يسأل هذا السؤال من لا يفهم معنى بنوة المسيح لله . ويعتبرها بنوة جسدية من صاحبة كما قالها المهرطقون سابقا . وذكرها القرآن كيف يكون لله ولد ولم تكن له صاحبة ؟
ولمن لا يفهم سر بنوة المسيح لله عليه ان يتمعن بدراسة ما نقوله بهذا المقال كي يتوقف عن طرح مثل هذا السؤال العقيم .
من هو المسيح بالنسبة إلى الله حسب العقيدة المسيحية ؟
الإيمان المسيحي مؤسس على ان الله إله واحد لا شريك له . والله له ذات وعقل ناطق وروح يحيا بها .
لا يمكن ان يكون الله بلا كيان أو ذات وهو موجود منذ الأزل وباق إلى الأبد، هو روح لا يحده مكان ولا زمان . والله خالق الكون أي السماوات والأرض والحياة والإنسان والجماد والحيوان والنبات بكلمة كن . والكلمة لابد ان تخرج من العقل المفكر، وله كيان معقل وكلمة ناطقة لابد ان يكون ذات حية وليس من الجماد الغير عاقل، ومن له الحياة السرمدية لابد ان يكون فيه روح يحيا بها ويمنح منها الحياة للمخلوقات الحية . إذا الله له كيان وجودي سرمدي ، وله عقل مفكر وكلمة ناطقة ليخلق بها الكون وما فيه . وفيه روح الحياة التي يحيا بها . وبأختصار الله (ذات + كلمة ناطقة عاقلة + روح حية ) وهذا يشكل الثالوث المسيحي . المتكون من ثلاثة اقانيم مستقلة بذاتها، فالذات ليست هي الروح ولا الروح هو (الكلمة أو العقل) . لكن هذه الأقانيم الثلاث هي إله واحد لا ينفصل ولا يتجزأ . وقد خلق الله الإنسان على صورته ومثاله . أي لكل إنسان (جسد + نفس + وروح ). والثلاثة تكوّن إنسان واحدا متكاملا . فلا يمكن ان يكون الإنسان الحي الكامل بلا عقل مفكر يخرج الكلمة الناطقة وليس له جسد بلا روح يحيا بها .
اراد الله ان يظهر ذاته ليعرفه الناس ويتبعون وصاياه . فكلم النبي موسى مباشرة وسلمه الوصايا والشريعة ليتبعها الناس . ولما تمرد البشر لاحقا و زاغوا وفسدوا بعد النبي موسى. أرسل الله لهم الأنبياء للهداية والإرشاد ليعودوا إلى طريق الرب . منهم من اتبع تعاليم ووصايا الله، ومنهم من انحرف عن شريعته وتعاليمه بإصرار وعبد الأوثان و فسد في الأرض، حتى أرسل الله كلمته ليتجسد من روحه القدوس، فيحيا إنسان كامل مؤيدا بالروح القدس و يكون آية للعالمين . أرسل الله ملاكه جبرائيل يبشر مريم العذراء الطاهرة ان روح الله سيحل فيها وقوة العلي تظللها فيكون في احشائها طفلا مقدسا يمثل الله على الأرض وبين الناس ليظهر مجد الله ليخلص الخطاة من خطاياهم ويفتح للتائبين ملكوت السماء الأبدي . فكان المولد ابن العذراء هو يسوع المسيح الذي ولد بلا زرع بشر . لأنه من الله جاء . وهذا ما نطلق عليه بالمسيحية (ابن الله) أي له الانتساب الروحي إلى الله . وقد أخطأ من اسماه ولد الله من صاحبة، فالمسيح ابن الله بالروح وليس بالتناسل من صاحبه . وأخطأ من شبه الله بالإنسان، و قال عنه إنه لم يلد ولم يولد . فالله الروح حاشا له ان يتصف بصفات انسانية في الولادة والتناسل . ولايحتاج رب الكون لصاحبة ليكون له ولدا مخلوقا من تراب ومثله كمل آدم، فقد تجسد كلمته فصار الكلمة إنسانا كاملا مؤيدا بروح الله القدوس وجيها في الدنيا وفي الآخرة من المقربين . يعمل نفس أعمال الله كلها في الخلق وشفاء الأمراض و إحياء الموتى وعلم الغيب وغفران الذنوب والخطايا لأن سلطان الله معه، فهو كلمة الله الناطق على الأرض. ولهذا قال المسيحيون ان الله هو [ الآب والأبن (الكلمة) والروح القدس ] .
