهم يعجزون عن إحباط هذه العمليات وإفشالها قبل وقوعها، نظراً لعدم قدرتهم على اعتقال المشتبه فيهم، لقلة المعلومات أو انعدامها عنهم، حيث أنهم يعتبرون مجهولين بالنسبة إلى المجموعات والخلايا الأخرى، التي غالباً تساعد اعترافاتهم أثناء التحقيق والاعتقال المنظم على إحباط عملياتٍ قادمة، واعتقال خلايا نائمة، وإفشال مخططاتٍ قائمة، ولكن الحالة هنا باتت مختلفة وصعبة، نظراً لأن المنفذين يعملون وحدهم، ويقررون بأنفسهم، فلا يستأذنون ولا يشاورون، ولا يطلبون المساعدة والإسناد، ولا الرصد والتمويل، وهذا من شأنه أن يقلل من حجم المعلومات المتبادلة، التي من شأن امتلاك المخابرات لها، أن يحبط أو يتنبأ ببعضها.

أمام هذه المعضلة الحقيقية التي يعترف بها الإسرائيليون جميعاً، ويشكون منها بخوفٍ وقلقٍ، فإن حكومتهم ترفع صوتها عالياً، تطالب المجتمع الدولي أن يقف معها ويساندها، وأن يضغط على السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية لتتعاون معها، وتزيد من درجة التنسيق الأمني مع أجهزتها، وأن تدفعها لبذل المزيد من الجهد لإحباط أي عملية قبل وقوعها، فهي تستطيع أكثر من غيرها أن ترصد الغائبين وتتعرف على نوازعهم وميولهم، ولدى أجهزتها الأمنية من الأدوات والوسائل والسبل ما يمكنها من تحقيق إنجازاتٍ أكبر، وهي تؤكد للسلطة الفلسطينية أن أهدافهما مشتركة، ومخاوفهما واحدة، وعلى عواصم القرار الدولية أن تفهم ذلك وتدركه.

هذا ما عبر عنه بوضوح رئيس حكومة الكيان بنيامين نتنياهو الذي شكا الفلسطينيين إلى العالم، مدعياً أن جيشه يحمي القدس والمسجد الأقصى من وقوعه في أيدي المجموعات الإسلامية المتطرفة، ومنها تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، الذي من الممكن أن تسيطر على القدس والمسجد الأقصى، وأن تعيث في الأرض الفساد، وتقتل الأقليات وتخرب الآثار، وقد تقوض السلطة الفلسطينية وتعتدي على رموزها، والشواهد التي يملكها العالم عن تنظيم داعش كبيرة وكثيرة، ولهذا فإنه يطالب قادة المجتمع الدولي أن يدعموا سياسته، وأن يؤيدوا إجراءات جيشه، ولا ينتقدوا ممارساته، وألا يصغوا إلى الشكاوى الفلسطينية والعربية، فجيشه -بزعمه-يقوم بالنيابة عن العالم بحماية الأماكن المقدسة، ويمنع سقوطها في أيدي المتطرفين والمتشددين الإسلاميين، ويحفظ حقوق أصحاب الديانات كلها في ممارسة حقوقهم وطقوسهم الدينية.

هذا بعض ما يحمله نتنياهو في زيارته إلى واشنطن، فهو يطمح أن يقنع الرئيس الأمريكي باراك أوباما وسادة البيت الأبيض بأن ما تشهده القدس والمناطق الفلسطينية ليست ثورة ولا انتفاضة، ولا هي محاولات لنيل الحقوق واستعادة المقدسات كما يدعون، إنما هي عملياتٌ إرهابية تخريبية، المقصود منها ترويع المواطنين وقتل السكان، وما السكين التي يستخدمونها في الطعن والقتل إلا امتداد لسلوكيات داعش وتصرفاتها، التي ينبذها العالم ويرفضها، ويخشى من انتشارها واتساع رقعتها، ويبدو أن باراك أوباما قد صدق حجة نتنياهو، وكذب الأدلة والصور، والشواهد والحقائق، فأعلن في استقباله لضيفه إدانته لعنف الفلسطينيين، وأكد على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.

بيروت في 11/11/2015

About مصطفى يوسف اللداوي

د. مصطفى يوسف اللداوي • فلسطيني من مخيم جباليا بقطاع غزة، مواليد العام 1964. • معتقل سابق لتسعة مرات في السجون الإسرائيلية. • أُبعد إلى جنوب لبنان من سجن غزة المركزي بصحبة ثلاثة أخوة آخرين إلى جنوب لبنان. • دكتوراة في العلوم السياسية وليسانس شريعة إسلامية. • رئيس الكتلة الإسلامية الأسبق في جامعة بيرزيت. • ممثل حركة المقاومةىالإسلامية "حماس" السابق في كلٍ من سوريا ولبنان. • المدير العام الأسبق لمؤسسة القدس الدولية في لبنان، وأحد الذين ساهموا في تأسيسها. • عضو لجنة العلاقات العربية "سابقاً" في حركة حماس. • متفرغ منذ العام 2004 لأعمل البحث والكتابة والدراسة. • له تسعة مؤلفات أغلبها عن الصراع العربي الإسرائيلي وهي ... o الأسرى الأحرار صقورٌ في سماء الوطن "مجلدان". o الصليبية من جديد ... دفاعاً عن رسول الله. o القدرات النووية الإسرائيلية بين الغموض والإرهاب. o الإرهاب الصهيوني مسيرة شعب وتاريخ أمة. o قراءة في العقل الإسرائيلي. o القضية الفلسطينية خفايا وأسرار "حوار". o القضية السودانية بين صراع الداخل ونفوذ الخارج "حوار" o الأزمة الجزائرية جدل المعارضة والسلطة "حوار". o العدوان الإسرائيلي على غزة، جزءان "تحت الطبع".
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.