أحد الأكاديميين اتّهمه بالكذب والتزوير وبنشر الثقافة الإيرانية
عهد فاضل: العربية نت
الدكتور بشار الجعفري، مندوب النظام السوري لدى الأمم المتحدة، يعود إلى الأضواء مجدداً، كعادته، إنما هذه المرة بشائعات عن استبداله من رئاسة وفد النظام التفاوضي إلى جنيف، بفيصل المقداد، كما قالت “تسريبات” منذ عدة أيام، لم يتم التأكد من صحتها.
وبينما يكثر الكلام عن شخص بشار الجعفري، في الآونة الأخيرة، بأنه دمشقي من أصول إيرانية ومن أصفهان تحديداً، كما قالت بذلك بعض وسائل الإعلام العربية منذ يومين، يشار إلى أنه بالفعل، وكما تم تعريفه في الصفحة الرسمية لـ”البعثة الدائمة للجمهورية العربية السورية لدى الأمم المتحدة” بأنه يتقن اللغة الفارسية، إضافة إلى اللغتين الفرنسية والإنجليزية.
ودون أن يكون هناك أي سبب لإتقانه الفارسية خصوصاً أن كل شهاداته العليا من فرنسا، فضلاً عن شهادته الجامعية من دمشق عام 1977 وكانت عن الأدب الفرنسي!
ومع الإشارة إلى أن القول بأصله الإيراني ليس وليد الأيام الأخيرة، بل سبق وهمس به البعض هنا وهناك، إلا أن هناك مؤشراً آخر لما نقلته بعض وسائل الإعلام العربية، حول أصوله الإيرانية، وذلك في نقدٍ سابق يعود إلى شهر أبريل من عام 2014 وجّهه الدكتور محمد أبو بكر باذيب، في مدونته الإلكترونية، لكتاب الجعفري الموسوم بـ”أولياء الشرق البعيد.. رواية تاريخية حول كيفية انتشار الإسلام في أرخبيل الملايو”.
الجعفري ينشر الثقافة الإيرانية.. وما خفي أعظم
فقد قال الدكتور باذيب إن كتاب الدكتور بشار الجعفري هو “نموذج للعبث التاريخي والعمل الممنهج على نشر الثقافة الإيرانية في صفوف السادة بني علوي في إندونيسيا”. مع الإشارة إلى أن الدكتور الناقد لم يكن بصدد النيل من شخص الجعفري أو الحفر بأصوله، بل كان يستلهم ملاحظات استمدّها مما ورد في الكتاب.
ويضيف الدكتور باذيب في نقده للكتاب أن بشار الجعفري عمل في كتابه السالف على الادعاء بأن من أدخل الإسلام إلى “الجزيرة في عام 548ه” هو “داعية إيراني قدم من تبريز” فيعلّق الدكتور باذيب بقوله: “هذا الكلام كله من نسج الخيال، فأي شيء نأخذ منه أو ندع؟” ويضيف الدكتور باذيب: “الملفت في الكلام أن هناك عملاً ممنهجاً في الرواية إلى ترسيخ قدم التسمية الإيرانية لبلاد فارس”.
ويندفع الدكتور باذيب إلى القول واثقاً، إن الجعفري: “يطمح إلى ما فوق ذلك، فهو يريد أن يرسّخ لدى القراء أن إيران قديمة الوجود على الخارطة الدينية والفكرية، منذ العصور القديمة”، مؤكداً أنها “لعبة مكشوفة” طالباً من الجعفري أن “يلعب سواها، فإنه لن يتمكن من الضحك على عقول القراء”. كما قال في نقده وتقريظه لما ورد في كتاب الجعفري الذي سقط إعلاميون عرب لدى قراءته وكتبوا فيه المدائح، ما يؤكد أنهم لم يقرأوا الكتاب، وإلا لوجدوا أكثر مما أشار إليه الدكتور باذيب، خصوصاً في ربط الجعفري للدعوة الإسلامية في تلك البلاد بشجرة أنساب “إشكالية” تجعل إيران الإسلامية صاحبة “اليد الطولى” في تاريخ تلك البلاد التي وصفها الجعفري بـ”أقاصي المعمورة”!
بعد شهادات سياسية كاملة.. دكتوراه إسلامية من إندونيسيا
ولد الجعفري في دمشق عام 1956. ويحمل شهادة جامعية بالأدب الفرنسي من جامعة دمشق 1977، ودبلوماً في الترجمة والتعريب عام 1978 وماجستير في العلاقات السياسية الدولية من باريس عام 1982 وماجستير في إدارة المنظمات الدولية من باريس 1982 ودكتوراه في العلوم السياسية من ذات البلد عام 1984 ودكتوراه دولة في العلوم السياسية عام 1989 من السوربون بباريس.
