طوال عمري وأنا أقرأ بالكتب وأستمع لنشرات الأخبار وللبرامج الثقافية التلفزيونية الوثائقية أو غير الوثائقية, ولم أقرأ كلمة (كافر) ولم أسمع كلمة (كافر) إلا من مساجد المسلمين ومراكزهم الثقافية ومحطاتهم وقنواتهم الفضائية, إنني أكاد أجزم بأن الصين مثلا لا تستعمل فيها الناس هنالك كلمة كافر, فلا أظن بأن جماعة تقوم بقتل إنسان أعزل لمجرد اتهامهم له بالكفر, ولا أظن بأن دولة مثل اليابان تستعمل كلمة كافر, فلا يوجد أحد يستعمل هذه الكلمة إلا العربُ المسلمون , فمعظم الثقافات والأديان والمعتقدات نسيت كلمة كافر وماتت في شوارعهم ومدارسهم كلمة كافر ودفنوها وصلوا عليها وألقوا عليها تحية الوداع وكسروا خلفها جرة فخارية, فقط نحن المسلمون من نستعمل كلمة كافر وبكثرة وهي سهلة عند المسلمين ويداولونها فيما بينهم كما يتداولوا الأرز والطبيخ , ونطقها أو سهولة النطق فيها سهلة جدا أسهل من شرب فنجان من القهوة العربية.
, هذه الكلمة هي سبب طرد المسيحيين الموصليين من الموصل في العراق2014م وهي سبب قتل الفلاسفة والأدباء والشعراء والمثقفين, وهي سبب محاربة ابن رشد الفيلسوف الأندلسي الشهير وهي سبب قتل(السهروردي) على يد طاغية مجرم مثل(صلاح الدين الأيوبي) , هذه الكلمة هي سبب أزمتي الحالية في الأردن, وهي سبب كل الحروب الدينية القديمة وبعض حروب العرب الجديدة , وهي سبب إراقة الدماء في سوريا والعراق ولبنان وفلسطين ومصر, هذه الكلمة يجب أن نتخلص منها بأسرع وقت وإلا قضت علينا جميعا.
ثم أن الله وحده هو من يعرف من هو المؤمن ومن هو الكافر وليس نحن لأن كلمة كافر كلمة مطاطية ولها معنى لغوي وآخر اصطلاحي, لا أعتقد بأن الله أباح للمسلمين قتل الكفار,ولا حتى للمسيحيين, فالله لم يأمر اليهود بقتل الكفار, ولم يأمر المسيحيين بقتل الكفار, وعندي دليل يعترف به أو تعترف به كل الأديان والمعتقدات والفلسفات ولا تكذبه كُتب التاريخ مطلقا, والدليل هو أن الله عندما خلق الملائكة جميعا, وعندما خلق آدم أمر الملائكة بالسجود لآدم إلا إبليس أبى أن يسجد, وهنتا الله لم يرد أن يعاقب إبليس بالرجم, لا ولم يفكر الله بأن يعاقب إبليس بالسجن, ولم يعاقبه بالموت ولم يأمر آدم وهو أبو الأنبياء بأن يحمل بلطة أو سكين ليقتل آدم, في كل الكُتب السماوية وغير السماوية التي بين أيدينا لم نجد فيها دليلا أو قولا أو أمرا صادرا من الله بضرورة قتل آدم لإبليس, فالله لم يأمر أحدا بقتل إبليس عقابا له على جريمة العصيان أو الكفر, وأيضا آدم نفسه عندما خالف أوامر الله لم يأمر الله حواء أو أي مخلوقٍ آخر من المخلوقات التي خلقها بضرورة تكفير آدم وقتله, فهذه الأفكار وضعها البشر من أجل خدمة سياستهم ومن أجل أن تخدم أجنداتهم الخاصة, فمن غير المعقول أن يأمر الله زانيا برجم زانية كما يفعل أغلبية الناس اليوم, ومن غير المقبول منطقيا أن يحمل الله سيفا بيده ليقاتل البشر خدمة لدينه, فهل من المعقول أن الله غير قادر على تحويل الناس من معتقدٍ إلى معتقدٍ آخر؟ هل الله محتاج إلى البشر ليدافعوا عنه وعن دينه.
