في عام 1966م تم عرض فيلمين بالولايات المتحدة الأمريكية, الأول بعنوان(زوجات هنري الست) والثاني بعنوان(رجل لكل الفصول) , طبعا من المعروف جيدا أن فيلم زوجات هنري الست يتحدث عن الإمبراطور(الإنبراطور) الإنكليزي ملك بريطانيا وهو هنري تيودور الثامن , أما الفيلم الآخر فيتحدث عن صديق الملك وهو المفكر الإنكليزي والخطيب السياسي المعروف(توماس مور) صاحب أشهر كتاب في زمانه وما زال إلى اليوم محافظا على شهرته وهو كتاب(اليوتوبيا السياسية) وهو يشبه بل وأجمل من شبيهه كتاب أفلاطون(المدينة الفاضلة), المهم في الموضوع أو الأهم في الموضوع أن الملك هنري أو الإنبراطور هنري تيودور الثامن كان مسموعا وصاحب سلطة قوية وهو مشهور بقطع الرؤوس مثله مثل هارون الرشيد أو ألسفاح أبو منصور, وكانت عظمة الملك هنري في زمانه لا تجاريها ولا تدانيها أي عظمة وكان توماس مور عبارة عن مثقف بسيط كما يقال(لا راح ولا إجا) أما الملك تيودور فناهيك عن عظمته أنه كان أول وآخر ملك في أوروبا يقلب الموازيين الدينية ويقلب الطاولة على بطن بابا روما كلمنت, وما أريد توضيحه أن فيلم هنري تيودور لم ينل أي جائزة سينمائية تذكر وأن الذي حصد سبع جوائز أوسكار هو فيلم( رجل لكل الفصول) وهو يتحدث عن مفكر ومثقف كان تحت أمر الملك هنري الثامن, ولكن الملك هنري الثامن غضب على توماس مور المثقف المسكين لأنه لم يعترف بطلاقه من الملكة كاترين ابنة الملكة الإسبانية إليزابيت وابنة إمبراطور إسبانيا الذي كان له شرف طرد العرب من الأندلس وإخراجهم منها سنة 1492.
قال يومها توماس مور المخلص جدا للديانة المسيحية ولله ولضميره قولته المشهورة : ( لا أستطيع أن أغضب ربي وضميري من أجل الملك) فغضب عليه الملك ثم دبر له تهمة كانت قد قادته في نهاية المطاف إلى برج القلعة ومن ثم تم قطع رأسه تحت المقصلة, أما الملكة ( كاترين ادراجون) التي أنجبت له (ماري) فقد بقيت منبوذة لرفضها وعدم موافقتها على الطلاق سنين وأعوام عديدة انتهت بموتها حزنا وألما وكمدا وهي أطول قصة طلاق حدثت في التاريخ حتى ساعة إعداد هذا المقال , وكانت حجة الملك هنري بأن الرب لم يكن راضيا عن زواجه من أرملة أخيه كاترين لذلك لم يرزقه منها وريثا شرعيا بعد مرور 17 عاما على زواجهما وتم التفريق بينهما بعد 20 عاما على زواجهما حينما وافتها المنية فبكاها هنري تيودور كثيرا ورثى لها, أما كاترين فكانت تقول بأن الزواج كان شرعيا وبأنها لم تصبح زوجة كاملة لأخيه الذي مات بعد عدة شهور من زواجهما حيث تزوجت كاثرين عام 1501م من آرثر، الأخ الأكبر للملك هنري ومن ثم أصبحت زوجة للملك هنري الثامن،وبالتالي رفضت الانصياع في ويلز لقرارات الكنيسة الإنكليزية بضرورة الفصل بينهما ورفض توماس مور أن يقف بجانب الملك بل وقف بجانب الله والحق.
