قوات الصقور والنمر ينافسون بشار الأسد على الحكم.. هذا ما بقي من “مؤسسات” الدولة

monalisaموناليزا فريحة- النهار

في ظل إصرار الغرب عموماً وإدارة الرئيس الاميركي باراك أوباما خصوصاً على وجوب الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية لتفادي فراغ في السلطة ودفع البلاد إلى الفوضى الشاملة، يلقي تقرير للباحث توبياس شنايدر الضوء على البنية الداخلية الراهنة لمؤسسات منهارة بعد خمس سنوات من حرب طاحنة، مبيناً نظاماً مركزياً منهاراً لصالح جماعات وشبكات محلية وعصابات متنافسة من أمراء الحرب والميليشيات، واقتصاد قوامه الاتجار بالنفط والسلاح والبشر في أكثر مناطق البلاد، وذلك في استقلال تام عن سلطة دمشق حيث بقي الرئيس بشار_الأسد رئيساً بالاسم فحسب.

في تقرير مفصل، يسهب الباحث الذي يقول إنه أمضى سنوات في إجراء أبحاث تتعلق بالقوات المسلحة للنظام وتعقب تطورها، في إظهار تفكك مفهوم “الدولة”، خصوصاً في السنوات الثلاث الأخيرة، مشيراً إلى أن القوات التي تقاتل في صفوف النظام والقائمة على ميليشيات محلية وطائفية الطابع مثل “صقور الصحراء” أو جيوب ميليشيوية مثل “قوات النمر” اكتسبت درجة كبيرة من الاستقلال السياسي والاقتصادي عن مركز النظام في دمشق، أو فرعَيْه في اللاذقية وطرطوس، واستقلت معها مواردها الاقتصادية والريعية القائمة على النهب وتجارة المخدرات والرهائن والأتاوات.

وبتقديره أن عدداً قليلاً فقط من هذه الميليشيات لا يزال قادراً على القيام بأي تحرك قريب من عمل هجومي، معتبراً أن سبب هذا التشرذم يذهب أبعد من القيود الطائفية أو الديموغرافية، إلى التداخل بين ضغوط اقتصادية وادارية وطنية ومحلية.

الخرائط الملونة

وليست الخرائط الملونة التي تظهر مساحات حمراء واسعة تحت سيطرة النظام في غرب البلاد، مؤشراً دقيقاً لقياس ميزان القوى على الارض في رأي توبياس، إذ في تلك المساحة عشرات وربما مئات من المناطق الصغيرة الموالية اسمياً فقط للأسد.

كيف تعمل الميليشيات

ويسرد الباحث طريقة عمل الميليشيات وأمراء الحرب في سوريا، مورداً تحديداً تشكيلين متنقلين مسؤولين عن أكثر المهمات الصعبة للنظام، وهما “قوات النمر” و” صقور الصحراء” اللتان تتحركان على التوالي في حلب واللاذقية.

وتعمل هاتان الوحدتان كنوع من جهاز الاطفاء المسلح بتوصيف توبياس، متنقلتين في كل أنحاء البلاد لإخماد الحرائق المحلية ورد هجمات الثوار، وفي بعض الحالات شن هجماتهما الخاصة. وفي هذه الأوضاع، يعمل مقاتلوها كالمعارضة، إذ يعبئون مجموعة من أمراء الحرب المحليين وبقايا النظام مع دعم أجنبي في تحالفات موقتة وغرف عمليات.

“النمر”
ليس قائد “قوات النمر” أشهر هذه الميليشيات إلا “النمر” نفسه، أي سهيل الحسن، الجندي المفضل لبشار الأسد، وهو ضابط في مديرية المخابرات الجوية. والى قيادته ما يعتبر قوات النخبة للحكومة، يعتقد أنه أحد مهندسي سياسة الارض المحروقة وحملة البراميل المتفجرة. وهو يحظى بشعبية كبيرة بين مناصري النظام.