إنه من غير المعقول أن نخالف نواميس الطبيعة وأن نخالف الدين نفسه, هذا الكلام أعتقد أنا بأنه غير منطقي, فنواميس الطبيعة تُحرم القتل تحت غطاء التكفير أو بحجة التكفير, ولو كان الله أمر المسلمين فعلا بقتل اليهود أو المسيحيين بحجة أنهم كفار لأمر أيضا آدم بقتل إبليس لأنه كفر وعصى, فماذا كان رأي الله في إبليس عندما كفر؟ كان أن نفاه من السماء إلى الأرض , وقال له: أذهب وافعل ما تريده واغوي الناس وأفسدهم وأنا سأحاسبك يوم القيامة في آخر الزمان, إذاً عقاب الكافر أن يترك وشأنه كما ترك الله إبليس الشيطان لشأنه وأرجأ عقابه إلى يوم الدين لكي يدينه الديان, وبهذا الله لم يعط أي أحدٍ من البشر رخصة وإذنا بالمباشرة بقتال الكافر أو المرتد, عقوبة الكافر والعاصي والفاسق والمذنب بيد الله وليست بيد البشر تماما مثل الروح والرزق, فالروح بيد الله, والرزق بيد الله , وعقاب الكافر بيد الله, إن الله أراد لنا من خلال قصة آدم وإبليس أن يقول لنا بأنه لا يجوز لأحد أن يقتل أحدا بحجة الكفر ولو كان الله يريد ذلك لعاقب إبليس الشيطان بالقتل منذ أن بدأ الله بخلق ورواية قصة الإنسان وهو في السماء والأرض.
والحكمة الربانيسة من كل ذلك هو أننا من الصعب علينا أن نعرف من هو الكافر ومن هو المؤمن, فهنالك ظاهرة معروفة وهي أن كل دين لديه من الحجج والبراهين الكثير الكثير مما يدل على أن دينه هو الدين الصحيح وبأن دين غيره دينٌ ليس صحيحا, وكل أصحاب مذهب من مئات المذاهب أو لنقل من عشرات المذاهب المنتشرة في الأرض لديهم دلائل كثيرة تشير إلى أن مذهبهم وعقيدتهم اصح من كل المذاهب والأفكار والمعتقدات, وأيضا هنالك أناسٌ نقول عنهم بأنهم كفار ومع ذلك إذا راقبناهم فسنعرف فورا أن لديهم أعمال خيرية كثيرة مهمة, فهنالك أغنياء كثر يطعمون فقراء كثر, وهنالك كفار يعملون في مجال الإغاثة الدولية وينقذون كثيرا من الناس الذين تحاصرهم الكوارث الطبيعية, وهنالك كفار يخدمون الحيوانات ويرعونها ويخدمون البشر ويرعونهم , لا يمكن أن نصل إلى تعريف محدد وواضح لمعنى كلمة كافر أو من هو الكافر, نحن في الحقيقة لا نستطيع أن نحدد ونقرر بأن فلانا من الناس كافرا علما أنه يساعد المحتاجين وغير ذلك, كلمة كافر كلمة مطاطية ويصعب جدا تحديدها أو وضعها في إطارٍ معين, إن الكفر مسألة نسبية, وهي كلمة أيضا يجب أن تموت لأنه لم يبقى على وجه الكرة الأرضية أحد يستعمل كلمة كافر إلا المسلمون, ولذلك يجيب أن تموت وتختفي هذه الكلمة من قواميس اللغة ومن على ألسنة الناس, ومن الواجب علينا ملاحقة كلمة كافر ومصادرتها ومعاقبة كل من يتلفظ بها أو ينطق بها من على لسانه أو يجهر بها, ويجب أن نعاقب كل إنسان يتهم الآخرين بالكفر من أجل قتلهم أو مصادرة أفكارهم وآرائهم, كلمة كافر يجب أن نحفر لها قبرا وأن نعلقها من رجليها, كلمة كافر يجب أن تموت وأن تغادر بيوتنا ومنازلنا إلى الأبد, يجب أن نكافحها كما نكافح , هذه الكلمة ندفع سنويا بسببها أرواحا كثيرة تقتل, هذه الكلمة تتسبب لنا سنويا بأزمات حادة وحروب وقتال ليس فيه هواده.