المسيح يسوع هو الله بالروح والسلطان والقدرة ممثلا الرب على الأرض. وهو ابن الله بنفس الوقت لأنه من روح الله جاء، ومن كلمته تجسد وولد فصار إنسانا زكيا خاليا من أي خطية . نزل من السماء، وولد من مريم العذراء القديسة الطاهرة ، وجاء مخلصا للبشر ولهذا دعى الله اسمه بالعبرية يشوع أي المخلص ، وبالعربية يلفظ يسوع، ولقب بالمسيح لأن الملك والنبي في شعب اسرائيل المختار من الله يمسح بالزيت المقدس ليقود شعبه إلى بر الأمان والى ملكوت الله . ولهذا السبب يبدأ المسيحيون الصلاة التي علمهم إياها السيد المسيح قائلين :
باسم الاب والابن والروح القدس – اله واحد آمين .
فهل علمتم لماذا نسمي الله القدوس (الآب) . لأنه ابونا ومعطينا الحياة وساكن في قلوبنا.
وندعو يسوع المسيح ب (الأبن) : لأنه تجسد من كلمة وروح الله وصار إنسانا ليظهر للبشر مجد الله وعظمته وتعاليمه، وليس له أب من البشر ، فكان الله أبوه بالانتساب الروحي . وإبن الله يعني المعبر عن ذات الله الغير منظور بالمسيح المنظور .
فلا يسئ البعض بما نؤمن به ويدعونا بالمشركين . فهل الله بلا روح ، حتى نشرك الروح مع الله كإله مستقل ؟ وهل الله بلا عقل ولا كلمة ناطقة خلق بها الكون، فيكون الكلمة شريكا مع الله كإله مستقل ؟ وهل الله ليس له ذات وكيان منذ الأزل وإلى الأبد كي نعتبره الها مستقلا، فيكون لدينا ثلاثة آلهة نعبدها؟ هذا من خيال المرضى الغير فاهمين عقيدة المسيحية التي تؤمن بإله واحد ضابط الكل وخالق السماء والأرض . كما نؤمن ان كلمة الله تجسد وصار إنسانا . دفع ثمن خطايا البشر كذبيحة كفارية وكان هو الذبح العظيم حتى صلب من أجلنا بتدبير الله وعلمه السابق، مات المسيح بالجسد فقط ، ولكن جسده لم ير فساد القبور والموتى، لأنه نفذ ما وعد به قبل موته، أنه سيقوم من عالم الاموات مرة أخرى، ليثبت للعالم أجمع أنه الوحيد الذي غلب الموت وكسر جبروت الشيطان وهو الله الحي الذي لا يموت . فمن مات هو الجسد البشري للمسيح فقط . اما الروح الإنسانية فقد عادت له بعد فراقها للجسد ثلاثة أيام فقط ، وكذلك لاهوت الله لم يفارقه ولا لحظة حتى وهو في القبر، وأقامه من الموت حيّا بجسده وروحه . ثم صعد الى السماء بعد ان ظهر لتلاميذه لمدة اربعين يوما وأعطاهم قوة روح القدس ليبشروا بالإنجيل في كل مكان . ووعد المؤمنين به أنه سيبقى معهم الى انقضاء الدهر .
قال يسوع المسيح :” أنا هو القيامة والحياة، كل من آمنَ بي وإن مات فسيحيا ” .
أنا هو نور العالم – أنا هو الراعي الصالح – أنا واقف على الباب اقرع ، من فتح دخلت معه واتعشى .
انا البداية والنهاية وانا الألف والياء.
هذا هو الإيمان المسيحي ، فمن يفهمه ويؤمن بالمسيح كان من أبناء الملكوت، ومن يرفضه فيوم الحساب قريب وسيدفع كل إنسان عما آمن به وما فعله من خير أو شر امام الديان العادل الذي سيجمع الخراف الى يمينه والجداء الى يساره ويأخذ كل منهم نصيبه في الحياة الأبدية من نعيم وفردوس أو يعذب في جهنم غير مأسوف عليه .
صباح ابراهيم
10/9/2023