لم اقرأ في تاريخ حياتي عن أي نظام حزبي وسياسي من الممكن لي ولك أن تفهمه في دقيقة واحدة إلا الإسلام نفسه, فالإسلام نفسه هو الديانة الوحيدة في العالم التي من الممكن لك أن تقف على كافة تفاصيلها في دقيقة واحدة أو في أقل من دقيقة وكل ذلك من خلال ما اختصره جعفر بن أبي طالب الطيار رضي الله عنه عندما مثل بين دي النجاشي( الملك) ملك الحبشة, طبعا القصة معروفة لطلاب المدارس ولكن ما ليس معروفا في المدارس والجامعات هو عملية إيفاد السفراء إلى الدول المجاورة, فلماذا اختارت قريش ( عمرو بن العاص بن وائل السهمي) رضي الله عنه وارضاه إلى النجاشي؟ هذا سؤال من جهه, والسؤال الآخر: كيف استطاع رجل من رعاة الغنم والإبل أن يختصر النظام الإسلامي جملة وتفصيلا في أقل من دقيقة فيشرحه ويسهله ويتحدث عن نظرية الأخلاق والعقد الاجتماعي أو نظرية العقد الاجتماعي في أقل من دقيقة واحدة,وفي تلك التعاليم أيضا نظرية أخرى وهي: الاختصار وعدم الاكثار من الكلام المعجون والملتوت.
أولا اختارت قريش عمرو بن العاص ليس لمكره ودهائه السياسي بقدر العلاقات الطفولية التي كانت تربط بن العاص مع النجاشي, فقد كان يفد أبوه العاص بن وائل السهمي إلى النجاشي وكان وقتها النجاشي حدثا وعمرو حدثا تحت السن القانوني, كان أبوه يرافقه ويصاحبه في الدنيا معروفا لكي يعلمه كيف يختلط بالناس وبالملوك وبأبناء الملوك, وحين هاجر المسلمون إلى الحبشة وعرفت ذلك قريش أرسلوا وراءهم ( عمرو بن العاص السهمي) لِما يعرفونه من علاقات طيبة تربط عمرو بن العاص بالنجاشي, وهذه نقطة تحسب في ميزان القوى السياسية وعلم أصول العلاقات الدولية التي أبدع فيها العرب من قريش, طبعا الحديث مع النجاشي روته أُم المؤمنين أم سلمة.
الحديث في مسند أحمد( 4168و 4400 ) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، ومن حديث أم المؤمنين أُمِّ سَلَمَةَ ابْنَةِ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( 1740 و 21460و22498 )
أنا شخصيا حضرت في حياتي أكثر من 100 ندوة أدبية مثلا عن نقد(النص) وكنا نستمر في المؤتمر لساعات ولأيام 3 وأحيانا أربعة أيام وبعدها يقول رئيس المؤتمر: الحديث شائك جدا وذو شجون ولا يكفينا هذا العام الإحاطة بالموضوع من كل جوانبه, وبعد سنة كاملة كنا نعقد في نفس المكان والساعة مؤتمرا عن نفس الموضوع وفي الجلسة الختامية والتوصيات يقرر المؤتمرون: أن المؤتمر الآن لم يستطع بحث الموضوع بالكامل, طبعا عدا عن ذلك الكثير الكثير من المؤتمرات والندوات السياسية لبحث ( الكولانية) أو ( البراغماتية) وبعد ثلاثة أيام يقول أصحاب المؤتمر: الوقت داهمنا ولم نستطع الإحاطة بالموضوع, طبعا جُل أولئك من كبار أساتذة الفهم والجامعات الذين يحملون شهادات عليا في السياسة والأدب وعلم الاجتماع ومع ذلك يعجزون في غضون 3 أيام عن تحديد مفهوم ومفاهيم قضية بسيطة من قضايا النقد الأدبي أو العلوم السياسية أو علم الاجتماع.
ولكن تخيلو معي رجل راعي غنم من الصحراء العربية من مكة ومن قريش وبالذات من بن هاشم ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم يصف النظام الاجتماعي الإسلامي والأخلاق, طبعا أنا اضحك جدا على كتب في المكتبات مكتوب عليها: تعلم الشيوعية في خمسة أيام, أو تعلم الإنكليزية في خمسة أيام, أو الرأسمالية في خمسة أيام, أضحك دائما وأقول: جعفر بن أبي طالب حقق الرقم القياسي الذي لم يحققه حتى اليوم أحد مثله, شرح الإسلام في أقل من دقيقة.النظرية الإسلامية فقط في أقل من دقيقة!!! يشرح الإسلام ونظرية الإسلام الاقتصادية والاقتصاد الإسلامي وعلم أخلاق وسلوكيات مجتمع بأكمله بكافة معايير تلك الأخلاق ونقدها وما يلزمها من طرح بديل عنها في أقل من دقيقة!! أعيد واكرر: في أقل من دقيقة من الممكن لأي شخص في العالم أن يتعرف على الإسلام من خلال مقابلة جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه مع النجاشي.طبعا هنالك في المقابلة مسألة أخرى عالقة حول ماهية الزكاة وكيف تحدث عنها جعفر قبل فرضها وهو موضوع آخر سنشرحه إنشاء الله في المرات القادمة حين يكون ذهني صافي وخالي.طبعا ولا ننسى أخلاق المتحدث والناطق الإعلامي, فمن الممكن أن نعتبر جعفر بن أبي طالب أول ناطق إعلامي في الإسلام وأول ناقد له وأول شارح له قبل ظهور علوم القرآن وعلوم أصول الحديث, وكذلك العجب العُجاب في أسلوب السرد والحديث وعلم الخطابة والتركيز على الجوانب الاخلاقية الاسلامية التي لا تدعو إلى التطرف وقتال المختلفين مع الإسلام عقائديا وعملية الهجرة هي لمنع سفك دماء أبناء العمومة, وهي الأخلاق الإسلامية التي جاء الإسلام من أجل توطيدها
” الإسلام في دقيقة:أيها الملك، كنا قومًا أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، يأكل القوي منا الضعيف”.
“فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه”.
“فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئًا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام”. تقول السيدة أم سلمة رضي الله عنها -وهي راوية القصة-: “فعدَّد عليه أمورَ الإسلام”.
: “فصدقناه، وآمنا به، واتبعناه على ما جاء به، فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئًا، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا”.
“فعدَا علينا قومنا، فعذبونا وفتنونا عن ديننا، ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث”.