نحن نعيش ضمن مجتمع لا يحترم الآخرين وذلك من خلال ملاحظتين وهما: عبور الطريق ومخاطبة الآخر,وأنا دائما ما أتعرض للإهانة من خلال هاتين المسألتين, فمن يوم ما بدأ عقلي يتنور وأنا لا أجد من يحترم رأيي ولا من يدير النقاش معي بأسلوب حضاري مهذب,سواء من ناقشني أكان متوسط التعليم أم عالي التعليم, وهنا أود الإشارة إلى أن مناهج التدريس منذ المرحلة الابتدائية حتى المرحلة الجامعية لم تعطي لهاتين الظاهرتين أهمية كبرى في مناهجها, فلا توجد لدينا دروس يتم فيها إدارة الحوار بأسلوب محترم ولا دروسا عن عبور الطُرق سواء أكنا نمشي على الأقدام أن نقود السيارات, ولا حتى دروسا في المساجد والفضائيات الدينية تتحدث عن أدب الحوار.
وبما أننا لا نحسن عبور الطريق فإننا نتحول فورا إلى قُطّاع للطريق, فأثناء عبور الطريق كل تصرفاتنا وسلوكياتنا لا تدل على أننا عابري طريق بل قُطاع طريق, عابر الطريق معروف لدينا بسلوكياته إن كان عابرا عاديا أما حينما يتحول العبور إلى مهزلة وخدش للحياء العام واستمراء وجهل واعتلاء القوي على الضعيف فإن عابر الطريق فورا يصبح بسلوكياته قاطعَ طريق, علما أنني كنت أود ان أقول كلمة أخرى وهي لا يحترم نفسه بدل كلمة لا يحترم الآخرين, ولكن اختصرت الموضوع وقلت لا يحترم الآخرين.
في هذه المقالة لا أريد احترام الرأي الديني أو الاتفاق على مسائل فقهية دينية عميقة, لا أريد أن أتحدث عن مشاكل كبيرة عالقة بين الأديان, ولكن فقط أريد أن أشير إلى ثقافة لا نتعلمها ولم نتعلمها لا في المدارس ولا الجامعات ولا حتى في خطب الجمعة أو درس الجمعة أو درسا من الدروس التي تُعطى في المساجد,عبور الطريق أو عبور الشارع ثقافة يجب أن نتعلمها وأن نستمتع ونحن نتعلمها كما نستمتع بالماء والطعام, احترام الشارع الذي نمشي به, احترام الطابور…أه, بالنسبة للطابور: أتمنى أن أرى في بلادي طابورا يحترمه الناس, أو راكبا يصعد الباص من الباب الأمامي وينزل من الباب الخلفي, أو حينما يريد قطع الطريق والباص واقفا, أتمنى لو أراه يقطع الطريق من خلف الباص وليس من أمامه تجنبا للموت المحتمل وقد شاهدت في حياتي حادثتين مميتتين قطع بهما الراكب الطريق من أمام الباص وليس من خلفه, يعني إذا ادارة الحوار وقطع الطريق لا نحسنها فكيف سنحسن النقاش في أمور فكرية عقائدية كبيرة؟
رمي النفايات في الطريق أيضا بحاجة إلى مئات المبادرات الشبابية التطوعية التوعوية, تجد الحاوية فارغة من النفايات والجيران يلقون على منتصف الطريق نفاياتهم, وحاوية الزبالة لا تبعد مترين عن الذي بيده كيس قمامة ومع ذلك يرميها على الأرض ولا يصل بها إلى الحاوية, نحن تنقصنا فعلا ثقافة احترام أنفسنا, تتحدث مع رجل أو امرأة سرعان ما يقول لك):عليك حرب من الله ورسوله) أو (عليك اللعنة) أو (لعنة الله عليك) وهذا ليس لأنك سببت أمه أو أخته أو لأنك نلت من شرفه ولكن فقط لأنك اختلفت معه بوجهة النظر.
لنبتعد قليلا عن لغة الدين ولنتحدث عن موضوع يمسنا جميعنا وهو ثقافة الشارع, نظافة الشارع, احترام الطابور, الطابور هذا أتمنى يوما أن أسمع خطبة من خُطب الجمعة تتحدث عن ضرورة احترام الطابور, ومثلا ثقافة احترام ركوب الباص, أو احترام وتهذيب عمليات عرض البضائع في الشارع, أو كيف نمشي في الشارع, أو ثقافة قطع الشارع, قطع الشارع هذه وحدها لو أكتب عنها كل يوم مقالة لكتبت كل يوم قصة جديدة, أكون مثلا مصطفا بسيارتي على الإشارة الضوئية وعندما يشتعل الضوء الأخضر من المهم أن يعرف الذي يريد أن يقطع الطريق أن الدور لي, ولكنه يحملق بي ويجحرني بعينه وكأنه يقول لي: إذا بتفتح ثمك بفتح راسك,أو ( بلعن تعريس عرضك), فجأة يتحول الموضوع إلى بلطجة ويصبح فعلا قرصان طريق وقاطع طريق وكل المارة عبارة عن قطاعين طُرق, وقطاعي رؤوس, أولا يجب أن نعلم الناس أن المشي على طرف الشارع وليس في منتصفه, أنا واحد من الناس الذين يلاحظون أن معظم المشاة في الشوارع يمشون في منتصف الشارع وليس في وسطه.
هذه الأمور فكرت فيها بعد أن انتهيت من قراءة مشروعين ضخمين هذا العام وهما مشروع الطيب تيزيني عن رؤية جديدة للفكر العربي ومشروع الجابري عن بنية العقل العربي, ومن خلال مناقشتي للناس لم أتوصل إلى نتيجة إلا نتيجة واحدة وهي أننا كلنا بأخلاقنا يشهد لنا العالم بأننا قُطاع طُرق.