أيام زمان كانت الناس تستحي من بعضها البعض, حتى الحيوانات كانت تستحي من بعضها البعض مع بعض المبالغات كانت القطط تستحي وتخجل وكنا حين نقول للقطط (جت-شت) كانت فورا تقفز وتهرب بعيدا أما اليوم تقف القطط بمقابلك ولا تتحرك من كلمة شت أو جت نهائيا وتحملق عيناها بك وتتسمر مكانها دون أن تتحرك بكل وقاحة, زمان كان الشارع يستحي وكل الجمادات وكل الكائنات الحية… يا أخي كانت الناس تخجل من بعضها البعض,وعلى الأقل كانت الناس تستحي على حالها والحياء كان شيمة الرجال والنساء , وكانوا صغار السن يخجلوا من أن يتحدثوا أمام كبار السن ما لم يسمح لهم الكبار بذلك, أيام زمان وأنا شاهد على العصر, كانت سيارة لحوم الأضاحي تأتي إلى قريتنا وتقف من أول النهار إلى غروب الشمس حتى الفقراء أنفسهم كانوا يخجلوا من استلام لحوم الأضاحي, كانوا يخجلوا ويستحوا من الجيران إذا عرفوا أنهم بحاجة إلى اللحمة أو أنهم فقراء وأذكر مرة من ذات المرات صار سائق السيارة ينادي على الناس اللي طالعين من الجامع ويحثهم على استلام لحوم الأضاحي والناس وكأنهم ما سمعوا وما رأوا, أما اليوم فإن الموضوع قد اختلف, لستُ أدري هل هو الفقر نفسه أم الطمع أم الجشع, اليوم تأتي سيارة لحوم الأضاحي من السعودية إلى قريتنا وتستقبلها الناس بالهتافات وتشرف الشرطة والحاكم الإداري على توزيع الأضاحي وأول من يستلم اللحم هم من تظنهم أنهم أغنياء, يتزاحمون على سيارة اللحمة مع الفقراء والمعدمين جدا, الناس زمان كانوا يستحوا يحكوا عن أنفسهم أنهم فقراء.
زمان الناس كان عندهم عِرق حياء وخجل, هسع عِرق الحياء انقطع وطق وبطلت الناس تخجل وتستحي من بعضها البعض ومن النادر أن نخرج من البيت بعد الساعة التاسعة مساء لنجد شابا أو مجموعة شباب يمشون في الشوارع وكانت الناس تخجل من رفع صوتها في الشارع كانت الناس تستحي على دمها, أما اليوم فإنني في أغلب الأحيان لا أستطيع النوم من كثرة الضجيج والسهارى المرابطون في الشوارع ليلا وأغلب الأيام لا يهب أحدهم إلى بيته لينام إلا بعد أن يفج (يطلع) الضوء هذا عدى الصياح والكركعة دون أن يخجل أحدهم من الناس والجيران, فعلا الناس بطلت تستحي نهائيا , وزمان كنا نادرا ما نسمع صوت إطلاق عيارات نارية وكانت الناس تخجل من إطلاق العيارات النارية بدون سبب أما اليوم في أغلب الأيام لا نستطيع النوم ليلا من كُثرة ما نستمع لصوت الأعيرة النارية والله بطلت الناس تستحي وتزوق على دمها زمان كنا نستحي ونتخبى(نختبأ) من أستاذ المدرسة إذا صادفناه بالشارع, اليوم أستاذ المدرسة ما بستحوا الطلاب منه على العكس دائما فرندس مع الطلاب على الفيس بوك, وزمان كانت لطالب الجامعة هيبة قوية تشبه هيبة الوزير أو المحافظ أو رئيس الحكومة, كنا زمان بس نسمع بطالب جامعة عبر الطريق كنا نطلع نركض حافيين,حفاة القدمين, على شان نشوف طالب الجامعة كيفنه أو كيفنهو, أما اليوم فطالب الجامعة لا يستحي على دمه ولا يحترم الشهادة العلمية التي يحصل عليها, زمان كان طالب الجامعة يستحي اكثير ويخجل إكثير أما اليوم طالب الجامعة لا منظر ولا محضر وليست له وليست عليه هيبة المتعلمين, زمان كانت الناس تستحي ترفع عيونها بعيون طالب الجامعة وتعتبره الناس صاحب نيافه أو قداسة أو فضيلة.
وكمان الناس كانت تستحي من بعضها , أنا أذكر لما مات أبي قعدوا جيراننا 40 يوم ما يشاهدوش التلفزيون والجيران الأبعد منهم أكثر من أسبوع وهم لا يشاهدوا التلفاز, وكمان أولاد الجيران كانوا يستحوا يحكوا أمامي عن مسلسل أو عن فيلم كرتون إلا بعد ما مر على وفاة أبي 4 أربعة شهور وعشرة أيام وهن فترة عِدة المرأة الشرعية , هسع (الآن) الناس بطلوا يستحوا بتلاقي المواطن ميت والجيران مشغلين إستيريو إف أم 4 سماعات على آخر صوت.