بحثت في المطار عن لقمة آكلها محاولة أن أتجنب وجبات الطعام السريع، لأن الصيف ـ ومنذ بدايته ـ قد تكرّم علي بعدة أرطال من اللحم تمركزت في وسطي ولفت خصري كعجلة سيارة تحيط بمركزها المعدني!
ما أقسى القانون الكوني الذي يلزمنا بأن ندفع ثمن كل لذة….
فكل ما أتلذذ به من طعام ألبسه لاحقا!
قادني فضولي إلى مطعم للمؤكلات الشرق أوسطية، فسال لعابي على صحن حمص كذلك الذي تتحفني به صديقتي مطيعة بين الحين والآخر…
دخلته بحذر، وغرفة القيادة القابعة في مؤخرة رأسي تصيح: اهربي ولا تتطلعي إلى الوراء!
لكنني وقفت في الصف ووقف ورائي رجل ـ غرروا به كما غرروا بي ـ فلم أرغب في أدفشه وأهرب دون أن أتطلع إلى الوراء كي أعتذر عن وقاحتي…
طلبت صحنا من “كباب الدجاج” وملعقتي “حمص” وبعض المخللات…
أقسمت لي السيدة السوداء التي تبيع قسما معظما أن مافي صحني كان دجاجا وحمّصا…
كانت تبدو من اثيوبيا، فتساءلت: ماعلاقة اثوبيا بما تقدمه المطاعم البعلبكية والحلبية؟
كدت أتقيأ عند أول لقمة، فلملمت إحباطي وتوجهت إلى أقرب سلة قمامة….
لم ألمها، لكنني لمتُ نفسي التي تبحث عن الحرير في بلاد الاسكيمو!!
توجهت إلى أقرب ميك دونالد، وأنا أربت على خصري وأبارك أرطال اللحم التي تلفه واعدة إياها بالمزيد..
خرجت من الـ
Food court،
وأنا أشعر كما كنت سأشعر لو أن موضوع الكتاب الذي اشتريته كان بالصدفة عن مغامرات كيم كاردشيان ومؤخرتها البارزة..
لكنني اقتنعت وقبلت بقدري إذ “ماكل مرة بتسلم الجرة”!
أن تسيء إلى معدتك خير ألف مرة من أن تكسر جرّة عقلك!
ليس هذا وحسب، بل شعرت أن زيارتي لميك دونالد كانت خيانة صارخة للوعد الذي قطعته مع حفيدي آدم، بأن لا أزور ميك دونالد إلا بصحبته!
لم تكن خيانتي لذلك الوعد أقل جرما من خيانة “صلح الحديبية”، باستثناء أنني لم أدّعِ النبوة!
……..
دقائق وتغلق بوابة الطائرة التي ستقلني إلى نيويورك…
مرة أخرى أتحدى تلك الدقائق، إذ لا يلمع ذهبي إلا عندما أتحدى وأواجه بالتحدي!
دخلت محلا آخر لبيع المجلات والكتب، ولدي رغبة أن أخفف من حدة الاستنزاف الطاقوي الذي سببته قرائتي لكتاب
Blink،
فأنا أستحق فترة ترفيهية أعيد خلالها شحن بطاريتي!
التقطت مجلة
O
التي تملكها وتنشرها الإعلامية الأمريكية المشهورة أوبرا وينفري، ثم أسرعت باتجاه الطائرة وأنا ألهث وأتعثر بأرطال اللحم التي تلف خصري وتضغط عليّ حتى الإختناق!
………
ليذهب ميك دونالد إلى الجحيم، وليأخذ معه طنجرة المحشي وصينية الكبة ومنقل الفحم وأكياس المكسرات وكل ما متّ إلى الحلويات الشرقية من قريب أو بعيد!
بل ليبقوا ولتتهذب شهواتنا!
جورج برناردشو اعترف مرّة: أنه لا يوجد إخلاص في الحب، إلا ذلك الحب الذي نمارسه عندما نأكل!
لقد سبق وأعلنت خلافي مع برناردشو عندما قال: يزداد حبي لكلبي كلما تعمقت في علاقتي مع الناس، وها أنا مرّة أخرى أعلن خلافا آخر!
فغذاء الروح بالنسبة لي لا يقل متعة، وإلا لما فاتتنتي عربة المأكولات والمشروبات في الطائرة وأنا أمارس أقدس أنواع الحب، حب الغوص في عمق النفس البشرية!
لذلك كلما تعمقت في علاقتي مع الناس كلما ازداد حبي لهم…
الإنسان يكره أخاه الإنسان من منطلق جهله له!
….
أعزائي القرّاء:
تابعوني كي تغوصوا في عمقي، ولكي أثبت لكم أنه عندما يغوص كل منا في عمق الآخر لا يجد إلا جوهره الكوني سواء كان داعشيا أم كان ذلك الآخر الأم تيريزا….
لقد قادتني غرفة القيادة في مؤخرة رأسي لألتقط مجلة
O،
لكي أثبت لكم مرة آخرى صحة ما أود قوله…
فترقبوني لأن القادم آجمل…
خير الكلام … بعد التحية والمحبة السلام ؟
١: من الحماقة الحكم علَى إنسان ما من خلال فنجان قهوة ، ومن الحماقة أكثر الحكم عَلَيْه من خلال وجه نظر الآخرين ؟
٢: نعم من أسباب الكثير من مآسينا هو جهلنا بالاخر ، والحكم عليه إما حقدا أو غيرة أو خوفا ، وأمراض هذا المثلث تنعكس في النهاية على من يسقط فِيه وليس عليه ، ورغم ذالك يصر الكثير من الحمقى السقوط فيه ، سلام ؟