وفي محاولة لتركيز الضوء على طريقة عمل النظام حالياً، يستعيد شنايدر قصة نشوء “قوات النمر”. فخلال الأيام الأولى للانتفاضة، نسق الحسن قمع الاحتجاجات في حماة، معتمداً على مجموعة من العصابات العادية وضباط سلاح الجو والزعماء القبليين. وكمنت فاعليته في قدرته على حشد الدعم المحلي بدل الاعتماد على مؤسسات الدولة المفتتة أصلاً. وفي الوقت المناسب، تطورت هذه الشبكة من الداعمين لتتحول إلى “قوات النمر”. وفيما أنشأت هذه الوحدة نواة أكثر استقراراً مع جنود شبه دائمين، لا يزال الموالون للنمر يتحدرون من شبكة واسعة من الميليشيات والمجرمين والمهربين من مناطق تمتد عبر وسط سوريا وخصوصاً محافظة حماة الاستراتيجية. وصارت غالبية الرجال التابعين له مباشرة معروفين بسمعتهم السيئة حول البلاد، بسبب نشاطات السرقة والتهريب والخروج عن القانون.

ويبدو أن النظام نفسه لم يعد قادراً على تحمل رجال النمر. فقد أفادت تقارير مطلع هذه السنة أن وحده خاصة من المخابرات السورية ألقت القبض على علي الشلي المقرب من الحسن بعمليات سلب ونهب وأودعته السجن. ومع ذلك لم تمض ايام حتى أطلق وأعيد الى الجبهة.

مثل هذه الحوادث يعتبرها شنايدر أكثر من مجرد اقتتال بيروقراطي بسبب الفساد. ووفقا لمقابلات أجراها، تبين له أن أمراء الحرب المقربين من الحسن معروفون على نطاق واسع بتهريب الأسلحة والأشخاص والنفط الى داعش واراضي المعارضة، وهو ما يقوض مباشرة جهود الحرب للنظام. الا أن الحكومة المركزية تبدو عاجزة عن القيام بأي شيء.

وضبط حاجز أمني الشهر الماضي شاحنة محملة بأسلحة مهربة مخبأة تحت أكياس من الطحين. وحصل تبادل للنار بين قوى الامن وأصحاب الشاحنة، الا أن اي توقيفات لم تحصل.أما السبب فلأن لا قوة موالية لدمشق حالياً قوية بما يكفي لمحاسبة هؤلاء اللصوص.
وبعد ذلك بأيام، قتل خمسة من رجال المخابرات العسكرية في مكمن نصبه لهم رجال شلي في سهل الغاب. وحاول عدد من مؤسسات الدولة عبثاً استعاب قوات النمر. ووردت دائماً شائعات عن أن واحدة على الاقل من محاولات الاغتيال التي استهدفته دبرت في مقر المخابرات العسكرية.

نشاط اقتصادي مشبوه

اقتصاديا، بيّن توبياس صورة سوداء لنشاط اقتصادي مشبوه في أكثر مناطق سوريا، من خلال الاتجار بالنفط والسلاح والبشر الذي تستفيد منه الميليشيات الموالية للنظام، بعدما تعلمت سريعاً الافادة من الضيق في الاقتصاد المحلي لتحرير أنفسها من مؤن دمشق، وخصوصاً في ما يتعلق بالنفط.
ومن الأمثلة التي يوردها على هذا النشاط المشبوه حادث حصل في #حماة هذا الصيف، ضبطت خلاله القوات السورية صهاريج عدة تهرب النفط في طريقها الى مناطق “داعش”. وخوفاً من رد انتقامي من طلال دقاق، سلم الضباط النفط الى مديرية المخابرات الجوية في المنطقة، بدل مصادرتها وتوزيع الكميات المنهوبة. وعندها تقول مصادر في حماة إن النفط اختفى مجدداً.

وكان لارتفاع الأسعار ونقص المواد الاساسية تأثير قوي حول البلاد، وجعل بعض النافذين من أصحاب الخبرة والارتباطات داخل النظام أغنياء كبار.

