لأول مرة في حياتي أقوم بعملية تصويت

Bassam Yousef

انا من مواليد ١٩٦١ ، ولم اغادر سوريا يوما واحدا حتى عام ٢٠١٢.
عمري الآن ٥٧ سنة، قمت بعملية التصويت بحرية كاملة مرات كثيرة في حياتي، لكن المفارقة الفاجعة أن كل عمليات التصويت الحرة، وبكامل القناعة، التي قمت بها في سوريا، كانت في السجن (المعتقل)، هناك كنا نصوت على كل شيئ، حتى على كمية السكر التي سنضعها في إبريق الشاي.
لم يكن الأمر ترفا، أو مبالغة، كنا – وبمواجهة ندرة المواد وظروف السجن القاسية – مضطرون لضبط كل شيئ، حتى عدد السجائر، وكمية الزيت المسموح استعمالها، و… و…
كنا نعقد جلسات مطولة لنقاش مثل هذه الأمور، وتقدم مداخلات مطولة تدخل فيها علوم الصحة والاقتصاد والنفس وحتى الدين أحيانا.
اليوم لأول مرة في حياتي أقوم بعملية تصويت تتناول الشأن العام لبلد بكامله، وأنا بكامل حريتي وقناعتي دون أي خوف، أو تفحص لوجوه الآخرين لمعرفة عناصر المخابرات من غيرهم.
ثلاث نساء فقط في مركز التصويت، تستقبلك إحداهن لتجيب عن اسئلتك، وتتولى الأخريات تدقيق هويتك وإتمام عملية التصويت .


حيتني المرأة التي تقف على مدخل قاعة التصويت وسألتني إن كنت بحاجة لمساعدة، فقلت لها وأنا أشعر بخجل شديد انها المرة الأولى في حياتي التي امارس فيها عملية تصويت، فشرحت لي كيف أقوم بالامر.
عندما خرجت من الغرفة السرية واتجهت إلى حيث تجلس السيدتان كي أضع ورقتي في صندوق الاقتراع، اقتربت مني المرأة التي استقبلتني وشرحت للسيدتين انها المرة الأولى في حياتي، لمحت تعاطفا حقيقيا في عيونهما، طلبت مني السيدة التي استقبلتني جهاز الموبايل والتقطت لي صورتين.
قالت لي: احتفظ بهما، للمرات الأولى طعمها الخاص دائما.
خرجت… وطوال الطريق من مركز الاقتراع وحتى بيتي وأنا أبكي بصمت.
ابكي وطني الذي لم أستطع أن اصوت فيه طوال حياتي مرة واحدة بحريتي إلا في السجن، وها أنا منفي عنه ولا أستطيع حتى زيارته.

This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.