وحين رفع المنادي صوته في المحكمة قائلا: صاح المنادي ينادي من جديد :” كاترين ملكة انجلترا “
تقدمت الأميرة الصغيرة سنة 1529م ، فجلست بالقرب من الملك ، ثم ركعت بهدوء أمامه ، قائلة حروف متوجعة ،مؤثرة :”مولاي أتوسل إليك حباً في الله أن تنصفني بعض الإنصاف ، وأن تشفق عليّ وترحم غربتي ، فأنا امرأة غريبة في بلادك ، وليس لي من هاد في هذه الأرض ، وبما أنك رأس العدالة في مملكتك فإني أفر إليك ، واحسرتاه ، إني لأشهد الله أني كنت لك في العشرين عاماً أمينة متواضعة طائعة ، وإذا كان أولادنا قد ماتوا فإنه لم يكن ذلك عن تقصير في عناية الأم أو نقص في حبها ، إن أباك كان معدوداً سليمان زمانه ! ، وكان أبي أحكم ملوك أسبانيا ، وكان لهما مشيرون حكماء كمشيري هذا الزمان ، وقد فكر في زواجنا فعرفا أنه زواج مشروع ، لذا أعجب كثيراً لهذه الدسائس التي أثيرت ضدي، أما إذا كنت قد وجدت أثراً للخيانة في سلوكي فأنا أرحل قانعة ، ولكن إذا لم يكن هناك شيء من ذلك ، فأنا أتوسل إليك بخضوع أن تدعني أبقى هنا “
أما الملك هنري فقد ثنى عليها ثناء عظيما ومدحها أفضل مديح ولكنه قال بأن زواجه منها طيلة عشرين عاما لم يكن شرعيا وبأن الله يعاقبه على ذلك بموت جميع أبنائه, وقد صفق يوما المنافقون له لأن الملك أراد الخلاص من عذاب ضميره وقد حزن المطبلون والمزمرون على حزن الملك ولكن التاريخ بعد مرور 400 سنة تقريبا لم يصفق له بل صفق للمفكر توماس مور الذي عارض (ويلزي) وكبار رجال الدين, وصفق لكاترين التي قالت لن تقبل بهذا الطلاق إلا بحضرة البابا في روما مما أثار الملك على البابا ورفض الملك الانصياع لسلطة البابا جعلت أيضا من البابا غاضبا على الملك متهما إياه بالكفر وبالزندقة, وتسبب هذا الطلاق بفصل الكنيسة الإنكليزية عن سلطة البابا في روما حتى هذا اليوم, ودفع بعدها الملك هنري الثمن غاليا وأعدم زوجتين من زوجاته لأنهن لم ينجبن له وريثا شرعيا وكان في كل مرة يتبجح بتهمة جديدة حتى أنه اتهم إحدى زوجاته بممارسة الجنس مع أخيها وطلقها وقطع رأسها في برج القلعة, وبعد أن طلق الملكة كاترين شتمت إحدى خادماتها زوجته (آن بولين)الجديدة فنهرتها كاترين وقالت لها: ستصبح بعد قليل مثلنا وستشفقين عليها, وفعلا طلقها بل وأعدمها وكانت حجته أن لها إصبعا سادسا في يدها وكانت تحاول أن تخفي هذا العيب عن عيون الحرس والوصيفات بلبس قفازات في يديها صيفا وشتاء وحين أراد الملك أن يطلقها بعد أن مل منها جنسيا قال: بأنها مسكونه بالشياطين والأصبع السادس علامة على ذلك.
إن فيلم هنري تيودور لم ينل أي جائزة من جوائز أوسكار بينما فاز فيلم توماس مور( رجل لكل الفصول) بسبع جوائز أوسكار حصدهن هذا الفيلم حصدا وكأن التاريخ يقول لنا بأنه ينصر المثقفين والبسطاء على الملوك والأمراء, فكم نصر التاريخ قضايا المعذبين في الأرض من العمال والشغيلة وكم بلغت شهرة شاعر بعد مماته الآفاق رغم أنه وهو على قيد الحياة لم يكن يملك ثمن الخبز كالشاعر العراقي بدر شاكر السياب مؤسس الشعر الحر شعر التفعيلة حين مات ولم يسمح صاحب البيت الذي كان مستأجره يوم وفاة الشاعر بأن تدخل جنازته إلى بيته وطرده وطرد زوجته وأولاده من البيت في يوم وفاة والدهم ولكن التاريخ أنصف هذا الشاعر وليس هنالك من مثقف ولا أديب في العالم إلا وسمع باسمه.
لقد تخصص الملك هنري الثامن بالتخلص من زوجاته الملكيات اللواتي اختارهن حبا وعشقا أو لمطامع سياسية وهن ست زوجات غير أخريات لم يلتزم بشرعيتهن , وحين رفض البابا مقترحه بطلاق زوجته الأولى ادعى أنه هو حامي الإيمان وبأن له حق السلطة على الكنيسة في معظم أرجاء إتكلترا آنذاك ودعا البرلمان إلى اجتماع عاجل وافقوه على رأيه ما عدى الفيلسوف توماس مور, ورغم أن الملك هنري في البداية كان ضد الاحتجاج البروتستانتي بزعامة مارتن هانز لوثر إلا أن مسألة طلاقه من كاترين وعزلها في شمال إنكلترا لم يؤدي فقط إلى عملية طلاق بل إلى ثورة بيضاء بعد ذلك قادت انكلترا إلى مجد التاريخ بكل ما فيها من عنفوان, صحيح أنه فقطع رأس اثنتين أولاهما الزوجة الثانية (آن بولين) وثانيتهما الزوجة الخامسة (كاترين هيوارد), إلا أنه كان من وجهة نظر أخرى تواق إلى وريث يرث له من بعده العرش التيوديري ولم يكن يؤسس لثورة دينية على الكنيسة أو بتأسيس بداية الفكر العلماني في التاريخ من خلال فصل أو تمرده على السلطة الدينية, كان يريد وريثا ولكنه أشعل حربا لم تنطفئ نيرانها حتى اليوم. أما الأخريات من الزوجات الشرعيات فقد طلق ثلاثا منهن بينما دفنته (كاترين بار) سادس زوجاته بعد موته وأعطته درسا عظيما في الأخلاق وتزوجت من عشيقها الأول قبل أن يمضي أسبوعان على تشييع جنازته, وأنا شخصيا لم تثرنِ طوال حياتي شخصية مثل شخصية الملك هنري الثامن ملك إنكلترا .