“صقور الصحراء” …المهربون في السلطة

ومن أكبر المستفيدين من هذا الوضع محمّد وأيمن جابر اللذان أسسا قوات “صقور الصحراء” ويجسدان صعود المهرّبين إلى السلطة. ففي عام 2013، أصدر الأسد مرسوماً يسمح لرجال الأعمال في القطاع الخاص بتأسيس ميليشياتهم للدفاع عن أموالهم، وبذلك سلح الأسد حكم اللصوص. ومذذاك، أدار الشقيقان عمليات تهريب النفط وتبييض الاموال عبر العراق ولبنان وحماية منشآت النفط، وفي الطريق أسسوا “صقور الصحراء” إحدى التشكيلات القتالية الأقوى للنظام.

ومع أن “صقور الصحراء” تعلن ولاءها لدمشق إلا أنّها عملياً مستقلة عن سلسلة الأمر والتمويل والتجنيد المرتبطة بدمشق، وهو ما أدى إلى احتكاك على أرض المعركة”.

ولم يكن الصدام العسكري المباشر في تدمر قبل أسابيع بين عناصر “صقور الجبل”، من جهة وعناصر “قوات النمر” من جهة ثانية إلا الواجهة العليا لصدامات أخرى أضيق نطاقاً بين ميليشيات أقلّ شأناً. ومنذ تلك الحادث، يقول توبياس إن الوحدتين لم تتشاركا أي جبهة.

اقتصاد الحصار

وشكل الحصار وسيلة مربحة في اقتصاد الحرب. ويشرح توبياس كيف تستفيد بعض الجماعات المسلحة من معاناة المواطنين في المناطق المحاصرة، عبر فرض الخوات على إدخال المواد الغذائية، ما يوفر لها ملايين الدولارات شهرياً. وبذلك صارت محاصرة المدنيين وفرض الخوات عليهم حاجة اقتصادية للنظام كي يبقي العديد من قواته الموجودة على أهم الجبهات “مكفياً وسعيداً”.

النظام المحشور

وثمة ظاهرة مقلقة برزت أخيراً في انتخابات مجلس الشعب التي قلبت المعايير التقليدية في اختيار مرشحي السلطة، والتي اعتُمدت طيلة عقود “الحركة التصحيحية”. ففي الماضي، يقول الكاتب صبحي حديدي كانت معايير الولاء والاستزلام والقرب من شبكات الأجهزة وحزب البعث، والتمثيل العشائري أو المذهبي أو الطائفي، هي السائدة عند تشكيل قوائم “الجبهة الوطنية التقدمية”. أمّا في “الانتخابات” الأخيرة، فإنّ الحصة الأكبر في قوائم السلطة ذهبت إلى ممثلي الميليشيات وشبكات التهريب وتجارة المخدرات وجباية الأتاوات والاتجار بالمعتقلين والمخطوفين والرهائن… وفي مقابل التراجع الهائل لنفوذ حزب البعث في صياغة القوائم، لوحظ أنّ سطوة الأجهزة الأمنية تراجعت بدورها، واحتكر العملية رجال من آل الأسد ومخلوف وجابر ونصور وصقور.
وبعد الانتخابات، أرسل عملاء النظام في حماه وفداً الى دمشق لتحذير الدائرة المقربة من الأسد من هوية الأشخاص الذين اختاروا ترقيتهم الى مجلس الشورى، ولكن في ظل غياب البدائل، يقول شنايدر إن الأسد يحتاج الأسد الى ابقاء هؤلاء الرجال قريبين منه.

بناء على الصورة المفصلة التي عرضها في تقريره، يخلص توبياس الى أن النداءات التي تسمع في العواصم الغربية، كما في موسكو، من أجل الحفاظ على مؤسسات الدولة تبدو فارغة، متسائلا: “كل هذه المعاناة من أجل الحفاظ على ماذا تحديدا”. ففي تقويمه أن الدولة السورية انتهت الى الابد، وأنه عند هذه النقطة يصير قطع الرأس أفضل من الانفجار الكامل.

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.