قفص مارك توين

يقول مارك توين: (“الإنسان هو الحيوان العاقل. (أنا أعتقد جازماً) أنّ إدّعاءً كهذا الإدّعاء، لابدّ أنّه مفتوحٌ للجدال. بالفعل، vitrofimanفإنّ تجاربي قد أثبتت لي أنّه الحيوان الغيرعاقل… حقيقةً، الإنسان غبيٌّ إلى درجةٍ لا يمكن تخليصه من غبائه. تلك الأشياء البسيطة التي تتعلّمها بقيّة الحيوانات بسهولةٍ لا يستطيع الإنسان تعلّمها.
إحدى تجاربي مثلاً كانت الآتية: في غضون ساعة، علّمت قطّاً وكلباً أن يكونا أصدقاء. وضعتهما داخل قفص. وفي غضون ساعةٍ أخرى علّمتهما أن يصادقا أرنباً. وخلال يومين كنت قادراً على إضافة ثعلب، ووزّة، وسنجاب وبعض الحمام، وأخيرا قرد. كلّ هذه الحيوانات تعايشت معاً بسلامٍ بل وحتّى بمودّة.
بعد ذلك، وفي قفصٍ آخر، قمت بحجز إيرلنديٍّ كاثوليكيٍّ من “تيبراري”، وبمجرّد أنّه بدا لي مروّضاً قمت بإضافة مسيحيٍّ إسكتلنديٍّ من أبردين. وتركيٍّ من القسطنطينيّة، ويونانيٍّ مسيحيٍّ من جزيرة “كريت”، وأرميني، وميثوديٍّ من براري أركنساس، وبوذيٍّ من الصين، وبراهميٍّ من بيناريس. وأخيرا، عقيدٌ من جيش الخلاص من “وابينغ”. ثمّ غبت ليومين، وعندما عدت لأرى النتائج، لاحظت أنّ قفص الحيوانات العليا كان على ما يرام. ولكن في القفص الآخر كان هناك فوضى دمويّة ونهايات العمائم والطرابيش مختلطةٌ مع اللحم والعظام — لم يبقى شيءٌ على قيد الحياة. تلك الحيوانات “العاقلة” اختلفت بشأن أمر دينيٍّ ثمّ رفعت القضيّة إلى محكمةٍ أعلى.”
مارك تواين، رسائل من الأرض: كتابات بلا رقابة
.).

كان مارك توين يضع كلبا وهرة في قفص منذ ولادتهما, ويأتي عليهما بعد فترة من الزمن فيجد أنهما قد قبلا في التعايش مع بعضهما في أقل من ساعة وأحيانا في غضون يوم أو يومين, ويجد بينهما الكثير من الوئام, تلك هي الحيوانات اللا عاقلة, غير العاقلة, غير المدركة, غير المثقفة, غير المتعلمة, غير المتربية, وكان يفعل من هذا النوع عدة تجارب, فيأتي أيضا بفأر وقط ويضعهما في داخل قفص فيعود إليهما بعد فترة ليرى ويشاهد بأم عينيه كيف هو أسلوب التعايش بينهما, فهذا النوع من الحيوانات في البرية أعداء لبعضهما ولا يمكن أن يتعايشا مع بعضهما في نفس المكان ودائما ما يعيش منهما أي واحد على حساب الآخر أو على حساب القتل, فهذه الحيوانات مثلها مثل الإنسان تقتلُ لتعيش, ولكن حينما يجدان أنفسهما في قفص وبأن هذا القفص لا مفر منه, يلجأ الحيوان على حسب تجربة مارك توين إلى ابتداع الوئام والانسجام حتى مع عدوه ويقبل بالتعايش مع الآخرين, ولكن لو طبقنا تجربة مارك توين على بني البشر من أديان مختلفة فهل ستنجح؟ هل سينجح القفص في خلق أجواء من الانسجام والتوائم بين المسلم والمسيحي واليهودي؟ استمر مارك توين في الحديث عن تجربته, فأحضر ذئبا وغنم فإذا نجحا في التعايش يذهب ليضع في قفص آخر عصفورا وخنزيرا وهرة وإذ ينجحا في التعايش : يضع …..إلخ, وأخيرا ماذا لو يضع!!: شيخا مسلما ومسيحيا معمدانيا ويهوديا, فيأتي إليهما بعد فترة فلا يجد منهما أحدا على قيد الحياة!!.

بالمثال على ذلك لو نظرنا من بعيد إلى أورشليم فإننا سنجد مسلمين ويهودا لا يستطيعون التعايش مع بعضهما في هيكل سليمان أو كما يُسمى جُزافا المسجد الأقصى , ولنفترض أن المسجد الأقصى هو قفص مارك توين فلماذا لا يتعايش المسلمون واليهود في هذا القفص؟ إنهما بالأحرى لا يستطيعون التعايش مع بعضهما نتيجة لاختلاف الثقافات بينهما على مر الأزمان, فالثقافة التي تغيرت وتمحورت وتبدلت أدت إلى اختلاف في الأديان, فالدين منذ نشأة العقيدة شيء ثابتٌ وليس عليه خلاف أما اختلاف الأديان فلا يمكن أن نسميه أديانا بل معتقدات, إذن الدين واحد ولكن المعتقدات مختلفة , وهذا الإشكال في الاختلاف بينهما أدى إلى نتيجة واحدة وهي انعدام التعايش بينهما في قفصٍ واحد أو في مدينة واحدة, وهذا مثل اختلافات الثقافة والتنشئة والتربية بين الزوجين إذ لا يمكن للزواج أن ينجح نتيجة لاختلافات التربية بكافة أشكالها وأنواعها إلا في حالة نادرة وهي أن يتقبل المختلفون بعضهم وأن يعترفوا بحق كل إنسان في العيش وفق ما يؤمن به, وهذا ما نسميه احترام الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.

خلاصة القول أن الإنسان(غبي) جدا وكما قال : (آينشتين): ” شيئان لا حدود لهما, سعة الكون وغباء الإنسان”, والحيوانات التي نسميها غبية وغير عاقلة نجد أنها تبتدع أساليب جديدة للتعايش مع بعضهما إلا الإنسان الذي يدعي العقلانية لا يستطيع التعايش مطلقا مع الثقافات الأخرى المختلفة, علينا أن ندرب أنفسنا على تقبل الآخرين كما فعلت الحيوانات غير العاقلة في قفص (مارك تواين), يجب علينا أن نقبل معنا المسلم واليهودي والمسيحي والبوذي, وأي واحد من هؤلاء لا يقبل بالآخر علينا أن نقاطعه, فماذا لو قبلت مثلا داعش بمسيحيي الموصل في الموصل؟ داعش أقل رتبة من الحيوانات لأن الحيوانات قد قبلت بالآخر وتعايشت معه إلا المسلمين, وأنا هنا أضع اللوم على المسلمين لأن أعيش معهم منذ 44 عام فهم جماعة غباءهم ليس له حدود, إنهم لا يتقبلون الآخر حتى أنفسهم لا يتقبلونها مطلقا.

About جهاد علاونة

جهاد علاونه ,كاتب أردني
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.