تابعت ثلاث دراسات أُجريت حول مفهوم السعادة، وما هي العوامل التي تجعل الإنسان سعيدا. وجدت أن لكل دراسة نتائجها، ولكن اتفقت تلك الدراسات الثلاث على بضع عوامل، ألا وهي: البساطة، الحياة الإجتماعية، الروحانية، والصيغة الوراثية!
……
يهمني اليوم الحياة الاجتماعية وهي تعني تحديدا علاقتك بالمحيطين بك، وأهمية الصداقة بالنسبة لك، وتفاعلك مع أصدقائك!
علما بأنك لا تستطيع أن تفصل بين “البساطة” كعامل من عوامل السعادة، والـ “صداقة” كعامل آخر.
العلاقات البشرية معقدة جدا، وأبسطها على الإطلاق يُفترض أن تكون علاقات الصداقة، فالصداقات مالم تتسم ببساطتها وبعدها عن التعقيد لا يمكن أن تكون صداقات حقيقية! أنت تختار فلانا من الناس صديقا، لأنك تشعر بأنه ملجأك الآمن الذي تلوذ إليه عندما يداهمك قلق الحياة، ولا يستطيع هذا الفلان أن يكون ملجأك إن كان معقدا وعصيّا على الفهم وعسيرا على الهضم!
…..
احتفلت هذا العام بعيد ميلادي الستين، علمتني السنوات الستون التي عشتها، أهمية الصداقة في حياتي، وكيف يجب أن أختار هؤلاء الأصدقاء.
وصلت إلى مرحلة من حياتي لم أعد قادرة على أن أضيع لحظة واحدة في محاولة بلع مالا أستطيع بلعه، عندما يتعلق الأمر بالناس الذين يعيشون في دائرتي الضيقة! بعض الأنواع من البشر ترهقني وتستنزف طاقتي ووقتي، ولذلك اُسقطهم وبشجاعة ـمن حساباتي، أو أتعامل معهم بحذر وبذكاء:
ـ نوع يتصيد أخطائك وأخطاء الآخرين، ويركز عليها بطريقة تصبح محور اهتمامه. هذا النوع ليس قادرا على اكتشاف مكامن الجمال حتى في أجلّ صوره، ناهيك على أن يكون قادرا على الاستمتاع به… هو نقاق، ومن خلال نقه تكره الحياة ومن فيها!
ـ نوع يعرف العصب الذي يوجعك فينقر عليه. على سبيل المثال، يعرف أن موضوعا ما يزعجك وتتجنب التطرق له، فيلجأ إلى الحديث عنه بمناسبة وبغير مناسبة، وقس على ذلك! ـ نوع ينقل لك ما يقوله الآخرون عنك بالسوء، مدّعيا أنه استبسل في الدفاع عنك، ومن خلال تفصيلاته الدقيقة عما قالوه تدرك حقيقة مشاعره، وتعرف أنه يقصد أن يهبط بك!
…..
ونوع آخر وهو الأسوأ: لا يتفاعل معك عاطفيا، بل تشعر معه أنك تتعامل مع آلة. لم أكن يوما ممن يهتم بقراءة أصدقائي فكريا وبحرفية، بل على الأغلب أستمتع بقراءتهم عاطفيا! ليس كل أصدقائي يشاركونني مستوى ونوعية تفكيري، فلديّ أصدقاء حميمون لم ينالوا من العلم إلا قليله، ولكنني أتفاعل وأتحاور معهم عاطفيا!ليست العواطف السلبية التي يظهرها الناس هي ما تحجبني عنهم، على العكس تماما، فأنا مشدودة ومنذ نعومة أظفاري إلى الناس القادرين على التعبير عن عواطفهم بسهولة (سلبية كانت أم ايجابية)، بشرط أن لا تكون عواطفهم السلبية طريقة حياة بالنسبة لهم، وإنما مرحلة يمرون بها وردة فعل لأمر ما! مشكلتي هي مع الناس الذين لا يبالون، ولا تهتز لهم شعرة أمام قول ما أو حدث ما! ليس الكره هو عكس الحب، أبدا…
بل اللامبالاة والموت العاطفي هو عكس كل عاطفة جميلة! هذا النوع يجفلني ويرعبني فاسقطه، وإن لم أستطع اسقاطه أتحاشاه!
……
بالمقابل هناك نوع يجسد كل الصفات الجميلة، وهو النوع الذي أتمسك به بكل قوتي: نوع سهل المراس، مرن، لين الطبع، يشده الجميل أكثر بكثير مما يستهويه تصيد الأخطاء، يشاركك فرحك وليس فقط يتظاهر بتألمه على حزنك! هذا النوع تسهل قراءته عاطفيا، وجهه كتاب مفتوح لا تحتاج إلى قواميس لتفهم سيماته! يقول ما يعنيه ويعني ما يقوله بلا لف ودوران…
يعبر عن عواطفه بسلاسة، ويرتكس لأبسط الأشياء لأنه كميزان الذهب حساس جدا حتى لأخف الأوزان، فيقيسها بدقة عاطفية لا يشوبها غش أو خبث! هذا النوع لا أخافه ولا أتوقع منه شرا، ولذلك تسهل علي صداقته، وأقدّر تلك الصداقة!
….
لذلك أختار أصدقائي بدقة، وأميّز بين الأصدقاء والمعارف، فالمعارف هم من تفرضهم الحياة عليك لسبب أو لآخر، ولست ملزما أن تحولهم إلى أصدقاء! ليس هذا وحسب، بل ثق تماما أن من تختاره صديقا هو مرآة لنفسك، وهو يعكس بدقة متناهية جهازك القيمي والأخلاقي!
على حد تعبير الطبيب الأمريكي الهندي الأصل، والعالم الروحاني
Deepak Chopra،
في كتابه:
Grow Younger, Live Longer
Every relationship is a mirror that can show some aspect of yourself
(كل علاقة هي مرآة قد تظهر بعضا من جوانب شخصيتك) أما أنا فأقول: تظهرها كلها!
…
أعتبر نفسي انسانة سعيدة، وأنا مدينة بجزء كبير من سعادتي إلى الأصدقاء الذين يجملون حياتي، وما أكثرهم!