هنالك فرق بين الديانة كديانة والدولة كدولة والدمج بينهما وهذه كانت هي معضلة الاسلام,ليس من المعقول أن الدين الاسلامية مع الدولة القوية أنذاك تشكلت خلال ربع قرن(20-25) سنة, الموضوع احتاج إلى 150-200-سنة تقريبا, من الممكن أن نعرف ذلك من خلال فكرة تدوين السيرة النبوية وتدوين الأحاديث,وحرق الحجاج لآخر نسخة من القرآن مختلفٌ عليها.
أول سيرة نبوية كتبت هي سيرة ابن إسحاق سنة 150 للهجرة, وهذه السيرة أيضا اختفت وظهرت مكانها سيرة ابن هشام سنة 200 للهجرة,والسؤال الذي يطرح نفسه هنا لماذا لم تكتب الا بعد 150-170 سنة من الدعوة الإسلامية؟ سيقول لك البعض أن المسلمين كانوا مشغولين بتدوين القرآن وبعد أن فرغوا من القرآن بدئوا بتدوين السيرة, غير أن الكاتبة الألمانية ( باتريشا كروشنة) في كتابها(الهاجريون-السرسنيين) -وهذا هو اسمهم -تقول غير ذلك, وهو أن الإسلام لم يُعرف كدين رسمي صاحب قوة ونفوذ للعرب إلا ما بعد الألفية الأولى للميلاد(1000 ميلادي), وكان الدين الإسلامي بداية يبشر فقط بقدوم المسيح الذي سيأتي مع السرسنيين,والسرسنيين جماعة من المهاجرين كانوا يعتمدوا في حياتهم على الجرة مثل البدو الرُحل,وكان من جملة اعتراض اليهود والمسيحيين على النبي محمد هو أنه لا يوجد نبي يأتي ومعه سيف.
إن تاريخنا ندرسه بغير مناهج علمية فآخر عملية حرق للمصاحف لم تكن في زمن عثمان بل كانت في زمن الحجاج واعتمد على النسخة التي هي بين يدينا الآن,ولو أردنا أن نفكر بالمنطق فإن النسخة الأولى من القرآن كانت كبيرة جدا وموجودة اليوم في القاهرة ووزنها 250 كيلو, فكيف يقول المؤرخون في قصة التحكيم بين علي ومعاوية بأن الجنود رفعوا المصاحف على رؤوس سيوفهم ورماحهم!!!,وهذا غير منطقي والمنطق السليم يقول بأن هنالك كانت (صُحف) مكتوبة بعضها على رقاع وعلى جلود الحيوانات قبل اختراع الورق, وهذه المصاحف كانت تعود للهاجريين السرسنيين وهم فرقة من العرب كان أيضا بينهم أناس من غير العرب تم وصفهم بكلمة هراطقة مسيحيون أصولهم عربية, يدعون إلى دين جديد في الوقت الذي كان به بني أمية في دمشق يتحالفون مع الروم ويصكون أول عملة نقدية عربية بعد ذلك أيام مروان بن الحكم منقوش عليها صليب, ولم يكن الإسلام دينا رسميا لبني أمية إلا عند بعض شرائح المجتمع, أو رجال أقليات وعائلات أقليات.
يعني كان محمد وجماعته في الحجاز يدعون إلى ديانة جديدة وكان من أقربائهم بني أمية يؤسسون دولة موالية للرومان البيزنطية المسيحية,وحين كبرت الجماعات الإسلامية من الهاجريين طالبوا بني أمية بالانضمام إلى الإسلام وتسليم الدولة لهم فرفض الأمويون وبقوا على ديانتهم النصرانية حتى أيام معاوية أو لنقل دولتهم المسيحية الموالية للإمبراطورية الرومانية.
هنالك نقطة أساسية في الموضوع وهو الذي يؤدي إلى غياب الحقيقة, النقطة الأساسية أننا نأخذ الإسلام من المصادر العربية الإسلامية ولم نأخذه من المصادر الرومانية أو الفارسية, تلك المصادر كلها والخرائط القديمة لم تذكر حتى أسم مكة في الوقت الذي كان مسجلا عندنا مكة كمدينة كبيرة ظهر فيها الدين الإسلامي,وهذا علميا غير صحيح, عدا عن ذلك ذكر أنواع النباتات والأشجار لم تكن معروفة في مكة وجدة والطائف كالتين والزيتون وهذه موجودة في بلاد الشام, مما يدلل على أن مصادر المصحف(المصاحف) من مصادر شامية كُتبت بعضها في الشام أو أخذت ثقافيا من رجال مارسوا التجارة بين مصر والبتراء وتبوك وتيماء ومكة.
ورغم أن بني أمية كانوا معارضين للإسلام إلا أنهم في الآونة الأخيرة اعتمدوه كدين رسمي حين وطدوا أركان الدولة الأموية,وصلبوا عبدالله بن الزبير وبذلك امتلكوا الدولة الدينية وهي مكة والمدينة , وبعد جهد جهيد عدى عليهم العباسيون وثاروا عليهم وأخذوا الدولة منهم على عنوة, فانتقلت السلطتان الدينية والدينية من يد الأمويين إلى يد العباسيين.
أما ما قبل ذلك في البداية انهزم الهاشميون عسكريا على يد بني أمية ولكن ثقافيا انتصروا عليهم وبقي دينهم تنظر إليه روما على أساس أنهم جماعة من المهرطقين لم يهتموا لهم وكان اهتمامهم ببني أمية فقط لا غير, هذا ما أدى إلى حرية تسرب الدين الإسلامي بين العرب وأخيرا انشق الهاشميون على بني أمية عندما قويت شوكتهم وبدئوا محاربة روما في معركة مؤته ومن ثم بعد انتصاراتهم انضم إليهم بني أمية وصارت قصة فتح مكة, واحتوى الهاشميون أو الهاجريون جماعة بني أمية وكبرت الجماعات الإسلامية, حتى ظهر علي بن أبي طالب وعاد الصراع مجددا بين بني أمية والهاشميين والذي كان من المتوقع أنه انتهى ووقعت معركة الجمل وصفين بين علي ومعاوية, بالنسبة لبني أمية على حسب مقولة عمر بن الخطاب( نحن الأمراء وأنتم الوزراء) أي أن لبني هاشم نصف الدولة وهي المكانة الدينية ولبني أمية رئاسة الدولة والحكومة, على مبدأ تقاسم الكعكة بينهما بالمناصفة, أي أن مكة لبني هاشم مثل الفاتيكان اليوم ومكانتها الروحية, دولة دينية منزوعة من السلاح,والسلاح فقط بيد الدولة الأموية, ولكن الهاشميين رفضوا ذلك بعد مقتل عثمان وبقوا يحاولون السيطرة على الدولة الدينية والمدنية معا أي مكة ودمشق, وفي النهاية تحققت طموحاتهم على يد العباسيين,فاستولوا على الثقافة وعلى الحُكم, أي أن الهاشميين في البداية انتصروا ثقافيا وهُزموا عسكريا, وبعد ذلك انتصروا ثقافيا وعسكريا, وبدأ ظهور الفقهاء وتدوين الأحاديث النبوية, وظهور الإسلام بشكله الذي نعرفه حاليا.
هذه هي الحلقة الضائعة في كتاب ( الهاجريون),وهذا هو تصوري للموضوع.