إلا أنه، وفجأة، يحصّل شهادة أكاديمية عليا لا تتفق بحال من الأحوال مع كل تحصيله العلمي السابق وهي “دكتوراه في تاريخ الحضارة الإسلامية في جنوب شرق آسيا” عام 2002 من جامعة شريف هداية الله بإندونيسيا!
لم يحظ مسؤول سوري بما حظي به الجعفري من مناصب
أما مؤلفاته فهي كلها سياسية ما خلا كتاب “أولياء الشرق البعيد” عام 2003 المشار إليه سابقاً. وبدأ عمله رسمياً عام 1980 كدبلوماسي في وزارة الخارجية السورية. وتدرج في مهامه من ملحق دبلوماسي في فرنسا عام 1983 إلى سكرتير ومستشار لبعثة بلاده بالأمم المتحدة عام 1991 ثم أعيد إلى فرنسا مستشاراً في السفارة عام 1997 ثم وزيراً مفوضاً وقائماً بالأعمال في سفارة بلاده بإندونيسيا عام 1998 ثم مديراً لإدارة المنظمات الدولية في الخارجية السورية عام 2002 وسمّي مندوباً دائماً لسوريا لدى مكتب الأمم المتحدة في جنيف عام 2004 ومندوباً دائماً لنظام الأسد بالأمم المتحدة، ولا يزال، منذ عام 2006.
هذا فضلاً عن أنه رئيس الوفد التفاوضي إلى جنيف، ورئيس وفد النظام إلى الاجتماع التشاوري السوري في موسكو عام 2015 وكان كبير مفاوضي وفد النظام السوري في جنيف عام 2014 كما أنه مقرر لجنة الأمم المتحدة لإنهاء الاستعمار منذ عام 2006 وحتى الآن. وسبق له أن كان ممثلاً للخارجية السورية في ما يعرف بـ”تفاهم نيسان” في الناقورة بلبنان ما بين عامي 1996 و1997. وهو المنصب الذي كان يسمح له بالتفاوض مابين “حزب الله” اللبناني والحكومة اللبنانية والحكومة السورية وحكومة إسرائيل وعدد من الدول الراعية لهذا الاتفاق والمتدخّله به كإيران بالدرجة الأولى!
لكن.. متى أتقن اللغة الفارسية؟
وبالنظر إلى الشهادات الجامعية التي حملها من فرنسا، فإنها كانت تفترض أن تكون المصادر البحثية للجعفري مرتبطة فقط بالسياسة الدولية والمعاهدات والمواثيق وبعض نظريات الفكر السياسي وتاريخ الدول السياسي والعسكري، وهي نقطة أشار إليها الدكتور باذيب لدى نقده لكتاب الجعفري “أولياء الشرق البعيد” عندما قال: “تُرى ماذا يريد كاتب سياسي ورجل بمستوى الجعفري من الكتابة في هذا الموضوع؟ فإن التواصل التاريخي ما بين بلاد الشام وشرق آسيا كان ضعيفاً جداً، ولو كان الكاتب مكياً أو حجازياً أو حضرمياً لما كان هناك أي عجب” ويؤكد بعد تساؤله أن هذا العجب سيزول “إذا علمنا من خلال تصفح الكتاب وليته كان صادقاً مع نفسه ومع حقائق التاريخ ولم يعمد إلى الكذب والتزوير”. منتهياً إلى القول عن كتاب الجعفري بأنه “ذلك الكتاب الغريب المريب”.
ونقطة أخرى تضاف إلى ما قاله باذيب، هي أن الجعفري وكما يرد في تعريفه الرسمي فهو ملمّ باللغة الفارسية ويتقنها إلى جانب الفرنسية والإنجليزية. علماً أن كل تدرجه التعليمي من شهادته الجامعية في دمشق، إلى كل شهاداته في فرنسا، غير مرتبطة على الإطلاق باللغة الفارسية، لا من قريب ولا من بعيد.
فإذا تم جمع ملاحظات الدكتور باذيب التي تقول بتعمّد الجعفري نشر الثقافة الإيرانية بشكل ممنهج، مع خبر أصل الجعفري الإيراني الذي نشر منذ أيام، وهُمِس به من قبل، مع الإتقان مجهول الأسباب للغة الفارسية ومنذ نعومة أظفاره، ستكون النتيجة باتجاه واحد، وهو أنه إيراني الأصل فعلاً.
وقد يكون هذا هو السبب لاختياره في عام 1996 ليكون ممثلاً للخارجية السورية في “تفاهم نيسان” الذي كان “حزب الله” اللبناني وإيران، طرفاً أساسياً فيه، إضافة إلى إسرائيل ودول أخرى.